قرار السفر يرتكز أساسا على وسيلة النقل المناسبة والمتوفرة، وسيلة تحفظ سلامتك وكرامتك0ولأن جميع رحلاتك بالحافلة لم تكن يوما مرضية ،تقرر من باب التغيير السفر بطاكسي كبير0 تصل إلى المحطة ويبدأ أول فصل من الحكاية، تحديد موقع الطاكسي ليس بالأمر الهين، فلا لباس موحد للسائقين يميزهم عن غيرهم،ولا أسماء المدن مثبتة على المواقف0فقط لسانك دليلك، وبعد سؤال و جواب تحدد أخيرا موقع الطاكسي0ثم يؤكد لك سائقه الوجهة، ويعدك بإنطلاق قريب، بضع دقائق فقط حتى يكتمل عدد المسافرين0دقائق تتحول إلى ساعات في جو بارد يتآكل أطرافك 0 تبحث عن مكان تريح فيه قدميك من تعب الوقوف ، فتجد ما يفترض به أن يكون مصطبة الإنتظار، قطع حديدية ركب بعضها فوق بعض على عجل، لتمتص برودة المكان وتختزنها بانتظارك0تعدل عن فكرة الجلوس وتعاود الوقوف0 تدرس المكان من حولك ويرتكز تفكيرك على المتشردين و الحمقى، مخافة أن يباغتك أحدهم على حين غفلة بتصرف لا عقلاني يمس سلامتك0 يمر الوقت بطيئا بطيئا، وتجد نفسك رغما عنك تعد مع السائق عدد المسافرين لعل الخلاص يقترب0 ساعة، ساعتين ثم يكتمل العدد اللازم0 تسعد للحظة وتصعد إلى الطاكسي، لتجد ثلاثة أشخاص في المقاعد الخلفية، واثنين بالقرب من السائق0هذا الأخير يبدأ بتسلم التسعيرة من كل مسافر، تسعيرة من الطبيعي جدا أن تختلف من نفس النقطة ألف إلى النقطة باء ذهابا و إيابا0ولأن لا شئ يستدعي الإبكار يغيب السائق دقائق أخرى، يعود بعدها حاملا حفنة من النقود بين راحتيه ليعيد الباقي للمسافرين0وبما أن ذاكرته ضعيفة ينسى كم إستلم من كل مسافر، فتعلوا أصوات البعض مستنكرة ما يحدث، و بعد أخذ ورد تنتهي مرحلة الأداء0يطلب بعدها السائق من المسافرين أن يتقاربوا أكثر فأكثر حثى يغلق الأبواب0 هنا تكون قد اتخذت موقعا حربيا بين أن تكون ملتصقا تماما بالنافذة، أو أن تتوسط القوى العظمى0وكما الدول النامية تهضم حقوقك، تعدم راحتك، وتسحق إنسانيتك0لا مجال لتمد يديك أو تريح قدميك، فحركة كل أصبع يجب أن تدرس0 تنطلق الرحلة بستة أشخاص، ستة أرواح ، ستة أحجام، وسابعها السائق0تتنفس نفس الأكسجين غير المتجدد داخل سيارة مرسيدس متهالكة0وعلى طول الرحلة تعقد صفقة صامتة مع جارك لصيقك لتتحركا بنظام التناوب0وتدعو أن يكون من النوع الهادئ الغارق في أفكاره أو حثى في نومه لكي لا يجعلك ضيفه في جلسة إستنطاق 0 التكثل داخل الطاكسي يولد موضوعا للنقاش بين البعض فتعلوا أصواتهم ثم ما يلبث حماسهم أن ينطفئ ويعم الصمت، وبدون تردد يضع السائق كاسيطه المفضل،أغاني شعبية من الزمن الردئ 0لا يهم توافق ذوقه مع الاخرين ،فقط دبدوب الحب المتسخ المعلق بالمرآة يشاطره اختياره،ويتراقص يمنة ويسرة0 تفكر، المهم لن يغفو على هذا النوع من الأغاني ،على الأقل سيبقى يقضا ليوصل ستة أرواح متلاصقة لوجهتها0 تضع السماعات بأذنيك لتنصت لأغانيك، تهرب للحظات من واقع يعدم كرامة المواطن، ثم تعيدك أغنية هاني شاكر نسيانك صعب أكيد إلى واقعك، فهكذا نوع من الرحلات يصعب نسيانه 0 عند وصولك تدرك أن كل التعب الذي تحسه ليس مرده بعد مدينتك، بقدر ما هو راجع لقوى الإحتكاك المطبقة عليك والتي تنهك يديك، قدميك، 000وقلبك0