خلافا للحكومات الثلاث، السكيزوفرينية المنافقة، التي لا علاقة لها بالوطنية و الدين، و التي تعاقبت على إهانة و إذلال المغاربة خلال ال 15 سنة الأخيرة، جاءت الحكومة الجديدة برآسة السيد عزيز أخنوش و كلها نشاط و حيوية و جد و عزم على إصلاح أوضاع المغرب و رد الاعتبار للمغاربة. معروف عن وزراء التجمع الوطني للأحرار أنهم ناس عمليون، براغماتيون و واقعيون، ( لا ندافع عن أحد و لكن يجب أن نقول الحقيقة )، لذلك صوت المغاربة لحزبهم بكثافة، خلال الانتخابات الأخيرة. فبعد أن ردوا الاعتبار، مثلا، للصناعة المغربية و للفلاحة المغربية و للتجارة المغربية، في الأسواق العالمية، من خلال عبارة " Made in Morocco " أو " Product of Morocco "، ينتظر منهم تحسين ظروف العيش لأفراد الشعب المغربي، عن طريق الإسراع في تنزيل و أجرأة بنود النموذج التنموي الجديد، و خاصة الرفع من أجور العمال و الموظفين. و في هذا الإطار، قد و عدت الحكومة بزيادات مهمة في أجور بعض الموظفين، منهم الأساتذة العاملين في قطاع التعليم، حديثي التخرج من مراكز التربية و التكوين، و أطر الصحة العمومية؛ بل طالبت بعض الأصوات من داخل البرلمان بتحسين ظروف عمل الأطباء و رفع أجورهم الشهرية إلى 20 ألف درهم أو أكثر، لتشجيعهم على العمل و البقاء داخل الوطن و ثنيهم عن التفكير في الهجرة و العمل بالخارج. لا أحد ينكر مدى أهمية هذه الإجراءات و التحفيزات المادية، خاصة إذا شملت كل موظفي الدولة و تحققت المساواة في الأجور، في انتظار التوزيع العادل للثروة؛ كي ينعم الجميع بالكرامة و الرفاهية والسعادة و رغد العيش، من خلال تجويد الخدمات الاجتماعية و الرفع من النمو الاقتصادي و مؤشر التنمية البشرية و تقوية السلم الاجتماعي. جميل ان تتخذ الحكومة هذه المبادرة و هي في بداية ولايتها. إنه إجراء إنساني و وطني يستحق التنويه و الشد على الأيدي بحرارة. إلا أنه كثيرا ما تتجاهل الهيآت و المنظمات الحكومية و النقابية و الحقوقية و البرلمانية و الإعلامية فئة المتقاعدين، ما يجعل هؤلاء يشعرون بالتهميش و الحيف و النسيان، بل يحسبهم البعض في عداد الموتى الذين انتهى عملهم، أو يتمنون لهم الموت بسرعة لأنهم لم يعودوا يصلحون لشيء إلا لاستنزاف موارد الخزينة العامة، في حين أن الكثير منهم لازال ينشط داخل جمعيات المجتمع المدني بكل روح وطنية، و هذا ما يزيد من تدمرهم و تأزم حالتهم النفسية و المعنوية. إن ما يجهله أو يتجاهله المسؤولون هو أن من المتقاعدين من قضى في مختلف الوظائف العمومية 42 سنة من العمل و العطاء للوطن، ليس هذا فحسب بل عملوا و قاموا بمهامهم و أدوارهم و واجباتهم المهنية على أحسن وجه، دون غش أو تحايل، و المفارقة الغريبة أن معاشهم يقل عن راتب بعض الموظفين الشباب، و هم لا زالوا في بداية مشوارهم المهني، بمرتين أو ثلاث مرات ( اللهم لا حسد )، بالإضافة إلى "les primes " و الترقيات و مزايا أخرى، هذا بالرغم من رداءة الأداء و سوء السلوك و غياب المواضبة و انعدام المردودية في العمل لدى البعض. إذا كان الدخل السنوي للأساتذة في ألمانيا و الدول الإسكندنافية، مثلا، يفوق 40.000 أورو، ناهيك عن استفاذتهم من الخدمات الاجتماعية و العناية الطبية المجانية و الأنشطة الترفيهية و السياحية ... فإن رجال و نساء التعليم المتقاعدين في المغرب يطالبون فقط بعدم حرمانهم و استثناء معاشاتهم من الزيادة كلما قررت الحكومة الرفع من أجور باقي الموظفين، لأن عدم تحريك راتب المعاش لا يحمي المتقاعد من الزيادة في الأسعار و ارتفاع القدرة الشرائة و تكاليف الحياة؛ علما أن سن التقاعد يعني الدخول في مرحلة الشيخوخة التي تبدأ معها المعانات من الأمراض المزمنة كالسكري و الروماتيزم و الاكتآب و الانهيار العصبي و الزهايمر و الباركينسون... التي تتطلب أموالا و مصاريف باهضة لأجل التطبيب و العلاج، على المدى الطويل، علما أن بعض الأمراض كالضغط الدموي و الحساسية و السكري... قد تصيب الموظف خلال مزاولة عمله قبل أن يصل إلى سن التقاعد. لقد ضحى العمال و الموظفون المتقاعدون بزهرة عمرهم و خدموا الوطن بكل صدق و إخلاص و تفان و نكران الذات كي يصل المغرب إلى مصاف الدول النامية، و هيئوا الأرضية و الأجواء للأجيال الصاعدة لمواصلة النمو و بلوغ تقدم و ازدهار البلاد. و من هنا فإن الدولة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بالاعتراف لهم بهذا الجميل.