قبل بضعة أيام ،قرأت لأحد الأصدقاء على"الفايس بوك" قصة حقيقية و مشوقة، تحمل أهدافا لا تخلو من أبعاد إنسانية وعلمية وحضارية.. ولكي يطلع القراء الكرام على مضمون هذه القصة، فاني حرصت على نقلها إليكم كاملة ،لأنني وجدت أن مجرد التطرق إليها لا يفي بالغرض الذي من أجله كتبت هذا المقال المتواضع..وإليكم القصة كما وردت وقرأها ملايين الرواد : "ذات يوم ..وقفت معلمة الصف الخامس وقالت للتلاميذ: إنني أحبكم جميعا ، وهى تستثنى في نفسها تلميذا يدعى "تيدي"، مستواه الدراسي جدُّ متدنّ ، منطو على نفسه..وهذا الحكم منها ،كان بناء على ما لاحظته خلال العام الدراسي الذي شارف على الانتهاء، فهو لا يلعب مع الأطفال ،و لايهتم بمظهره ،ودائما يحتاج إلى الحمام ،ويبدو كئيبا لدرجة أنها كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بالقلم الأحمر ،لتضع عليها علامة (x) بخط عريض ،مع كتابة عبارة "راسب" في الأعلى. ذات يوم ،طلبت منها إدارة المدرسة مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ ،وبينما كانت تراجع ملف التلميذ المذكور"تيدي" فوجئت بشيء غريب ! حيث وجدت تقويم معلميه السابقين عكس ما تعتقد هي . - معلم الصف الأول: "تيدي طفل ذكي و موهوب ،يؤدي عمله بعناية وبطريقه منظمة" - معلم الصف الثاني: "تيدي تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه ،ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان" - معلم الصف الثالث:"لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه ،لقد بذل أقصى ما يملك من جهود لكن والده لم يكن مهتما به ،وإن صعوبة الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ الإجراءات اللازمة في شأنه" - معلم الصف الرابع :"تيدى تلميذ منطو على نفسه ،لا يبدي أدنى رغبة في الدراسة ،وليس لديه أصدقاء، وينام أثناء الدرس" هنا أدركت المعلمة "تومسون" المشكلة وشعرت بالخجل من نفسها، وقد حزّ في نفسها ما قد صدر منها في حق التلميذ "تيدي"! . وقد تأزم موقفها عندما أحضر لها تلاميذ القسم هدايا عيد الميلاد ملفوفة بأشرطة جميلة، عدا" تيدي" الذي كانت هديته ملفوفة في كيس مأخوذ من أكياس البقالة.. تألمت السيدة"تومسون" وهي تفتح هدية "تيدي"،وضحك التلاميذ على هديته ،وهى عقد مؤلف من ماسات ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا ما دون النصف،ولكنهم كفّوا عن الضحك عندما عبّرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة، ووضعت العقد على رقبتها ،ووضعت شيئا من ذلك العطر على ملابسها. يومها لم يذهب "تيدي" بعد الدراسة إلى منزله مباشرة ،بل انتظر المعلمة ليقابلها ،وقال : إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي ! عندها أجهشت المعلمة بالبكاء ،لأن "تيدى" أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ومنذ ذلك اليوم أولت المعلمة اهتماما خاصا به ،وبدأ عقله يستعيد نشاطه ، وفي نهاية السنة أصبح التلميذ "تيدي" أكثر التلاميذ تميزا في الفصل.. ثم بعد أيام ،وجدت المعلمة مذكرة عند بابها للتلميذ "تيدي" كتب عليها أنها "أفضل معلمة قابلها في حياته" فردت عليه "أنت من علمني كيف أكون معلمة جيدة". وبعد عدة سنوات، فوجئت المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب ،لحضور حفل تخرج دفعة ذلك العام، موقعة باسم "ابنك تيدي".. فحضرت وهي ترتدي ذات العقد ،وتفوح منها رائحة ذات العطر.
هل تعلم من هو "تيدي" الآن ؟ تيدي ستودارد هو الآن أشهر طبيب في معالج للسرطان في العالم، لديه جناح خاص باسم مركز"ستودارد"لعلاج السرطان في مستشفى ميثودست- The Methodist Hospital-في ديس مونتيس بولاية أيوا بالولاياتالمتحدةالأمريكية،ويعد من أفضل مراكز العلاج،ليس في الولاية فحسب،وإنما على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم"انتهت القصة. أكيد أن هذه القصة اللطيفة قد أعجبتكم،وأنكم استمتعتم بها، والمؤكد أيضا أنني تألمت كثيرا لقراءتها ،حين شعرت أننا نفتقد لأبسط مقومات معرفة الإنسان وتهيئته ليكون إنسانا صالحا، يفيد أهله ووطنه والبشرية جمعاء،وتأسفت بنفس القدر على حال تعليمنا الذي فقد رونقه منذ عقود طويلة، حيث لا يزال يراوح مكانه على الرغم من كل محاولات الترميم والترقيع التي طالت كل جوانبه، وعلى الرغم من كل الأموال الطائلة التي رصدت لذلك، إلا أنها بدل توجيهها صوب الوجهة المخصصة لها، وجدت طريقها إلى جيوب وأرصدة سارقي المال العام، من لصوص وسماسرة لا علاقة لهم بالتعليم والتربية.. تعليمنا الذي كان ولا يزال ضحية سياسات تعليمية غير واضحة الأهداف ،ومفتقدة لخريطة واضحة،تجعل الإنسان "كإنسان" في صلب اهتمامها،باعتباره العمود الذي ترفع به خيمة هذا الوطن ،سياسات لا تملك إستراتيجية واضحة لتأهيل الفرد حيث يكون فعالا ومفيدا،يتحدى نفسه أولا ،ويتحدى واقعه ليصنع لنفسه ولوطنه واقعا أفضل كما حصل مع الطفل "تيدي"،لقد قيل هذا الكلام.. وأعيدَ قوله في كل مناسبة، وسأعيده هنا ولن أترك ذلك" إننا في حاجة لبناء الإنسان".إننا نريد إنسانا لا يعرف لغة الكسل و التواكل والغش والسرقة والفساد والكراهية، نريد إنسانا يصنع نفسه لأجل الوطن، الذي عطّله بعض أبنائه قسرا لعقود، عاشها على مضض،ذاق فيها أشكالا من القهر والتهجين وفقدان أجيال كثيرة من خيرة أبنائه..نريد إنسانا يشعر بقيمته،همُّه الإبداع والعلم والتنوير.. نتمنى لمن يمرّ على هذه الكلمات أن يشعر بمسؤوليته ،وينتبه إلى قيمة دوره في صناعة الإنسان،لأنه هو الاستثمار الحقيقي ، والمَعين الذي لا ينضب ،وهو الرأسمال الأكثر غنى وثراء يمكن أن تمتلكه أي أمة، ولن تقوم لها قائمة دون حسن استثماره وحسن صناعته. إننا هنا أمام قضية مصيرية لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، يجب استحضارها في كل مشروع مجتمعي يرمي إلى بناء الوطن وسعادة أهله:إنها صناعة الإنسان . وأخيرا نقول مع الكاتب العراقي "كريم محمد السيد": أعطوني إنسانا صالحا،أعطيكم وطنا عظيما..