عندما نتجول في الشوارع نجد أعدادا لاحصر لها من الجرائد المفروشة، يفوق عددها أوراق الشجر المتساقط في فصل الخريف، بين الجرائد المحلية والجهوية وصولا إلى الوطنية، ليس الوطنية هنا من قيمة المواطنة، بل التي تصدر على المستوى الوطني. لكن عندما نقف عند حقيقة هذه الجرائد الصفراء، الجرائد التجارية، التي لا يهمها إلا بيع أكبر عدد من الأوراق الجوفاء المملوءة بالإعلانات التجارية وصور عارضات الأزياء والفنانات، أو بعض المقالات و"الأعمدة" من أجل تصفية حسابات سياسية ضيقة، وأحيانا حسابات تظهر لنا بأنها أقل ما يمكن قوله في حقها، أنها صبيانية، حيث نجد تبادل الشتائم والاتهامات بين بعض المحررين أو أصحاب بعض "الأعمدة"، يرجعون بنا إلى أيام الأخطل وجرير والفرزدق، و لو أنه لا مجال للمقارنة بين طريقة كتابة جرير و الأخطل وما يكتبه بعض الصحافيين في بلدنا. وربما هناك من يستعمل كبوق للآخرين ويبيع قلمه من أجل مصلحة شخصية معينة، وهذا أبشع فعل يمكن أن يقوم به إنسان يطلق على نفسه صحافي، أن يبيع مبادئه من أجل دريهمات ،،، المهم لا يهمنا هذا، فالناس معادن،،، كما يوجد الذهب يوجد القصدير. عندما يعمل الصحافي على كتابة مقالات تمس بكرامة أشخاص دون أي أدلة ولا حقائق، وهذا نلاحظه بكثرة في جرائدنا التي تحاول بعضها التشهير والنبش في أعراض الناس و الدخول في خصوصياتهم، وهذا ليس عمل أخلاقي ولا يمت لعمل الصحفي الحقيقي بأي صلة، لذا فأقل ما يجب فعله في حقه هو إصدار عقوبة ولو كانت إقفال تلك الجريدة لتطهير الساحة الإعلامية من بعض المتطفلين على مهنة الصحافة . وبالمناسبة فأنا لست صحفيا ولا أكتب في أي جريدة، فقط من خلال تتبعنا وقراءتنا للجرائد الوطنية، تولدت لدينا الرغبة في إعطاء رأينا المتواضع فيها. و هذا من حق أي مغربي ومغربية باعتبارنا نحن من نتلقى تلك "البضاعة" التي تكتب في هذه الجرائد. إذن فبعض الجرائد سواء السياسية، وهذه لا نلومها لأن خطها التحريري ظاهر وواضح. لكن بعض الجرائد التي تدعي الإستقلالية في الرأي و الحرية في الكتابة هي التي تفاجئنا أحيانا كثيرة بتجاهلها لبعض مواضيع الساعة، كأن الأمر لا يعنيها، والمضحك في الأمر، عندما تقع هذه الأحداث في عتبة بابها، و يمكن للصحافي أن يطل من النافذة ليلتقط الصور دون أن يكلف نفسه عناء النزول إلى الميدان، و بخصوص الميدان، -طبعا ليس ميدان التحرير-، لكن أغلب الصحفيين الذين يكتبون في أغلب الجرائد لا يقومون بأبحاث ميدانية عن المواضيع التي يكتبونها، لا ينزلون إلى المجال، لا يتقربون من المعنيين بالأمر، فتراهم يوظفون أرقاما و يأتون بإحصائيات وهم يحتسون أكوابا للشاي أمام حواسبهم. الذي يظهر ذلك هو التفاوت الكبير الذي نجده بين الجرائد، حيث تجد خبرا معينا يتم تداوله في أغلب هذه الجرائد، لكن الإحصائيات والأرقام مختلفة، و هناك من سيقول بأن هناك تعدد المصادر، لكن هنا لا نتحدث عن إحصائيات عادية، بل أرقام يمكن الحصول عليها من مؤسسات الدولة، كالمندوبية السامية للتخطيط مثلا ، ولو أن هذه الأخيرة تفاجئنا هي أيضا ببعض الإحصائيات، لكن ليس هذا هو موضوعنا. لنعد للجرائد المكتوبة، ونأخذ نموذجا للعمود المعروف لدى كل المغاربة ،" شوف تشوف " لصاحبه السيد رشيد نيني، وبهذه المناسبة، سنبعث له رسالة نيابة عن من علمه الكتابة والقراءة و بفضلهما -الكتابة والقراءة- وصل إلى ما وصل إليه، وسنبدأ بسؤال أول: لماذا يا سيد نيني خنت من علمك ؟؟؟ لماذا تجاهلته ؟؟؟ طبعا فأنا لا أقصد من علمك مهنة الصحافة، بل من علمك أن تمسك القلم لتخطط في الورقة، إنه معلمك و أستاذك، أيرضيك أن يهان أستاذك ؟؟؟ أيرضيك أن يقوم مخازني بكسير أنف ورأس رجل التعليم وهو يطالب بحقوقه المشروعة ؟؟؟ لماذا لم تكلف نفسك عناء كتابة ولو جملة اعتراضية في أحد مقالاتك التي تكتبها في عمودك ؟؟؟ لتظهر ما تعرض له نساء ورجال التعليم بمغرب ما بعد 9 مارس. وأنت الذي عودتنا على الدفاع عن الحريات و حقوق المواطنين، وأنت الذي تقول بأنك تدافع عن أبناء الشعب و تريد محاربة المفسدين، أليس رجال و نساء التعليم أبناء هذا الشعب في نظرك ؟؟؟ أليس من الأجدر بك تخصيص عمودك مرة واحدة للحديث عن الفعل الشنيع والخرق السافر لقانون الحريات العامة ببلدنا ؟؟؟ والمتمثلة في الحق في شن الإضراب والتظاهر السلمي؟؟؟ الذي قابلته وزارة الداخلية بالتعنيف القاتل الذي طال الأسرة التعليمية، التي أذكرك مرة أخرى - كما تعلم أن الذكرى تنفع المؤمنين-أنها علمتك القراءة والكتابة. أنت تعلم أن جريدتك هي المفضلة عند أغلب رجال ونساء التعليم، لأنهم كانوا ولازال بعضهم يعتقد أنها فعلا تدافع عن مصلحة المستضعفين من أبناء هذا البلد، لكن خاب أملهم فيك. عندما أدرت ظهرك و تبعت الجرائد الصفراء، وكأنك بصمتك هذا، راض و متفق مع هذا الفعل الشنيع الذي لن ينساه الواحد منا، لن ننسى يومي 24 و26 مارس، الذي دنست ومرغت فيه كرامتنا في التراب، فإهانة الأستاذ هي إهانة للأسرة التعليمية بأكملها. والتي تكرم في الدول التي تعرف قيمة التعليم، وتعلم علم اليقين أن تقدمها مرتبط بتطويره، بينما نحن نطلق على أسرة التعليم أجهزة القمع لتكسير ظهور المجازين و الدكاترة بشوارع الرباط قرب مقرات الجرائد و القنوات العمياء، لأنهم يريدون حقوقهم المشروعة، قصد العمل في ظروف نفسية ومادية مريحة للرقي بالمستوى التعليمي لمتعلميهم. وهم الذين يحترقون في صمت كالشموع في كل أرجاء وطننا من أجل إنارة عقول أبناء مغربنا. كنا ننتظر منك ومن إعلامنا رد الاعتبار لكرامتنا و القيام بالدور المنوط بكم. كي تكونوا جديرون بمهمة السلطة الرابعة التي للأسف إعلامنا بعيد كل البعد عنها، رغم أن جريدتك أشارت ولمحت لخبر قمع وتعنيف الأساتذة المجازين. لكن متى ؟؟ بعد أن بثت قناة الجزيرة الخبر بالصوت والصورة. إذن، لماذا هذا النفاق الصحفي ؟؟ لتحفظ ماء وجه جريدتك التي سكتت في البداية ؟؟؟ رجال ونساء التعليم ليسوا أغبياء يا سيد نيني. أنتم تجاهلتمونا و سكتم عن الحق، والساكت عن الحق أنتم تعرفون من هو. والحقيقة وإن دفنت تحت التراب، فإنها تنمو وتنبت. لذا كل من صمت تجاه ما لحق بنساء ورجال التعليم ولازال يلحق بهم، فهو شريك في الجريمة. إنها جريمة كبرى وعار لحق بالمغرب. أن يتم ضرب رجل التعليم في الشارع من طرف قوات القمع أمام تلامذته، فهذه قمة الإهانة، إهانة للعلم والمعرفة والثقافة، وإهانة للإنسان والمواطن المغربي. والغريب في الأمر أن هذا الأستاذ ممنوع عليه أن يضرب تلميذه ولو لمصلحته الشخصية لحثه على الاجتهاد. بينما يتم تهشيم رؤوس الأساتذة بمجرد أن يطالبوا بحقهم المشروع أمام الملأ في شوارع الرباط. لذا نحن نلومك يا سيد نيني، واخترناك أنت لذلك، ليس تنقيصا من جريدتك، ولا ضربا في رسالتك الصحفية. بل لأنك عودتنا في كثير من المرات بجرأتك ودفاعك عن الحق وقول الحقيقة وبالتالي إحترام مهنتك الشريفة التي تبقى كذلك لمن أداها بشرف وأنطق الحق، ولأنك أنت الذي عودتنا في عمودك على تبيان ما خفي وإظهاره للقارئ، ولأن أغلب فئات الشعب المغربي تفضل جريدتك وتثق في خطها التحريري، والتي على حد قولك تحتل المرتبة الأولى في نسبة المبيعات على المستوى الوطني، ونحن لا نحسدك. الله يزيدك ويعاونك. لكنك تعلم أن الوصول إلى القمة سهل، بينما الحفاظ عليها هوالأصعب. ولتحافظ على ذلك يجب الاهتمام بمختلف شرائح المجتمع والتحدث بلسانها، وأنت للأسف تجاهلت الفئة التي قال في حقها أمير الشعراء احمد شوقي:
قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفساً وعقولا ربُّوا على الإنصافِ فتيانَ الحِمى تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كُهولا فهوَ الذي يبني الطباعَ قويمةً وهوَ الذي يبني النفوسَ عُدولا ويقيم منطقَ كلّ أعوج منطقٍ ويريه رأياً في الأمورِ أصيلا وإذا المعلّمُ لم يكنْ عدلاً مشى روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا نتمنى أن تتقبلوا عتابنا هذا، وتتفهموه، لأننا فقدنا ثقتنا في الإعلام المرئي، قنوات الشطيح والرديح. والتي لن يجدي نفعا عتابها، لأن من شب على شيء شاب عليه. بالمناسبة فلابد من الوقوف عند بعض النقاط المرتبطة بتلفزتنا البكماء، الصماء، الشمطاء، الحمقاء، الخرقاء، السوداء... فهي بالرغم من بثها لبعض البرامج السياسية التي تحاول من خلالها تحسين وتلميع صورتها وتوعية الناس على المستوى السياسوي. لكنها تبقى فارغة من محتواها، كما أن جل هذه البرامج، ولا داعي لذكر أسمائها. فهي لا تشرك الرأي العام في النقاش، بمعنى آخر لا تضع أرقاما هاتفية لإعطاء الفرصة للمتلقي للتعبير عن رأيه أو لطرح الأسئلة على الضيوف الحاضرين في تلك البرامج، ربما السبب الأول واضح وهو: "خوفا من إحراجهم لأنهم على المباشر". لكن واقع الحال يفرض فتح الباب للنقاش للجميع، لأننا نحس بأن تلك الخطابات مفروضة علينا عنوة، ونحن من نؤدي ثمن تلك البرامج، لذا من حقنا إبداء آرائنا فيها بكل حرية ومن حقنا أن نساءل ونحاسب الأشخاص الذين يحضرون تلك البرامج على المباشر،لأن الكثير منهم يمرر علينا مغالطات كثيرة ويزور الحقائق. هنا، إذن تختفي المشاركة بالنسبة لمن يهمهم النقاش، أي الرأي العام. فلا جدوى من تلك البرامج الجوفاء. لكن في المقابل، بالنسبة للبرامج التنشيطية والمرتبطة بالشطيح والمسابقات وغيرها من البرامج الحامضة... نجد أرقاما لاحصر لها تحثنا مرات ومرات على الاتصال أو إرسال رسالة قصيرة، من أجل الربح. زعما بقينا فيهم، وأرادوا لنا أن نفوز بشقق و سيارات... والغريب في الأمر، عندما تكون برامج مسجلة، يعني يتم إعادتها، وتجد في أعلى الشاشة على اليمين مكتوبة كلمة إعادة. إلا أنهم يستمرون في إدراج تلك الفقرات التي تدعونا إلى إرسال الرسائل القصيرة، أليس هذا استغباء وتحايل ونصب على المتفرج ؟؟ إذا كان هناك أصلا متفرج، ألا يكفيهم ما يأخذوه من عرق جبيننا، أليس نحن من ندفع لهم من جيوبنا ؟؟ وماكفاهومش بغاو يزيدوا الأرباح من الرسائل القصيرة. لماذا ؟؟ لشراء المسلسلات التركية المدرجة، يعني التي تمت دبلجتها إلى الدارجة المغربية لكي يفهم الكل، حيت بقاو فيهم الناس اللي ماقاريينش، باش يفهموا مزيان. هذه هي تلفزتنا العزيزة، إنها تلعب دورها المنوط بها على أكمل وجه. خمسة وخميس عليها. لكن عندما يتعلق الأمر بمواضيع جادة تجدهم يشيرون إشارات من بعيد، هذا إلا هداهم الله. أما في غالب الأوقات ينتقلون بنا إلى الأخبار الدولية والانتفاضة في ليبيا و اليمن وغيرها، وتجدهم يحللون ويناقشون أحوال وأخبار الغير. بينما السادة الأساتذة يعنفون في أبواب هذه القنوات، وينقلون إلى المستشفيات. لكن قنواتنا لا تحرك ساكنا وتعتبر ذلك أمرا عاديا لا يستحق التغطية ولا التنديد به. إيوا الله يعز اليوتوب، ما بقى ما يتخبى معاه، غير ديوها فالمسابقات الراقصة ديالكم. إن وسائل الإعلام بأنواعها، يجب أن تلعب الدور الفعال في المجتمع لأجل بناء مغرب الغد، وكشف ومحاربة المفسدين والمساهمة في تثقيف وتوعية أبناء وبنات هذا الوطن. يجب أن تكون بمثابة المدرسة الثانية لمن لا مدرسة له، لا أن تكون كمقاولات اقتصادية تلهث وراء الربح المادي والاقتصادي، والتسابق وراء البرامج الجوفاء، وملئها بالفقرات الإشهارية المخدشة للحياء. كل هذا كي لا تظل جرائدنا صفراء ولا تلفزتنا عمياء ولا إذاعتنا بكماء...