يبدو أن الموسم الدراسي 2023/2024 لهذه السنة لن يختلف كثيرا عن المواسم الدراسية السابقة من حيث تنامي الاحتجاجات وتواصل مسلسل الإضرابات التي تنعكس بالسلب على مستوى التلاميذ، وذلك في خضم رفض هيئات تعليمية واسعة لمشروع مرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي تقدم به وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى وصادقت عليه الحكومة يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023، وهو "نظام" يندرج في إطار تنفيذ أحكام القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتفعيل التوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد، بانسجام مع البرنامج الحكومي 2021/2026، الذي يولي أهمية كبرى للتعليم باعتباره إحدى الركائز الأساسية في بناء الدولة الاجتماعية. الحكومة من جهتها لم تتردد في المصادقة عليه، وتقول على لسان الناطق الرسمي باسمها مصطفى بايتاس بأن مشروع المرسوم رقم 819.23.2 المتعلق بالنظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي تقرر أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح شتنبر 2023 تم وفق مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، حيث أحدثت لجنة عليا برئاسته وعضوية الكتاب العامين لهذه النقابات، وهو النظام الذي يستند على عدة مرتكزات أساسية تهم تحقيق التكامل والانسجام وتعزيز جاذبية المهنة، وإلزامية التكوين الأساس والمستمر، وتثمين الاستحقاق، كما أنه يتأسس كذلك على مبادئ التوحيد والتحفيز والالتزام والمسؤولية والمردودية. بالإضافة إلى أنه يهدف إلى رد الاعتبار لمهنة التدريس إلى جانب تنزيل الالتزامات الواردة في خارطة طريق الإصلاح التربوي (2022/2026)، خاصة فيما يتعلق بإرساء نظام لتدبير المسار المهني، من سماته البارزة الدفع نحو الارتقاء بمردودية الأطر التربوية لما فيه مصلحة التلاميذ، وخضوع جل الموارد البشرية العاملة بالقطاع لمقتضياته، عبر إدماج الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وإلغاء الأنظمة الإثني عشر (12) التي كانت تسري عليها من قبل. وقال وزير التربية الوطنية في الندوة الصحفية التي أعقبت المجلس الحكومي الذي انعقد يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023 بأن جاذبية المهنة تكمن فيما جاء به نظامه "السحري" من تحفيز استثنائي وغير مسبوق مرتبط بخلق وإحداث درجة ممتازة، ستمكن ثلثي أطر وزارته من الاستفادة منها بعد حوالي 15 إلى 20 سنة من العمل، وأشار أيضا إلى أنه عندما ينتقل الأستاذ من السلم 11 إلى الدرجة الممتازة، سيستفيد من مبلغ إضافي يقد بحوالي 2700 درهم شهريا... وما إلى ذلك من مساحيق غير ذات جودة. إلا أن الاطلاع على مضامينه خيب آمال الكثير من نساء ورجال التعليم وأثار لديهم الشعور بالاستياء والإحباط، ثم سرعان ما ارتفعت الأصوات منددة بعدم الإنصاف والمطالبة بضرورة التعجيل بسحبه، حيث سارع البعض إلى فتح عريضة احتجاج موجهة إلى مهندس مشروع مرسوم النظام الأساسي الجديد شكيب بنموسى، يعربون من خلالها عن رفضهم التام لمضامينه، باعتباره نظاما شاردا وبعيدا كل البعد عن طموحات الشغيلة التعليمية، فيما دعا البعض الآخر إلى الحرص على رص الصفوف في اتجاه تأسيس نقابة مستقلة خاصة بهيئة التدريس، بدعوى غياب جل النقابات عن المشهد التعليمي وعدم تفاعلها بالشكل اللازم مما ورد في هذا "النظام" من إجراءات في غير صالحهم. ذلك أن هناك عددا من الهيئات التعليمية ترى أن النظام الجديد لم ينصفها من خلال التغاضي عن مشاكلها وعدم الاستجابة لأي مطلب من مطالبها المشروعة، بل ولكافة الفئات المزاولة لعملها والمتقاعدة على حد سواء. وفي هذا الإطار قالت لجنة التنسيق الوطني لقطاع التعليم بأن ما جاء به النظام الأساسي الجديد يعتبر نظاما تراجعيا وفاقدا للمشروعية، لكونه ركز فقط على تدبير المسار المهني والحقوق والواجبات، بينما أغفل أو تغافل أبرز المطالب الملحة العادلة والمشروعة لمختلف فئات الشغيلة التعليمية، ويكرس العمل بالعقدة تحت مسميات احتيالية وينزع عنه طابع الوظيفة العمومية. وقد أشار أصحاب العريضة الاحتجاجية التي انطلقت في جمع توقيعات الرافضين لنظام بنموسى غداة المصادقة عليه من قبل الحكومة، إلى أنه أهمل بشكل مقصود وممنهج كل الملفات العالقة من قبيل الإدماج الفعلي للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وملف "الزنزانة 10" والأثر الرجعي للدرجة الممتازة (خارج السلم) وملف الإدارة التربوية، وانعدام التعويضات المناسبة وكثرة المهام وغيرها، فيما رفض بيان مشترك لعدة هيئات تنسيقية وفئوية "التعاطي مع قطاع التعليم والشغيلة التعليمية بمنطق المقاربة المالية" نحن لا نعتقد أن هناك فئة تعليمية واحدة من الفئات الرافضة للنظام الأساسي الجديد، تعترض على عملية الإصلاح والارتقاء بمستوى المتعلمات والمتعلمين، لما عرف عن نساء ورجال التعليم من تضحيات جسام ونكران الذات في سبيل رفعة الوطن، لكنهم يرفضون تمادي القائمين على الشأن التربوي في غض الطرف عن مطالبهم المشروعة، ويتطلعون إلى إقرار نظام أساسي منصف وعادل. وإلا كيف يستقيم الحديث عن إصلاح المنظومة التعليمية واسترجاع هيبة المدرسة العمومية، وثقة المواطنين وتعزيز جاذبية التعليم وتصحيح وضعيات بعض الهيئات المهنية، في ظل استمرار الحيف والتهميش والإقصاء وعدم إنصاف الفاعلين الأساسيين في العملية التعليمية-التعلمية، وتكييف النظام الأساسي مع خصوصيات المهنة؟