رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ومريم بن صالح رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب عد مواجهة سياسية وإعلامية قوية بين الحكومة المغربية ونقابة رجال الأعمال، بادرت الأخيرة إلى توقيع ميثاق مع نقابات العمال أعتبره البعض استعدادا لمواجهة مشتركة مع الحكومة، بينما يصر المعنيون بالميثاق على طابعه الاجتماعي. يحرص عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، في جل تصريحاته الإعلامية على الإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومته لتعزيز تنافسية المقاولات، غير أن ذلك لم يمنعه ووزراء من حزبه، من اتهام الاتحاد العام لمقاولات المغرب. فخلال مناقشة مشروع قانون المالية اتهم متحدثون من حزب العدالة والتنمية الحاكم، نقابة رجال الأعمال بعرقلة عمل الحكومة وتعطيل الإصلاحات، خاصة وأن قانون المالية احتفظ بمشروع أعدته الحكومة السابقة، يقضي بفرض مساهمات تضامنية جديدة على المقاولات التي تفوق أرباحها السنوية نسبا معينة. بعد هدوء العاصفة بادر الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى توقيع ميثاق اجتماعي من أجل تنافسية مستدامة وعمل لائق مع ثلاث نقابات عمالية. يتضمن الميثاق التزامات من الطرفين لتعزيز تنافسية المقاولات وحماية حقوق العمال والمستخدمين. بيد أن السياق الذي جاءت فيه هذه المبادرة جعل بعض المعلقين يركز على أبعادها السياسية أكثر من مضمونها الاجتماعي. في المقابل يؤكد متحدثون من جانبي رجال الأعمال والنقابات استقلالية هذه المبادرة عن أية حسابات سياسية، مركزين على أهميتها الاقتصادية والاجتماعية.
في مواجهة الحكومة في محاضرة ألقاها قبل أسابيع حذر عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، مما أسماها " مخاطر تعبئة النقابات ضد حكومة عبد الإله بنكيران". رغم أن نقابة مقربة من حزب العدالة والتنمية وقعت لاحقا على ذات الميثاق. تحليل لا يبدو بعيدا عما تضمنته بعض تصريحات رئيس الحكومة من اتهامات صريحة للنقابات بالعمل على "عرقلة" الحكومة. قبل أيام قليلة اتهم بنكيران جهات لم يسمها بتحريك النقابات ضد حكومته للإضراب في قطاع التعليم دون مطالب واضحة. نفس المنطق واجه به وزير العدل والحريات إضرابات موظفي المحاكم متهما إياهم بالسعي فقط لعرقلة مشروعه للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. في هذا السياق إذن يأتي تقارب النقابات مع رجال الأعمال وإصدار بيانات مشتركة ثم التوقيع على ميثاق اجتماعي. لكن ميلودي مخاريق، أمين عام نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ينفي في حواره مع DW هذه القراءة تماما. "أنا كنت وراء هذه المبادرة بصفتي أمينا عاما لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، والجميع يعرف أن نقابتنا مستقلة عن الأحزاب السياسية والحكومة وأرباب المقاولات. هدفنا الوحيد من وراء انخراطنا في هذا الميثاق هو خدمة العمال والمقاولة دون أي حسابات سياسية. كما أن هذا الميثاق هو أصلا تتويج لمسار بدأ مع الحكومة السابقة." من جهته يؤكد متحدث باسم الاتحاد العام لمقاولات المغربي أن "الحوار الثنائي بين أرباب المقاولات وممثلي النقابات لا يعوض الحوار الاجتماعي الثلاثي مع الحكومة. على العكس تماما يهدف الميثاق الاجتماعي الموقع مع ثلاث نقابات إلى تقوية الحوار الاجتماعي والتفكير المشترك في قضايا أساسية مثل قانون الإضراب والحريات النقابية." رجال الأعمال المغاربة لم يستثنوا النقابة المقربة من حزب العدالة والتنمية من توقيع الميثاق الاجتماعي، في ما يبدو تأكيدا لطابعه الاجتماعي المحض. في كلمته