يعتبر العمل الجمعوي من الدعامات الأساسية لنهضة المجتمعات و الأمم ، حيث يساهم بشكل كبير في تأطير الأطفال و الشباب في مختلف المجالات : السياسية و الاجتماعية و الرياضية و الثقافية ، فالجمعية تعد مؤسسة غير ربحية يلتقي فيها مجموعة من الأفراد لتبادل الأفكار و الخبرات و تطوير أنفسهم عبر الاستفادة من تجارب الآخرين. و قد توجد بعض الجمعيات الخيرية التي تسعى إلى التضامن مع الفئات الأكثر هشاشة، و بهذا تخلق نوعا من الألفة و المحبة بين أبناء المجتمع . إذن ، مما لا ريب فيه أن العمل الجمعوي يكتسي أهمية بالغة في حياتنا ، فكما يقال : الإنسان كائن اجتماعي بطبعه. و قد أوصانا ديننا الحنيف بالتعاون و التآزر ، يقول الحق جل جلاله : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » سورة المائدة. و يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه مسلم لكن في كثير من الأحيان ينحرف العمل الجمعوي عن أهدافه السامية التي وجد من أجلها ليصبح وسيلة لتحقيق الأغراض الشخصية و المنافع الذاتية في انتهاك صريح لمنظومة القيم الإنسانية. فأغلب الجمعيات في المغرب - طبعا في اعتقادي الشخصي و أتمنى أن أكون مخطئا - يؤسسها أصحابها لأهداف خاصة و ليست لها علاقة بالجانب الإنساني. فبعض الناس يؤسس جمعية سكنية قبيل الانتخابات الجماعية مباشرة، و يشرع في تقديم الخدمات لسكان الحي بهمة ونشاط ، و كل ذلك يقوم به ليس حبا للخير و إنما لحشد الأنصار و الأصوات الانتخابية عله يفوز بمقعد انتخابي، و إذا ما نجحت خطته و حقق مراده يهجر العمل الجمعوي و يتوارى عن الأنظار كأن شيئا لم يكن. و البعض الآخر يهدف من خلال تكوين الجمعية إلى البحث عن تنمية سيرته الذاتية CV فقط ، و هؤلاء تجدهم حريصين على ترؤس الجمعية و الظهور في الواجهة الأمامية ، لا لشيء سوى لإغناء السيرة الذاتية التي يحتاجونها لولوج الوظائف و المراكز. و ما إن يصلوا إلى مبتغاهم يكفروا بالعمل الجمعوي. و أسوء ما في الأمر ، هو تأسيس الجمعيات بغية تحقيق الربح المادي ، فالكثير منها تدعي بأنها تقدم الخدمات الإنسانية للمواطنين كي تحصل على الدعم المالي من المحسنين، لكن للأسف يقوم أصحابها بالنصب و الاحتيال ، فهؤلاء المرتزقة هم أقبح الأصناف البشرية التي يمكن أن تتسلط على العمل الجمعوي. و هناك قسم من الناس ينخرط في الجمعيات بحثا عن إقامة العلاقات الحميمية مع الجنس الآخر ، فالجمعية بالنسبة لهم فرصة للتعارف و تحقيق النزوات الكامنة في النفس، فكم هي القصص و الوقائع التي قرأناها أو سمعنا بها في هذا الباب. و إن وجدت بعض الجمعيات الجادة التي تخدم المواطن فهي عملة نادرة، و القليل منها، من يمتلك النفس الطويل للاستمرار ، حيث إن تلك الجمعيات الجادة غالبا ما تشتغل بشكل جيد لسنتين أو ثلاث أو ربما أكثر ، ثم بعد ذلك يصيبها الفتور . الأكيد أن هذه الملاحظات التي قدمتها ليست دعوة للنفور من العمل الجمعوي أو انتقاصا من المجهودات الجبارة التي تبذلها العديد من الجمعيات الجادة و التي تقدم خدمات جليلة للمجتمع . فالغرض من كتابة هذه السطور هو تسليط الضوء على بعض الممارسات المشينة التي ترافق العمل الجمعوي في المغرب ، و ذلك حتى يتسنى لنا تصحيح المسار و تطهير العمل الجمعوي من الطفيليات الآدمية التي همها الوحيد هو المصلحة الخاصة. أخيرا، أود أن أقدم التحية و الشكر إلى كل جنود الخفاء في العمل الجمعوي بالمغرب الذين يشتغلون بإخلاص و تفان و يقدمون الغالي و النفيس في سبيل نهضة وطنهم، و ذلك كله ابتغاء مرضاة الله . ففي مثل هؤلاء يقول الحق سبحانه و تعالى : « وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ». سورة البقرة