أثار غياب الرئيس التونسي قيس سعيد لعدة أيام عن المشهد في تونس كثيراً من التساؤلات حول أسباب هذا الاختفاء الغامض. وتصاعدت الأسئلة بعدما رفض وزير الصحة علي المرابط الحديث عن الوضع الصحي للرئيس سعيد الغائب عن الأحداث في تونس منذ نحو أسبوعين دون أسباب معلومة، ما فتح الباب لشائعات متعددة اكتسبت زخماً في الأيام الأخيرة. غياب الرئيس التونسي غير المبرر دفع مدونين تونسيين لإطلاق وسم (هاشتاغ) بعنوان #وينو_الرئيس تساءلوا فيه عن سبب اختفاء قيس سعيد، وأكدوا أنه "من الحق التوانسة يعرفو الحقيقة المرض موش عيب .. العيب نخليو تونس للمجهول": وضع صحي مجهول؟ ولم يظهر الرئيس سعيد في أي نشاط علني منذ يوم 22 آذار/ مارس الماضي، كما لم تنشر صفحة الرئاسة التونسية على موقع فيسبوك أي أنشطة أو مقابلات رسمية له، بخلاف ما هو معتاد في صفحة الرئاسة الرسمية. علما بأنه لا يوجد متحدث رسمي باسم الرئاسة منذ إعفاء مسؤولين سابقين من الوظيفة العام الماضي. وقبل ذلك التاريخ لم تظهر أي متاعب على الرئيس سعيد، ولكن غيابه أثار أسئلة على نطاق واسع بشأن وضعه الصحي الذي قد يكون دفعه للانسحاب مؤقتاً لتلقي العلاج بحسب ما نشر على منصات التواصل الاجتماعي وعدد من المواقع الإخبارية. ولم يقدم وزير الصحة علي مرابط أثناء حضوره مؤتمرا صحفياً يوم الأحد (الثاني من نيسان/ أبريل 2023) أي معلومات عن صحة الرئيس لدى سؤاله من قبل الصحفيين، بحسب ما يتضح من الفيديوهات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي: لكن وفقاً لموقع "موند أفريك" الفرنسي فإن قيس سعيد قد يكون "نُقل إلى وحدة العناية المركزة بالمستشفى العسكري في تونس العاصمة لمدة خمسة أيام، إلا أنه عاد إلى قصر قرطاج برفقة حرس الرئاسة ويخضع الآن لمراقبة وضعه الصحي عن كثب في جناح خاص بمقر إقامته الذي تم إعداده طبيًا"، بحسب معلومات كشف عنها موقع "المارد" العربي ( "The Revolted")، وأكدتها مصادر خاصة ل "موند أفريك" لم تسمها. ومن المعروف أن سعيد عادة ما يكون حاضراً وبقوة على الساحة التونسية، الأمر الذي جعل غيابه يثير الشائعات حول وضعه الصحي الذي قد يكون أجبره على الابتعاد عن الساحة، ما أثار مخاوف عدد غير قليل من التونسيين حول وضع البلاد خلال الفترة المقبلة، وأثار غضب آخرين من غياب الشفافية في أمر حساس كهذا، خاصة مع غياب أي رد فعل رسمي من جانب أجهزة الدولة المختلفة لتوضيح حقيقة الوضع، بحسب ما نشر موقع "موند أفريك". مخاوف من تبعات حالة الغموض يتضح الجدل الدائر في تونس حول وضع الرئيس ومؤسسات الدولة بجلاء بسبب هذا الغياب الغامض في نقاشات وكتابات عدد غير قليل من خبراء القانون والمحللين السياسيين والنشطاء والمدونين التونسيين. على سبيل المثال، الخبير القانوني أمين محفوظ الذي عينه الرئيس سعيد ضمن لجنة استشارية أشرفت على صياغة الدستور الجديد، كتب على صفحته بموقع فيسبوك قائلاً: "نرجو السلامة لرئيس الجمهورية ولكن من حق الشعب، أمام جسامة مسؤولية رئيس الجمهورية، الحصول على المعلومة وبدقة". أيضاً، قال نجيب الدزيري المعلق الإعلامي المعروف بتأييده للرئيس سعيد خلال لقاء تلفزيوني: إن صحة رئيس الجمهورية "جيدة" وطالب بالتوقف عن ترديد "الإشاعات والسفاسف". حالة القلق الشديدة التي تعاني منها البلاد عبر عنها الصحفي المصري كارم يحيى الذي عمل مراسلاً لصحيفة الأهرام عدة سنوات في تونس، لكن أخطر ما تحدث عنه الصحفي المصري هو وجود حالة ترقب لتغيير كبير من داخل جهاز الدولة أو ما يسمى بالدولة العميقة "وانتظارا للكشف عن اسم الرجل المنقذ الذي سيأتي من الظلال الداكنة" ليحل محل سعيد حضور.. رغم الغياب؟ ورغم غياب سعيد الواضح، إلا أن صفحة رئاسة الجمهورية التونسية على موقع فيسبوك واصلت نشر موضوعات تتحدث عن "تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية" كان آخرها إعفاء والي قابس من مهامه، بما يوحي بأن الرئيس لايزال يواصل القيام بمهام عمله. وسط كل هذا الغموض والجدل الدائر حول اختفاء الرئيس التونسي، نشر حساب "جونيس تي في"(الشباب تي في) على فيسبوك كلمات أثارت المزيد من الجدل، إذ قال إن الرئيس سعيد سيظهر اليوم مجدداً "من خلال استئناف نشاطه العادي بعد عطلة سنوية قصيرة اختارها، كما فعل في السنة الماضية حيث يفضل قضاء بعض من الوقت مع عائلته خلال شهر رمضان المعظم". وبالفعل لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يختفي فيها الرئيس التونسي بهذا الشكل المثير للتساؤلات، لكن فترة الغياب هذه المرة كانت طويلة، ما غذى مشاعر التوتر والقلق وفتح الباب لانتشار الشائعات. يذكر أنه كان من المقرر أن يلتقي الرئيس التونسي بالمفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني الذي وصل تونس للحديث مع المسؤولين حول الدعم الأوروبي في محاولة لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية خاصة مع تصاعد عمليات الهجرة غير النظامية في الآونة الأخيرة إنطلاقاً من الشواطئ التونسية، لكن وكالة نوفا الإيطالية قالت إن اللقاء تم إلغاؤه الأسبوع الماضي رغم الأهمية الشديدة للزيارة. أنصار سعيد يطالبون بالتصدي للشائعات على جانب آخر، نشر عدد من مؤيدي الرئيس التونسي فيديوهات وتغريدات تؤكد مساندتهم لسعيد وتدعو الشعب التونسي للتصدي للشائعات، متهمين "الدولة العميقة والمنتفعين" بتعمد إثارة البلبلة في البلاد بهدف زعزعة حكم الرئيس التونسي "الذي يتصدي للفساد" وقالوا إن "الأمر مدروس تماماً وتقف خلفه لوبيات تتواصل فيما بينها عبر مجموعات على تطبيق واتساب": المعارضة تطالب بتوضيحات من جهتها، طالبت جبهة الخلاص الوطني، وهي أكبر تجمع سياسي معارض للرئيس قيس سعيد، اليوم الإثنين (الثالث من نيسان/ أبريل 2023) الحكومة بإنارة الرأي العام بشأن أسباب غياب الرئيس سعيد. وطالب زعيم الجبهة أحمد نجيب الشابي، في مؤتمر صحفي اليوم، رئيسة الحكومة نجلاء بودن بأن تحيط التونسيين علما بحقيقة وضع الرئيس، وما إذا كان الأمر يتعلق بموانع صحية ظرفية أو دائمة. وقال الشابي: "بلغنا خبر توعك صحة الرئيس منذ اليوم الأول واعتقدنا أن الأمر يتعلق بمرض يمكن أن ينتاب أي شخص"، وأضاف: "الغموض اتسع ووسائل الإعلام باتت تتناقل الخبر وزاد الغموض موقف وزير الصحة الذي رفض الإجابة عن أسئلة الصحفيين" بشأن صحة الرئيس. وتابع زعيم الجبهة: "لا نتمنى المرض لأي كان ولكن رئاسة الدولة مركز حيوي في الحياة الوطنية و(الانقلاب) جعل منها المركز الأول للسلطة". وحذرت الجبهة من وضع معقد محتمل في ظل غياب محكمة دستورية، وقال الشابي "الوضع ينذر بالانهيار والشغور يمكن أن يكون دائما". ويفرض الدستور الجديد الذي وضعه الرئيس سعيد عبر استفتاء شعبي في تموز/ يوليو الماضي، أن يتولى رئيس الحكومة منصب الرئاسة بشكل وقتي في حال غياب ظرفي للرئيس أو يتولى رئيس المحكمة الدستورية المنصب في حالة الشغور الدائم إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وعزز الرئيس سعيد من صلاحياته بشكل واسع في الدستور الجديد الذي وضعه عبر استفتاء شعبي، عقب إعلانه التدابير الاستثنائية في عام 2021 وحل البرلمان وعدة هيئات دستورية أخرى. وتتهمه المعارضة بالتأسيس لحكم فردي. عماد حسن