بهذه المناسبة اكتفى محمد يتيم، الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بالإشارة إلى أن "إعادة صياغة العلاقة بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين". سلم اجتماعي يتميز السياق الذي جاء فيه هذا التقارب بين النقابات ورجال الأعمال بتعثر الحوار الاجتماعي. يقول العربي الحبشي، عن نقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل "يظهر أن الحكومة لها موقف سياسي سلبي من النقابات، فهي لحد الساعة لم تنظم جولات حوار اجتماعي حقيقي، وبادرت إلى الاقتطاع من أجور المضربين قبل صدور قانون الإضراب". لذلك يطمح النقابيون إلى الدفاع عن مصالح منتسبي نقاباتهم من خلال الإمكانيات التي يتيحها الميثاق الاجتماعي.يقول ميلودي مخاريق، أمين عام الاتحاد المغربي للشغل "نحن نريد للمقاولة المغربية أن تكون تنافسية، لكننا نسعى أيضا لضمان العمل اللائق من خلال تمتع الطبقة العاملة بحقوقها الأساسية في التغطية الصحية والاجتماعي والاستقرار المهني وكذا حرية العمل النقابي. من بين محاور الميثاق الاجتماعي الذي وقعناه مع ممثلي رجال الأعمال، تعزيز الحوار وتشجيع خلق الاتفاقيات الجماعية في مختلف القطاعات". من جهته يرحب العربي الحبشي، القيادي في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، بفكرة الميثاق. "نعتبره من حيث المبدأ خطوة إيجابية وهامة في اتجاه التحول نحو الشراكة بين النقابات ورجال الأعمال وليس الصدام" يقول الحبشي . غير أن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات، فنص الميثاق "يجب أن يضمن بشكل مفصل الحقوق الأساسية للأجراء، كما يجب أن يربط تنافسية المقاولات بالحقوق الاجتماعية والتكوين" يضيف الحبشي. نقابتا الفيدرالية والكنفدرالية الديمقراطيتين للشغل كانتا سباقتين إلى التقارب مع نقابة أرباب المقاولات، حين أصدرتا بيانا مشتركا مع رجال الأعمال ضد الحكومة قبل بضعة أشهر، غير أنهما لم توقعا بعد على الميثاق الاجتماعي. النقابتان تنويان إعلان موقف موحد من هذا الميثاق. من جانبه يؤكد متحدث من الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن "الهدف الأساسي من وراء الميثاق الاجتماعي، يتمثل في التزام النقابات والمقاولات بشكل مسؤول لخلق مناخ ملائم للعمل، تحترم فيه حقوق الأجراء وكذا شروط تنافسية المقاولات، وذلك من خلال آليات للحوار المباشر بين الطرفين". تحديات صعبة في نهاية شهر يناير الجاري يرتقب أن يستأنف الحوار الاجتماعي من جديد بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب. في ظرفية تتميز بعزم الحكومة الشروع في إصلاحات كبيرة. ينبه مخاريق إلى أهمية المواضيع المطروحة على جدول أعمال الحوار الاجتماعي مع الحكومة في هذه المرحلة، خاصا بالذكر الإصلاح الضربي ومراجعة نظام المقاصة، وإنقاذ صناديق التقاعد اختلاف تصورات رجال الأعمال وممثلي النقابات حول هذه الإصلاحات، لا يمنعهم من الاشتراك انتقاد منهجية تدبير الحكومة لهذه الإصلاحات. في المقابل يؤكد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أنه "لن يتراجع" عن تنفيذ هذه الإصلاحات ولو كانت مكلفة سياسيا، مشيرا إلى عزمه رفع سن التقاعد عن العمل التوقف عن دعم أسعار المحروقات، والوفاء بوعوده الانتخابية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم في الشهر عند نهاية ولايته. في أفق إقرار قانون للنقابات آخر للإضراب، يصر بنكيران أيضا على الاستمرار في الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، ما ينبئ بتصاعد التوتر بينه وبين النقابات، مقابل تحسن علاقات هذه النقابات مع ممثلي رجال الأعمال.