لا وجود لشيء ثابت وكل أمر هو قابل للتغيير ، فالحياة دائرة لا بد من الطواف بمحيطها ، فاليوم قد يكون لك غير أن الغد ممكن أن يكون عليك ، فدوام الحال من المحال ، فكما كنت بالأمس الشخص الكاسب للرهان ، فمن المرجح أن تصير الخاسر في اليوم الذي يليه ، فللغد وطأة لا يقدر عليها أحد. لا تفرح كثيرا بما حققته على حساب الآخرين ، فالقدر هو الآخر قادر على التلاعب بك كما فعلت بغيرك من قبل ، سينتقم منك فيهوي بك الى قعر الهلاك مذيقا اياك طعم الضياع ، سالبا اياك كل ما كنت تمني به نفسك من حقوق الغير ، نفسك التي تبعتها فهوت بك في مستنقعات الفجور ويا ليتك كنت من ذوي الفجور البائعين للهوى الذين يتاجرون بأجسادهم ، لكن فجورك وفسقك أشد نتانة منهم ، فقد خنت أعظم شيء في حياة البشرية ، خنت عقيدة الانسانية . ان شرف الانسانية أرقى من فض بكرة عذراء ، اذ هي السمة الرئيسية والتي نميز من خلالها بين الطيوب العفيف والحقير المبتذل. ان المسلم لجسده هو شخص ميسر له أمر التوبة والإنابة ، ذاك لأن قضيته تبقى مقتصرة عليه وقناعته بنفسه، عكس ذاك الذي استسهل بيع قيمه ومبادئه كانسان ، هاويا بمعاني الانسانية من درجات الارتقاء والسمو الى دركات الرعبدة والمهانة. ان هانت عليك نفسك فأنت حر في تصرفك وإياها ، ولا يحق لأحد من البشرية التدخل فيك ، اللهم ان كان يتعلق الأمر بإلحاق ضرر اذى بنفسك ، ففي تلك الحالة أمكن لكل شخص أن يتدخل في سلوكياتك وذلك من دوافع انسانية ، لكن وفي نفس المنحى من الكلام لا يحق لأي فرد منا أن ينصب نفسه سلطانا على الآخرين ، فيفتي في أمورهم ويتخذ عنهم القرارات بدلهم من غير أي صفة ولا توكيل ، فكما وانه لنفسك حقوق فكذا هو الأمر بالنسبة لغيرك. من واجبك أن تنظر بعين الانسانية للآخرين ، فتعلم أنهم كذلك بشر مثلك ، أرواح تبحث عن نفسها ، لها طموحات وأحلام تبغي تحقيقها كما هي الحال معك ، بل من المفروض عليك أن تمثل يد عون لهم فتقف الى جانبهم بمآزقهم ، ذاك ان كنت حقا ترغب في الارتقاء بنفسك ، فيذيع لك صيت في المجتمع ، فما أنت إلا فرد واحد من بين اولئك الأفراد المكونين للمجتمع ، والذي لا تعترف قيمه الحقة بالأنانية ولا النرجسية ، لأنك لم توجد لنفسك وحدك انما أنت هنا وهناك كذلك لغيرك. ما النفع من تفكيرك بنفسك لوحدها، فكأنك وجدت لتدفع بها نحو الهاوية، ليكون بالنهاية مآلها غير الذي كنت تصوره لها. أنت انسان خلقت لتكون اجتماعيا ، والاحتكاك مع غيرك من بني جنسك هو ما يثبت أحقيتك في ما تسعى اليه من أهداف ، ومدى مقدرتك على تحقيق أهدافك والحفاظ على واقعية أحلامك ، أما التفكير في أن الريادة خلقت لتكون من أجلك ، وأن ما تبقى من البشر هم دونك لأنهم لا يستحقون حتى التفكير في منافستك أو مشاركتك ، فما هو إلا طريق لن تجني من ورائها سوى الخسارة ، وأفظع أمر ستقترفه بحق نفسك هو خسارة قيمتك كانسان. معظم الناس يفكرون في بلوغ مآربهم بشتى الوسائل ، سواء كان المباح منها او المحظور ، حتى وان تعلق الأمر بتحطيم آمال أناس آخرين ، وبلوغ قمم المجد على حسابهم واستغلالهم أبشع استغلال. قد يكون هذا الاستغلال معنويا لا ماديا فقط ، لأن طموحات الانسان متعددة ومتنوعة ، فمنها المعنوية كالرغبة في الحصول على زوج حبيب أو صديق ، ومنها المادية كبلوغ سدة نفوذ او سلطة أو مال وجاه ، لكن الاستغلال يبقى استغلالا مهما اختلفت أنواعه وظرفياته. من المؤسف جدا بلوغ مراد دون الاعتراف بجميل شخص كانت له اليد في تحقيق نجاحنا والوصول اليه ، وكذا مقابلته بجحود وغلظة كأي نكرة. ليس عيبا أن نعترف بمساعدة بعضنا البعض ، فالإنسان وجد ليكون في خدمة بني جلدته ، والتعاون والمآخاة والتآزر خصال تأكد على سمو وجود اسمه البشرية. الاعتراف بالجميل يبقيك انسانا بكرامته، لكن الكفر بالآخر ان لم يضرك فهو لا ينفعك في شيء ، سوى في فقدان قيمتك كانسان. قد نكون مخلوقات تعاني من النقصان في جوانب معينة ، لكن هذا لا يشفع لنا في التصرف بوضاعة مع غيرنا من بني جنسنا ، لأن مهانة الانسان للإنسان هي مهانة له كذلك ، فذاك لأن جميعنا انسان ، لذا وجب علينا محاربة لعنة عشق الانا والتحلي بنكران الذات. لا تكن أنانيا وقحا ، وتذكر كل تلك الأيام التي كنت تبحث فيها عن شخص يفهمك ، يمسح دمعك ويكف عنك حزنك ، كنت تحتاج حينها الى انسان يأخذ بيدك ويساندك ، واليوم وبعد تقويك تخليت عن آدميتك وصرت ناكرا للمعروف لئيما. لا تنسى أنه لولا وجود ذاك الغير الذي تنفر منه في حياتك ما كنت شيئا ، ولولا حضوره الى جانبك ما كنت اليوم شيئا. عليك أن تعلم أنه وبتخليك عن غيرك في ساعات الشدة قد برهنت أن نجاحك الذي حققته من الأمس الى يومنا هذا لم يرقيك الى شيء ، انما ظللت حبيس نفسك التائهة والضائعة ، فالنجاح الأكبر هو أن تفهم معنى أن تكون انسانا ، اما غيرها من الاستحقاقات فهي قابلة للزوال والفناء . سيكون مصير كل انجازاتك وتفوقك الزوال مالم تتمكن من البرهنة على أحقيتك بها ، وأكبر برهان يمكنه أن يكسبك اياها هو تحديك لنفسك بأن تثبت لها فعلا بأنك تستحق أن تكون انسانا. لا تكن لئيما وفكر بغيرك كما تفكر لنفسك، فأنت وغيرك واحد ولا اختلاف بينكما.
الطواف بدائرة الحياة لن يفقدك من أمرك شيئا مادمت ترى أن لغيرك كرامة، ومن حقه أن يعيش انسانا ، لكن التفكير في أناك لوحدها سيجعلك خدرا مشوشا، كمركز الدائرة الذي تدور كل النقاط حوله ظانا أن الأمر يكسبه أهمية لكن الحقيقة أن متعة الحياة وحيدة فبقي بعيدا عنها وظل وحيدا. فما نفعك من تغنيك بحياتك لوحدك مالم يكن فيها حميم يشاركك؟