كلما انفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية لأسباب يعلم الجميع أنها غاية في التعقيد والتداخل إلا وتعالت بعض الأصوات هنا في المغرب مطالبة الدولة المغربية ووزارة خارجيتها بضرورة التحرك في هذا الاتجاه أو ذاك. إن المتتبع لهذه المطالب، الصادرة عادة عن تيارات دينية أصولية أو يسارية قومية، يشعر أحيانا وكأن أصحابها يحملون الدولة المغربية جزءا من مسؤولية اندلاع الاقتتال داخل الأراضي الفلسطينية، ويزداد هذا الشعور مع إصرار هؤلاء على ربط ما يحدث في فلسطين تعسفيا بموقف المملكة المغربية من دولة إسرائيل، وهو الموقف الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بباقي العلاقات التي أقامتها بعض الدول العربية مؤخرا مع إسرائيل. للمغرب خصوصية تاريخية وحضارية. حقيقة يدركها الخضوم قبل الأصدقاء. خصوصية تجعل منه بلدا استثنائيا بكل ما في الكلمة من معنى، ويجسد الاستثناء المغرب في استقلاليته كأمة متجذرة في التاريخ، لها خياراتها السياسية والدبلوماسية القائمة على سيادة كاملة غير منقوصة. يعلم الأعداء قبل الأشقاء أن موقف المغرب من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني واضح وغير قابل للتنازل، ورئاسة ملك المغرب للجنة القدس وما تستتبعه من جهود لفائدة صمود المقدسيين ضد التهويد لا ينكرها إلا جاحد، بل لم يُعِد المغرب علاقته بدولة إسرائيل، التي تحكمها ظروف خاصة وإنسانية، إلا مشروطة باحترام الموقف المغربي الثابت من الحقوق الفلسطينية. وبعيدا عن الأوهام الإديولوجية المتجاوزة بقوة الواقع والتاريخ، فالثابت أن المغرب دولة وشعبا قدم ولا يزال للقضية الفلسطينية أكثر مما تقدمه أطراف أخرى لا ترى في القضية الفلسطينة إلا علامة تجارية أو موضوعا للمزايدة الداخلية أو الخارجية ليس من الإنصاف في شيء إقحام علاقة المغرب بدولة إسرائيل في أي اقتتال حالي أو مستقبلي داخل الأراضي الفلسطينية، ومن يفعل ذلك يتعمد خلط الأوراق ولا يجسد سوى موقفا حاقدا يمكن تفهمه عندما يتعلق الأمر بأطراف أجنبية معادية للمغرب ومصالحه، لكنه غريب جدا عندما يصدر عن بني جلدتنا.