تجتمع عشرات النساء من مختلف الأعمار عدة مرات أسبوعيا في مركز "جمعية النواة" في قرية السعيدات الفلاحية جنوبمراكش، لتلقي دروس في محو الامية التي صارت كلفتها الاقتصادية والاجتماعية تثقل كاهل المملكة المغربية. ووسط قاعة الدرس، حيث اصطفت نساء طاعنات في السن الى جانب فتيات شابات، تسود روح الحماسة بين الطالبات وهن يتابعن درس اليوم. وأغلب هؤلاء النساء، كما يقول عبد المجيد آيت المكي المشرف على برامج محو الأمية والتربية غير النظامية في مراكش "يعملن في الحياكة او في القطاع الفلاحي مع أزواجهن". و"رغم الحشمة وتعب أشغال اليوم، تواظب النساء على حضور الدروس"، حسب أمينة النويزي رئيسة "جمعية النواة" المشرفة على هذا المركز الذي يعد واحدا من عشرات المراكز المخصصة لمحاربة الأمية في المغرب. ويعاني المغرب من ارتفاع نسبة الامية الى 30%، ويضيع ذلك على المملكة سنويا 1,5% من الناتج الداخلي الإجمالي المقدر بحوالى 70 مليار يورو، والذي يعد تحسنه أحد أهم الأهداف الإنمائية للألفية. ورغم استفادة ستة ملايين مغربي من برامج مكافحة الأمية خلال السنوات العشر الأخيرة، وبلوغ عدد المستفيدين 735 ألفا خلال 2012، يظل الهدف المنشود صعب المنال. وتسابق الحكومة الزمن لبلوغ مليون مستفيد سنويا بحلول 2016. ولبلوغ هذا الهدف تحتاج البرامج الموضوعة، حسب تقديرات وزارة التعليم المغربية، الى تمويل يقدر ب360 مليون درهم (32 مليون يورو) ما بين 2013 و2015. ويساهم الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أول داعم للمملكة، في تمويل برامج محو الأمية في 11 أكاديمية للتعليم في المغرب من أصل 16، يشملها نظام منح شهادات رسمية قد تفتح لحامليها فرص عمل. ووضعت الحكومة المغربية الحالية "برنامجا جديدا لما بعد محاربة الأمية، خاصا بالأنشطة المدرة للدخل"، وهو نظام حديث شرعت وزارة التعليم في تطبيقه، وما زالت نتائجه غير معروفة، كما يشرح آيت المكي ومن العقبات التي يواجهها برنامج محو الامية، ضعف انخراط القطاعات الاقتصادية فيه، اذ لا تتجاوز مساهمتها 3%. فالأمية بين المزارعين مثلا، حسب الأرقام الرسمية، تفوق 50%، في وقت تساهم فيه الزراعة ب15% من الناتج الداخلي الإجمالي. ومن العقبات ايضا "الميزانية المتواضعة جدا" التي ترصدها وزارة التعليم لمحو الامية، بحسب ما يقول محمد بوغيدو مسؤول برنامج محو الأمية لدى الاتحاد الأوروبي، اضافة الى انخفاض رواتب المدرسين. وتطمح الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى تدارك هذه الثغرات، رغم خفض موازنة التعليم ب0,13% مقارنة مع 2012. وقررت الحكومة في موازنة 2013، تفعيل فكرة "الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية" الموجودة منذ 2007، من خلال إصدار قانون منظم لها، لتنسيق جهود الفاعلين في الميدان. واذا كان المغرب قد نجح حسب الأرقام الرسمية، في تحقيق هدف تعميم التعليم بتوفير الدراسة ل97% من الأطفال، الا ان 3% منهم يتركون المدرسة ويعودون الي أحضان الأمية. ورغم جهود المغرب من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، الا ان تباطؤ الوتيرة في مجالات مثل محاربة الأمية، لم تعد مساعدة على تجنيب حصول المغرب منذ سنوات على مراتب متأخرة في تقارير التنمية البشرية. وتراجع المغرب بنحو 16 درجة على سلم التصنيف الدولى الذي وضعه تقرير التنمية البشرية لعام 2011، حيث حل في المرتبة 130 من بين 181 دولة، فيما احتل المرتبة 114 عام 2010. وسبق لهذه التصنيفات ان تسببت سنة 2010 في أزمة بين المغرب وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، المشرف على انجاز تقرير التنمية البشرية، حيث اعتبرها المسؤولون المغاربة "مجحفة" بالنظر الى "الجهود المبذولة". وبالنسبة لإينيكو لاندابورو، سفير الاتحاد الأوروبي لدى المغرب فإن "طبيعة الإصلاحات معقدة ومتداخلة، تتطلب صبرا ومثابرة وتضافرا للجهود، مع التركيز على نقاط الضعف لتحقيق الاهداف". وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رسمي) الخاص بالتنمية البشرية في المغرب خلال 2011 فإن "المغرب سجل تحسنا بنسبة 2,6% بين 2010 و2011، لكنه تحسن غير كاف لتحسين تصنيفه الدولي". وتعمل اهداف الألفية، التي وقع عليها المغرب في قمة الألفية في أيلول/سبتمبر 2000، على تركيز جهود المجتمع الدولي لتحقيق تحسينات مهمة وقابلة للقياس في حياة الناس بحلول العام 2015، من أهمها تعميم التعليم ومحاربة الأمية وتحسين الصحة.