الحرب يخسر فيها المنتصر قبل المنهزم. فلا أحد يخرج سالما وغانما. نتذكر الحرب بين العراق وإيران ،سميت بحرب الاستنزاف. استنزاف مقدرات البلدين اقتصاديا واجتماعيا ،أما في المجال السياسي لا ايران استقلت وعظمت ولا العراق استمر بقوته ونفوذه. ويذكرنا التاريخ كذلك بحروب روسيا في الشيشان وفي بلاد الافغان. اجتاحت القوات السوفياتية كابل وقندهار ودمرت البنية التحتية وشردت الملايين الافغان. ولكن الحرب انتهت بنهاية الامبراطورية الحمراء. دشنت الحرب الافغانية سلسلة من الهزائم عانت منها موسكو. ففي المجال الاقتصادي عرفت البلاد تراكم الدين الخارجي كما ارتفع التضخم مما أخرج الروس للاصطفاف امام بوابات المخابز. انهزمت روسيا في حروبا ،كما انتصرت في معارك تحولت بعد ذلك لانتصارات وهمية وكما يقال دائما انتصار بطعم الهزيمة. التاريخ يعيد نفسه والاحداث تتكرر والغائب طبعا هو اخذ الحيطة والحذر. حرب روسيا لم تكن عملية سهلة. فلا أحد من الخبراء الروس تكهن بمنعطفها الجديد ،فما لم تفعله دقة "سو 35" فعلته صواريخ " نبتون" التي استعملت لإغراق سفينة موسكوفا العملاقة ورأس حربة القوات البحرية الروسية. دخلت الحرب اذن منعطفا جديدا ،نجحت خلاله الدعاية الاوكرانية بإبراز همجية بقايا الجيش الاحمر الذي جند المليشيات وعصابات فاغنر المسلحة والمعروفة بعنفها وخروجها عن القانون .تلك الدعاية التي احرجت الحكام الغرب وجعلتهم ينقادون وراء مطالب شعوبهم لدعم شعب وحكومة كييف. سجلت الحرب كذلك منعطفا اخر لا يقل أهمية عن المنعطف الاستراتيجي. فقد أثر القتال بالذخيرة على اقتصاد العالم وخصوصا دول العالم الثالث المعروفة بانقيادها وراء الغرب وتخليها عن استقلالها الاقتصادي والزراعي عنه. كلما انهارت جبهات اوكرانية تنهار اقتصاديات دول مثل سيريلانكا. تبعية الاقتصادي للحرب أكثر خطورة من تبعية الاقتصادي للسياسي. فالمجاعة تضرب مجتمعات محصلتها الاقتصادية من المساعدات . هكذا اذن الحرب تخريب للبلدان المتقاتلة تتوسع لتشمل الكل وتصل إلى بلدان أعتقد أن شعوبها قد لا تعرف اين كييف ؟