بعد مرور عشرة أشهر على حكم الرئيس محمد مرسي، وبعد دخول ثورة 25 يناير عامها الثالث، يترحم المصريون اليوم على أيام الرئيس السابق حسني مبارك، لاسيما أولئك الذين استفادوا من نظامه، أو الذين تدهورت أحوالهم بسبب الثورة. إلا أنهم متأكدون أن عصره قد ولى إلى غير رجعة، ويتمنون أن يقود البلاد رجل ذو خلفية عسكرية، ليعيد إليهم الأمن المفقود والإستقرار المنشود، لكن من دون فساد مبارك وأسرته وحاشيتهم. فالإنفلات الأمني هو كلمة السر في السخط على مرسي، والحنين إلى أيام مبارك. الأمن المفقود الأثرياء في مصر، من رجال الأعمال وأصحاب المشروعات الإستثمارية وأصحاب المحال التجارية الكبرى، الذين حصلوا على إمتيازات ضخمة في عهد مبارك، هم الأشد سخطًا على حكم الإخوان، وأكثر إشتياقًا إلى عهد مبارك، ويتمنون لو عادت أيامه. قال جمال عبيد، وهو يمتلك سلسلة محلات للملابس الجاهزة بمنطقة وسط القاهرة التجارية، إن هناك حالة ركود في حركة الأسواق في مصر، مشيرًا إلى أن البضاعة منذ الثورة صارت تخزن للعام التالي. وأضاف ل"إيلاف"، وهو يشير بيديه إلى الملابس المكدسة في أحد محلاته بشارع 26 يوليو: "لا بيع ولا شراء، الناس تدخل المحلات للفرجة، ثم تخرج، وأضطررت إلى فصل أربعة عمال في الموسم الشتوي، لم أستطع توفير رواتبهم، صاروا عبئًا على المحل، وكنت حزينًا لذلك، لا أحب قطع العيش، لكن ما باليد حيلة". وحمل عبيد مرسي المسؤولية، وقال: "مرسي لا يستطيع حكم مصر، فالجماعة تكبله، ولديه حسابات كثيرة". وتابع: "هناك حنين إلى عهد مبارك، هذا صحيح، لأن الناس ملّت من الفوضى والإنفلات الأمني، وقلة الرزق، أنا شخصيًا، أتمنى أن تعود أيامه، ولكن من دون فساد، وأعتقد أن المصريين لو صبروا عليه فترة الستة أشهر التي طلبها، لتغيّرت الأحوال، كان سيحاول تطهير حاشيته". وقال عادل، وهو عامل في المحل: "ننام أمام المحل لحراسته، خوفًا من السطو عليه، فمنذ أسبوع تعرض رجل للسرقة في عز الظهر أمام الجميع، بينما كان خارجًا من البنك، وفجأة شهر ثلاثة ملثمين الأسلحة النارية في وجهه وأطلقوا النار عليه، واستولوا على الحقيبة التي كانت في حوزته، ولاذوا بالفرار". يقطع الخميرة من البيت مدينة الأقصر أكثر المدن تضررًا من حكم مرسي. ويظهر الحنين هناك بصورة أوضح. فحركة السياحة شبه متوقفة، ومن يعتمدون عليها ساخطون. تصطف عربات الحنطور على الكورنيش وحول المعابد في إنتظار أي سائح، وبعد أن كان سائسو الحناطير يرفضون ركوب المصريين، نظرًا لكثرة السيّاح، صاروا الآن يتصارعون عليهم. قال أحدهم ويدعى محمد القوصي، بلهجة صعيدية خشنة ل"إيلاف": "منه لله مرسي، ضيعنا"، وأوضح أن السيّاح يخشون القدوم إلى الأقصر خشية تطبيق الحدود عليهم، أو تعرضهم للخطف أو حرمانهم من تناول الخمور. وأضاف القوضي، وهو يشير بيديه إلى معبد الأُقصر، حيث يتجول نحو 50 سائحًا: "بص هناك في المعبد، لا يوجد سوى حوالي 50 سائحاً، قبل الثورة، وقبل ما يجينا مرسي، كان السيّاح بالآلاف ويقفون طوابير عشان يزوروا المبعد، والكل كان بياكل عيش، الحناطير والمراكب والعائمات السياحية والفنادق وبتوع البازارات، وحتى الفلاحين في الغيطان كانوا بيستفيدوا من الخير اللي جاي مع السياح". وواصل القول: "الله يخرب بيته مرسي، بوزه ناشف، يقطع الخميرة من البيت". الحالة ضنك لكن همام وهبة الله تدخل في الحديث، ورد على زميله بالقول إن مرسي لا دخل له في النحس الذي يعانون منه. وقال وهبة الله إن الأزمة ليست في مرسي، "لكنها في معدومي الضمير الذين انتهزوا فرصة الثورة وحولوها إلى فوضى لحمل الناس على الكفر بالثورة، والإنقلاب على حكم الإخوان، ومحاولة إحياء نظام مبارك". أضاف وهبة الله، الذي يمتلك زورقًا يعمل في الرحلات النيلية بالأقصر: "مفيش حد ينكر أن الحالة ضنك، لكن المعارضة التي تتظاهر بشكل شبه أسبوعي، وتتزامن مع التظاهرات عمليات قتل وضرب وحرق وتكسير، مسؤولة عن الصورة المشوهة التي تصل للخارج، وتجعل السائح لا يحضر إلى مصر". ووجه حديثه إلى القوصي: "يا ريت كلنا نتقي ربنا في مصر، وساعتها الأمور هتمشي، والحالة هتبقى زي الفل". حنين إلى الاستقرار في المترو، تبدو الصورة أكثر وضوحًا في ما يخص السخط على مرسي، والحنين إلى مبارك. تحتدم المناقشات عادة بين المصريين، حول عيوب العهد الحالي، والإشادة أحيانًا أخرى بالعهد البائد، وتنتهي بإنسحاب أنصار مرسي، في ظل إستخدام أنصار مبارك العنف اللفظي في المواجهة، والذي قد يتطور إلى عنف جسدي. قال الدكتور هشام علي الدين، أستاذ علم الإجتماع في جامعة الأزهر، ل"إيلاف" إن حالة الإنفلات الأمني أكثر ما يثير سخط المصريين على مرسي، لا سيما أنه وعد بإستعادة الأمن خلال المائة يوم الأولى من ولايته، مشيرًا إلى أن الحنين إلى أيام مبارك حنين إلى الإستقرار والهدوء، لاسيما أن الشعب المصري لا يميل إلى العنف. وأشار علي الدين إلى أن عهد مبارك كان ينعم بالإستقرار والأمن لثلاثين عامًا، ليس بسبب إرتفاع الأحوال المعيشية، ولكن يرجع ذلك إلى أنها كانت دولة بوليسية تدار بواسطة الأجهزة الأمنية. وأضاف أن مرسي لو إستطاع حل مشكلة الأمن فلن تكون هناك أية مشاكل أخرى، لا سيما أن عودة الأمن والإستقرار هي مفتاح التنمية وإستعادة السياحة نشاطها، وبالتالي إرتفاع مؤشر رضا المصريين عنه.