لن نبالغ إذا قلنا إن النسخة الثانية للحكومة، سوف لن تستطيع بدورها ملامسة هموم المواطنين والاستجابةلتطلعاتهم، رغم ما أحدثته ولادتها العسيرة من رجة قوية داخل تشكيلة الفريق الحكومي، وما أقدم عليه رئيسها من تنازلات إرضاء لبعض الخواطر واستفزازا لأخرى، وما أرسلته من إشارات واضحة على أنها لم تقف عند حدود إجراء تعديل تقني بسيط، بتعويض وزراء حزب الاستقلال المنسحبين منهابوزراء حزب آخر، بعد مخاضصعب من المفاوضات استغرقت أزيد من تسعين يوما بين السيدين: عبد الإله ابن كيران وحليفه الجديد: صلاح الدين مزوار أمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار، بل إن المسألة ذهبت حسب المقربين والحالمينبالتغيير، إلى ما هو أبعد في اتجاهتجاوز إكراهاتالمرحلة السابقة،والانخراط في الإصلاحات الكبرى، بالاعتماد على ثلاثة عناصر أساسية في إحداث الدينامية المرجوة: استحضار مبدأ المناصفة بحضور العنصر النسوي وإن بشكل محتشم، التشبيب، والكفاءة كمعيار لولوج الحكومة، وهذا ما يفسر عودة السيد: رشيد بلمختار وزيرا للتربية الوطنية، والمناداة على أحد أبرز أطر الإدارة الترابية لشغل منصب وزير الداخلية السيد: محمد حصاد، اعترافا من الدولة بما للرجلينمن مؤهلاتكفيلةبتحمل المسؤوليات الجسام،وما راكماه من حنكة وتجربة مهنية، إيمانا منها بنزاهتهما وقدرتهما على الاضطلاع بمهامهما في ظروف جيدة ومستقرة، فالأول اختير لإنقاذ منظومة التربية والتكوين وإخراجها من غرفة الإنعاش، والثاني لتسريع وتيرة تحضير الانتخاباتالقادمة بالدرجة الأولى، وإبعاد السيد: امحند العنصر وحزبه عن الشبهات، سيما بعد اللغط الذيعرفته الانتخابات الجزئية الماضية وما أثارته من شكوك واتهامات. إن ما هوأكيد، أن الرهان سيبقى صعبا علىإمكانياتهافي طريقة تعاملها مع انتظارات المواطن، وليس هذا دليل استهانتنا بقدراتباقي السيدات والسادةالوزراء سواء منهم القدامىأو الجدد، وإنما لكون الوضع أعمق من أن يعالجه مجرد تعديل حكومي، خضع في رسمه لترضية الأمزجة في الاستفادة من كعكة السلطة، بل يقتضي الأمر تشخيصا دقيقا للكشف عن مواطن الخلل واستشراف مكامن الأمل، وفق إرادة سياسية قوية وصادقة... وإذا كان المواطن المغربي العادي، يبدو غير مكترث إلا بما يخول له الحق في التعلم والعلاج ويوفر له فرص الشغل، ويضمن له عيشا كريما وعدالة اجتماعية...فالمهتم بالمشهد السياسي يدرك أكثر من غيره أن تحقيق الأمنوالنماء للبلاد والرخاء للعباد، لا يمر إلا عبرتنزيل القوانين المنظمة للحياة العامة.وبالنظر إلى ما يجسده مجلس المستشارين من أهمية بالغة في البرلمان، باعتباره يمارس إلى جانب مجلس النواب دورا حاسما في تقوية الرقابة على الحكومة، وأنه يمتلك نفس الآليات وإن اختلفت التقنيات، حيث يختصالأول بملتمس توجيه تنبيه للحكومة، فيما للثاني إمكانية سحب الثقة منها. وبناء علىنص الوثيقة الدستورية، يجوز للمجلسين معا: مجلس المستشارين ومجلس النواب، القيام بالمراقبة في وقت واحد، عبر تكوين لجن خاصة بالتقصي في أمر مشترك...وفي خضم التطورات، لم يعد مسموحاالتغاضي عن مظاهر العبث الصارخ الذي بات يطبع الحياة السياسية،على جميع المستويات والأصعدة في ظل حكومة فاشلة، انشغلت على مر حولين متتابعين بتوافه الأمور،ولم تستطع إلى الآن تفعيل مقتضيات الدستور، ففي تناقض صارخ مع روح دستوريوليوز2011،الذي مهد الطريق للحزب الحاكم في اعتلاء أمينه العام سدة رئاسة الحكومة، إثر نتائج اقتراع نونبر 2011الذي بوأه الصدارة، ومع ما أتى به من نصوص، نجد للأسف الشديد أن مجلس المستشارين في البرلمان، ما زالت تركيبته رهينة زمن انقضى عهده، خاضعة لمقتضيات دستور 1996 المنتهية صلاحياته، ويشتغل وفق فصول الدستور الجديد، بالإضافة إلى أن تسعين (90) مستشارا انتهت مدة انتدابهم البرلماني، ويستمر تواجدهم في المجلس من غير تجديد انتخابهم، علما أن مشاركتهم في التصويت أمر باطل، وفي حالة التصويت على القوانين بدون وجودهم يعد أيضا لاغيا، إنها لعمري المعادلة الرياضية الأكثر تعقيدا والتي لا يستطيع معالجتها إلا شخص في نباهة السيد ابن كيران، أطال الله في عمر حكومته الثانيةإن صلح حاله. قد يقول قائل إن مضمون الفصل 176 يشير إلى جواز ذلك بنصه على أنه: " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، دون إخلال بأحكام الفصل 51" لكن إلى متى يستمر الوضع على هذا الحال من الالتباس؟ فلو توفرت الإرادة الصادقة لما بقيت حالة الجمود تطبع الحياة السياسية، وما ترتب عنهامن تداعيات سلبية داخل البلاد وخارجها، مما قاد بتأخر إصدار النصوص القانونية، وعدم تفعيل مقتضيات الدستور، إلى التحول إلى إشكالية سياسية وإن كان الأمر على ارتباط وثيق بالنصوص التشريعية لتأسيس مجلس دستوري جديد... من هنا يتعين وجوبا - في ظل الطبعة الثانية للحكومة - على كل الفاعلين السياسيين في مختلف المواقع: أغلبية ومعارضة، الانتفاضة على هذا الوضع الشاذ،لإنهاء هذه المهزلة القانونية التي طال أمدها بشكل مستفز، والخروج بالبلاد من دائرة الزمن الضائع،ولعل أقرب المسارات إلى ذلك هو التعجيل بتنظيم انتخابات تشريعية لتجديد المجلس في جو من التفاهم، مع ضرورة استحضار العوائق القانونية التي يأتي على رأسها القانون المتعلق بالجماعات الترابية وإجراء الاستحقاقات الجماعية والجهوية والمهنية... ذلك أن البعض يفسر عدم اللجوء إلى إيقاف أشغال مجلس المستشارين، راجع ليس فقط إلى الفصل 176 السالف ذكره، وإنما أيضا إلى كون القوانين التنظيمية ما تزال في انتظار المصادقة عليها، ولا يعلم إن كان يجوز لرئيس المجلس وأعضاء مكتبه إجراء انتخابات لهيكلة المجلس ولو بثلثيه، سيما ونحن نعلم أن عضوية المستشار في دستور 1996 تتحدد في مدة تسع سنوات، ويجدد ثلث مجلس المستشارين كل ثلاث سنوات، وأن منطوق الدستور الجديد يقول بعدم التمديد لمن استكمل مدة انتدابه القانونية. ولنا أن نتساءل في ظل الأزمة الاقتصادية، وما يطالب به السيد ابن كيران من تقشف عن طريق تجميد الترقيات والتعويضات، وإلغاء التوظيف في المناصب الشاغرة، كم يكلف ميزانية الدولة من خسارةهؤلاء "المستشارون" الأشباح، وارتفاع عدد الوزراء بثمانية مناصب مالية جديدة؟ علينا جميعا أن نستحضر في أذهاننا مصلحة الوطن العليا،أن ننبذ الخلافات والحسابات الضيقة بيننا، أن نكشف صراحة عن مصادر الداء وابتكار أنجع دواء، حتى تتعافى أوضاع المواطن المعتلة،إخراجه من حالة الانتظارية الرهيبة، وأن نعمل بكل الجهود الممكنةعلىردم الهوات الفاصلة بين مكونات المجتمع وفعالياته، في إطارالتوافق الوطني والمنهجية التشاركية، إذا كنا نروم حقاتأمين مسلكي الانتقال الديمقراطي، والإصلاح السياسي والدستوري، بعيدا عن المزايدات السياسوية التي لن تزيد أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا تدهورا، على أن يسارع السيد ابن كيران إلى التماهي مع منصبه كرئيس للحكومة وليس زعيما لحزب المصباح، التعاطي مع تدبير الشأن العام بنوع من التبصر والرزانة، بعيدا عن لغة الخشب وأساليب التهريج، وفي الوقت ذاته يتعين على السيد شباط الذي آثر الانسحاب من الحكومة لقيادة المعارضة ضد غريمه، أن يرقى هو الآخر بمستوى انتقاداته للحكومة، لئلا يتحول البرلمان بغرفتيه إلى حلبة للصراع السياسوي غير المجدي. وإذا كان هناك من تباين حول مدى دستورية وقانونية قرارات الغرفة الثانية، فإن المرحلة تدعو حسب رأي بعض أساتذة القانون الدستوري، إلى تفادي منطق الشعبوية وعدم التذرع بما تستنزفه هذه الغرفة (مجلس المستشارين) من ميزانية ضخمة من أموال الشعب، لأجل المطالبة بإلغائها والتخلص من كل هذه الأوجاع والآلام، لما للغرفتين معا من أدوار هادفة، سيما ونحن مقبلون على أوراش كبرى منها الجهوية وما يستلزم الأمر من تقطيع ترابي، مما يقتضي الحفاظ على العلاقة بين المؤسسة التشريعية والمؤسسات الجهوية، فضلا عن التمثيلية النقابية...فمن العار على حكومة مطالبة بإعداد ما يفوق مائتي وأربعين نصا دستورياخلال ولاية تشريعية،ألا تستطيع إصدار سوى نص قانوني واحد طيلة عامين متتاليين ويتعلقالأمر بالقانون التنظيميللتعيين في المناصب العليا، لأن سيادة الرئيس ظل يرفض إشراك المعارضة في إنتاج النصوص القانونية قبل طرحها على البرلمان. فهل يتحرر من عناده في ظل الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة من حكومته ويعي جيدا مضمون المثل القائل: "لو كانت تدوم لبقيت لغيرك" ؟ لننتظر قليلا ونرى ما يخفيه لنا القدر !!