لابد وأثناء الخوض في أسباب وحيثيات الحراك الشعبي العربي من جعله داخل اطاره العام والنظر اليه من زوايا عدة,فكل رؤية أحادية الركن لا محالة غير صائبة.ولعل أبرز من يتناول الموضوع يقيمه من جانب اجتماعي أو اقتصادي أوسياسي صرف. غير أن المنطق يحتم تناول الموضوع من أبعاد شتى لعل أبرزها والذي يتجاهله الكثير ولا يولونه الأهمية التي يستحقها البعد التاريخي,فلا شك أن العرب لم ينسوا أنهم ذوو حضارة وذوو فضل على الانسانية جمعاء أثناء الفتوحات الإسلامية التي ربطت الشرق بالغرب والشمال بالجنوب,وبالتالي فهم دائما يطمحون إلى استعادة دورهم الريادي,كما أنهم لن ينسوا كيف وصلوا إلى ذلك,لا عن طريق الأحزاب ولا عن طريق الجمعيات ولا عن طريق الإنتقال الديموقراطي أو غيرها من المصطلحات العلمانية الدخيلة. لقد امن العرب المسلمين بذواتهم وجاهدوا أنفسهم من الفساد والذاتية والأطماع الغير المستحقة,فطبقوا الحقوق وأقاموا الحدود على أشرافهم قبل مستضعفيهم, واهتموا بالعلم وتركوا قشور الحياة,كل ذلك في ظل مرجعية دينية إسلامية,فكان لهم ما كان من ريادة الإنسانية والذهاب بها نحو أسمى الصور الإنسانية ورقيها . بعد ذلك تعاقبت الأزمنة وتعاقبت الدوائر بالعرب بعدما تخلوا عما اخذ بيدهم سابقا,فكان التفكك وجاءت الإمبريالية وجاء الإستعمار والإنحطاط,وعم الفساد ودخل العالم العربي في شراك اليهود الصهاينة ومؤسساتهم الدولية وإعلامهم المتوحش...فأصبحت العمالة بطولة والمقاومة إرهابا وتسابق العرب نحو التطبيع مقابل السلام او الإستسلام.فاحتلت المصالح الشخصية المراتب الأولى بدل المصلحة العامة,فاغتنوا أناس على حساب آخرين, وهمشت المرافق العمومية لصالح المرافق الخاصة. في النهاية هرم مجتمع متباعد المكونات,قاعدة كبيرة من المهمشين وقمة أقلية تحتكر كل شيء. مر ما يزيد على نصف قرن من استقلال الدول العربية وجربت جميع تجارب الإنسانية من أنظمة عسكرية إلى ثورية إلى علمانية إلى جمهوريات وممالك,والحال دائما يسوء من سيء الى أسوء,والسبب واضح وسهل وهو ما من شيء يستطيع أن يوحد صفوف العرب ويرفع من شأنهم غير دينهم, ونرى ذلك جليا عندما نبصر تخوفات الغرب وهلعهم من كل ما هو إسلامي فتارة يجعلون منه إرهابا وتارة يعدونه تخلفا إلى غير ذلك من النعوت, غير أن الأمر من ذلك كله عندما نرى من هم من أبناء جلدتنا يوظف نفسه جنديا ضد الدين تحت أي داع وبسابق معرفة أوبدونها.وبشعارات مستحدثة ووضعية. وخلاصة القول أنه مهما كانت من ثوارات الشعوب أو إصلاحات الأنظمة تبقى من دون شك دون تطلعات الجماهير العربية طالما ما لم تعتمد المرجعية الإسلامية في تغييرها ونضالها.