بمجرد إعلان وزارة التربية الوطنية والتكوين المهْني والتعليم العالي والبحث العلمي، نسبةَ النجاح في امتحانات البكالوريا عقب اجتياز الدورة الاستدراكية البالغة، وفق بلاغ أصدرته الوزارة عينها أمس الاثنين، 81.83 في المائة؛ أثير نقاش في الموضوع من طرف مهتمين بالقطاع، نظرا إلى ارتفاع النسبة المعلن عنها. وفي هذا السياق، قال عبد الوهاب السحيمي، فاعل تربوي، إن النسبة كبيرة جدا ولا تعكس حقيقة التعليم في البلاد، مقرا أن بلاغ الوزارة جاء مباشرة بعد بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني حول ضبط مجموعة من حالات الغش، وتوقيف المتورطين في إعداد الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي للمساعدة على الغش في الامتحان. واستطرد السحيمي، في تصريح خصّ به موقع "أخبارنا"، أن المقارنة بين مستوى التعليم الحقيقي بالمغرب، سواء في المدرسة العمومية أم الخصوصية، والنسبة المعلن عنها، "تدفعنا إلى طرح الأسئلة ونلاحظ أن هناك تناقضا"، متسائلا: "كيف يمكن أن يكون مستوى التعليم في المغرب متواضعا جدا ونحصل في الأخير على نسبة نجاح مرتفعة؟ وهذا ما يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك حلقة مفقودة في الموضوع". "ما معنى أن هناك خطبا للملك محمد السادس، وتقارير وطنية ودولية ورسمية، والمجلس الأعلى للتعليم يكشف أن التعليم بلغ الحضيض، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هو الآخر له الملاحظة نفسها؛ وفي الأخير نُفاجأ أن الوزارة تخبرنا أن نسبة النجاح بلغت 81.83 في المائة"، يستغرب الفاعل التربوي. وضرب السحيمي مثلا بآخر تقرير للجنة النموذج التنموي الجديد، الذي يقول إن التعليم في المغرب "نقطة سوداء" تعيق التنمية في البلاد، مضيفا أن اللجنة قدمت مجموعة من المقترحات للنهوض بالمنظمة التربوية، وهذا دليل آخر ينضاف إلى بقية الحجج التي تؤكد أن النسبة مبالغ فيها. الفاعل التربوي نفسه استغل الفرصة ليوجه بندقيته نحو وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي، مردفا أنه "لا يتوفر على إرادة أو نية أو خطة لمحاربة الغش، إذ من شأن القضاء على هذه الآفة الخطيرة أن يعيد إلى البكالوريا هيبتها ومكانتها المعهودتين"، مشددا على أن الوزير يعتقد أنه برفع نسبة النجاح سيضلل الرأي العام وأن التعليم ماضٍ في السكة الصحيحة؛ "كل هذا من أجل كسب نقاط سياسية تخدم مصالحه الانتخابية". من جانبه، تفاعل يحي اليحياوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس في الرباط، مع الموضوع قائلا إن النسبة المعلن عنها "مرتفعة للغاية في امتحان إشهادي له في المخيال العام رمزية كبرى، لكنها نسب تستوجب التأمل أيضا". وتساءل اليحياوي، في تدوينة مطورة على صفحته الفيسبوكية: "هل يمكن الاستنتاج، بالبناء عليها، أن نظامنا التعليمي بخير وبصحة جيدة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فما القول في ال300 ألف تلميذ الذين تلفظهم المدرسة العمومية كل سنة وترمي بهم في المهالك؟". أستاذ الاقتصاد تابع: "هل ما تلقاه التلاميذ، من معارف ومناهج ومدركات وآليات تفكير، كافيا للقول إن المخرجات جيدة، وإن ما سيصل الجامعات والمدارس العليا سيكون بالقطع من مواصفات رفيعة؟ إذا كان الجواب بنعم، فما القول في التقارير المختلفة، وضمنها تقرير بنموسى، التي تقر بأن المنظومة مهترئة وأن مستويات التحصيل بها ضعيفة للغاية؟". وأضاف اليحياوي: "ألا يبدو أن النفخ في هذه النسبة هو فعل مقصود ومدروس ولا يبين لنا إلا نصف الكأس "المليان"؟ لا أستطيع أن أجزم، لكنني على يقين أن الوزير أمزازي يريد إيهامنا بأنه قد "نفذ المهمة" بامتياز، وأنه بات أهل كفاءة وثقة، يعول عليها في المستقبل؛ هذه لربما هي رسالته والانتخابات على الأبواب".
ولم يكتفِ المصدر عينه بهذا الحد، بل استطرد قائلا: "أنا لا أثق، بحكم الاختصاص، في الأرقام المطلقة، لأنها غالبا ما تخضع للتقطيع وتفصل على المقاس؛ لا أثق بها إلا إذا تأكدت من أنها تتقاطع مع معطيات أخرى، وأهمها المعطيات على الأرض".