قال مجموعة من الباحثين والمفكرين إن المغرب شكل الاستثناء في محيطه، بعد ان تمكن بحكمة قيادته من تفادي الاضطرابات الكارثية المرتبطة باحتجاجات في اكثر من بلد عربي. واكد حوالي خمسة عشر رجل قانون ومؤرخ وباحث فرنس ومغربي في علوم الاقتصاد والاجتماع٬ بقيادة الجامعيين الفرنسيين فريديريك روفيوا وتشارلز سان بروت، في مؤلف جماعي بعنوان "الاستثناء المغربي" أنه بعد عامين من بداية ما سمي ب"الربيع العربي"٬ فإن المملكة المغربية٬ التي تتبنى منطقا إصلاحيا٬ "لم تدخل في الدوامة الخطيرة للاحتجاج والتمرد والفوضى٬ إذ تمكنت من تفادي أوهام العنف٬ واستطاعت وسط المحن التي هزت المنطقة أن تمنح لنفسها دستورا جديدا٬ وضعته قيد التنفيذ بطريقة مرضية٬ من خلال انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وعبر تشكيل حكومة جديدة٬ كل ذلك مع الحفاظ على اتجاه التنمية الشاملة الذي حدده جلالة الملك محمد السادس". كما انصب اهتمام مؤلفي هذا الكتاب٬ الصادر عن منشورات إيليبس (باريس 2013)٬ على خصائص٬ ولكن أيضا على جذور ووعود هذا "الاستثناء المغربي"٬ في ظرفية سياسية أضحى التفكير بشأن كهذا يكتسي طابعا "استعجاليا على نحو خاص". وفي ديباجتهما أوضح كل من فريدريك روفيوا٬ أستاذ القانون العام في جامعة روان٬ وشارل سان بروت٬ مدير مرصد الدراسات الجيو-سياسية بباريس٬ الكيفية التي استطاع بها المغرب أن يستبق الأزمة التي هزت العالم العربي٬ مع تسليط الضوء على "استمرار تدفق الإصلاحات" منذ الاستقلال عام 1955. ولاحظ الباحثان أنها "إصلاحات لا تطرح أي مشكل من حيث المبدأ على نظام ملكي لديه وعي بأن التاريخ معه٬ وليس لديه أدنى قلق بالنسبة لمستقبله٬ وأنه بهذا المنطق بمقدوره الانخراط في تحولات طويلة قد تمتد لسنوات أو عقود". وأضافا أن هذه الحركة التي "تسارعت بشكل كبير" منذ اعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش في 1999، والتي ستسمح باستباق الأزمة من خلال مواصلة السير في اتجاهين متكاملين٬ أحدهما في اتجاه تعميق حقوق الإنسان٬ والثاني في اتجاه تحديث الهياكل". وفي سياق إثارة الإصلاح الدستوري لسنة 2011٬ لاحظ الجامعيان الفرنسيان أنه في المغرب يجري "التحول بهدوء داخل نظام ملكي دستوري يمثل استمرارية٬ في الزمن والفضاء٬ لوحدة وتماسك الأمة". وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول تتناول "المبادئ الأساسية" و"المؤسسات" و"القضايا الاقتصادية" و"القضايا الجيو- سياسية". ويتضمن الفصل الأول مساهمات تحلل "الاستقرار والاستمرارية الدستورية في المغرب" (لفيليب لوفو ) و"الملكية والتوافق" لفريديريك روفيوا و"الإسلام في المغرب" لسانت بروت. وفي الجزء المخصص لتحليل خصوصيات المغرب٬ وجه كريستوف بوتان نظره "للمؤسسة الملكية"٬ وركز محمد أمين بنعبد الله على "المؤسسة الحكومية في دستور 2011"٬ واهتم نجيب با محمد ب"العملية الانتقالية والإصلاح المستمر .. الاستثناء المغربي"٬ وسلط العميد ميشيل روسي الضوء على "القوى السياسية والأحزاب وموقع المعارضة". وفي الملف الاجتماعي والاقتصادي أثار تييري رامبو "مكافحة الفساد .. عنصر أساسي للحكامة المغربية الجديدة"٬ واستعرضت زينة التيبي "تطور الوضع في المغرب"٬ فيما أثار هنري لويس فيدي صعود ومرونة الاقتصاد المغربي. وفي ما يخص القضايا الجيو- سياسية٬ توقف جان إيف لو كارا عند بحث "العلاقات الفرنسية- المغربية"٬ فيما شدد البرلماني الأوروبي جيل بارنيو والقانوني كارل بينشوريل على أن نجاح الوضع المتقدم للمغرب يمثل "رهانا لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يخسره". وتابع الأستاذ عبد الحميد الوالي هذا التحليل بتسليط الضوء على العلاقات المغربية-الإفريقية ورهاناتها الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية٬ كما حلل المؤلف "أسباب الطريق المسدود" أمام قضية الصحراء المغربية. وقد تم نشر الكتاب بتعاون مع مرصد الدراسات الجيو- سياسية ومركز موريس هوريو للبحث في القانون العام التابع لكلية الحقوق باريس -ديكارت- جامعة السوربون. وقد أثمر تقديم هذا الكتاب حلقة نقاش تبادل خلالها الحضور مجموعة من الأفكار امتدت إلى الإشادة بالعلاقات الفرنسية المغربية المتينة والممتازة في سياق زيارة الدولة التي قام بها للمغرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند٬ وأيضا إلى دعوة باريس إلى دعم الإصلاحات والقضايا العادلة للمملكة.