استيقظت مدينة سبتةالمحتلة، صباح الإثنين 17 ماي، على وقع توافد عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين الذين تمكنوا من التسلل إلى الثغر المحتل في غفلة من الحرس المدني الإسباني. وعلى مدار ثلاثة أو أربعة أيام تواصلت أعداد المهاجرين غير النظاميين، في التقاطر على المدينةالمحتلة، واختلفت الأرقام حول العدد الحقيقي للوافدين السريين، منها ما يفيد ب 8 آلاف مهاجر كعدد إجمالي، ومنها ما يؤكد أن العدد لم يتجاوز 5 آلاف. المهاجرون المعنيون توزعت جنسياتهم بين أفارقة من جنوب الصحراء ومنهم سوريون أيضا إضافة إلى يمنيين، حسب ما أفادت به تقارير إعلامية مختلفة. لكن اللافت في عملية التدفق الكبيرة، هي استيقاظ إسبانيا من سبات طويل، بعد أن تعودت الاتكال على المغرب في منع المهاجرين من العبور بطرق سرية وغير شرعية إلى الضفة الشمالية، الشيء الذي أعاد إلى الواجهة حديث التعاون بين مدريدوالرباط في مسألة الهجرة التي يتحمل المغرب فيها العبء الأكبر، ولا أدل على ذلك من الأرقام والإحصائيات المؤكدة لعدد المحاولات التي تمكنت السلطات الأمنية المغربية من إحباطها، دون الحديث عن عدد محاولات تهريب المخدرات أيضا والتي كان المغرب له الدور الأساسي في تفكيك عصاباتها وشبكاتها. وهكذا وجدت السلطات الإسبانية نفسها أمام طوفان من المهاجرين، حيث سارعت إلى نشر جنودها صباح الأربعاء 19 ماي، على طول شواطئ سبتةالمحتلة، كما قامت قوات خفر السواحل بدوريات مراقبة. وكان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، قد خرج بتصريحات وصف خلالها التدفق غير المسبوق لآلاف المهاجرين بأنه «أزمة خطيرة بالنسبة لاسبانيا ولأوروبا أيضا». عنف وقنابل مسيلة للدموع لم تجد القوات الإسبانية حرجا في مواجهة حشود المهاجرين غير النظاميين الوافدين على مدينة سبتةالمحتلة، من استعمال العنف وإطلاق القنابل المسيلة للدموع، وهو ما انتقدته منظمات وهيئات حقوقية عالمية. مواقع التواصل الاجتماعي تمكنت من نقل الصورة الحقيقية لهذا العنف المبالغ فيه من طرف السلطات الإسبانية والذي قابلت به أشخاصا عزل، صور وفيديوهات وثقت لمشاهد مؤلمة وغير إنسانية، بل منها مشاهد أظهرت القوات الإسبانية وهي ترمي المتسللين في البحر. لم تتوقف صيحات الاستنكار والإدانة عند حدود التواصل الاجتماعي، بل دخلت على الخط أحزاب ومنظمات حقوقية مغربية، كلها عبرت بصوت واحد عن رفضها للعنف المتزايد الذي واجهت به القوات الإسبانية وفود المهاجرين غير النظاميين. صور أخرى وثقت لشبان في عرض البحر يطلبون النجدة، بعد أن تعبت الأكتاف من السباحة وتوقف نبض الحلم أمام العنف الممارس على مشارف الفردوس الأوروبي. وفي هذا السياق، كانت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية، قد أكدت حقيقة مقطع الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع في سائل الإعلام الإسبانية، يظهر جنودا إسبان يلقون بمهاجرين في البحر. تأكيد الصحيفة الفرنسية، جاء ردا على تساؤلات القراء في عمودها المخصص لتمحيص الأخبار، حول صحة هذا الفيديو الصادم. وقالت «ليبيراسيون»: «لقد طلبتم منا تحري حقيقة صور تظهر رجالا يرتدون الزي العسكري، وهم يدفعون بواسطة هراوات رجالا ينتهي بهم الأمر بالقفز في الماء». وأضافت الصحيفة، «الأمر يتعلق بمقطع فيديو قامت بتصويره وسيلة إعلام محلية إلفارو دي سيوتا» مسجلة أنه «مقتطف من ربورتاج جرى بثه يوم 18 ماي 2021». وأوضحت الصحيفة، أن «الصور هي بالفعل حديثة وتظهر تدخل الجيش وعناصر الوقاية المدنية الإسبانية». مؤكدة أن «تمحيص الأخبار أتاح بسهولة تحديد مكان تصوير هذا المقطع، بما أن الأمر يتعلق بشاطئ تاراخال». من جهتها، أدانت منظمة العفو الدولية «أمنيستي» اعتداء الحرس المدني الإسباني على المهاجرين غير النظاميين في سياق ما تعرفه سبتةالمحتلة من أحداث، مؤكدة أن «هناك أطفالا تعرضوا للعنف من قبل قوات الأمن الإسبانية والجيش بما في ذلك إلقاؤهم في البحر». وقالت فرجينيا ألفاريز، رئيسة برنامج السياسات الداخلية والباحثة في الفرع الإسباني لمنظمة العفو الدولية: «لا يمكننا قبول تعرض الناس، بمن فيهم الأطفال، للضرب على أيدي القوات الإسبانية. وبينما قدم مسؤولو الحدود المساعدة الطارئة للناس، لا يمكن التسامح مع الانتهاكات التي ارتكبت. يجب على السلطات الإسبانية فتح تحقيق شامل وضمان إجراء المساءلة». وأضافت أن القادة الأوروبيين سارعوا إلى دعم إسبانيا، ويقولون إن الحدود الإسبانية هي حدود الاتحاد الأوروبي. وبنفس المنطق، فإن الانتهاكات الإسبانية هي أيضاً انتهاكات من قبل الاتحاد الأوروبي. و»ندعو قادة الاتحاد الأوروبي إلى عدم تجاهل الانتهاكات التي تحدث على حدود الاتحاد الأوروبي». وأوضحت «أمنيستي» أن العديد من أولئك الذين دخلوا إسبانيا كانوا أطفالاً صغاراً جداً. ويجب على السلطات أن تكفل حماية المصالح الفضلى للطفل في جميع الأحوال والحالات، وأن تكون قادرة على طلب توفير الحماية الدولية. وحول عمليات الإعادة القسرية، أكدت رئيسة برنامج السياسات الداخلية والباحثة في الفرع الإسباني لمنظمة العفو الدولية، أن الأنباء أفادت أن حوالي 5000 شخص طردوا حتى الآن بشكل جماعي إلى المغرب من قبل السلطات الإسبانية خلال الأيام القليلة الماضية. ونفذت القوات العسكرية الإسبانية المنتشرة على الحدود عمليات إعادة جماعية وقسرية، دون أي ضمانات، ما جعل من المستحيل تحديد الفئات الضعيفة أو ضمان حصولهم على المعلومات الكافية والمساعدة القانونية وطلب اللجوء. وقالت فرجينيا ألفاريز في ختام تصريحاتها التي تداولتها منابر إعلامية عدة: «لا يعتبر وصول عدد كبير من الأشخاص ذريعة للطرد الجماعي غير القانوني. فمن بين هؤلاء الخمسة آلاف، الذين أعيدوا بإجراءات موجزة، قد يكون هناك أفراد مؤهلون للحصول على اللجوء، أو بحاجة إلى توفير الحماية لهم. إعادة الناس إلى بلادهم أمر غير قانوني، ويحرمهم من حقهم في تقييم فردي عادل لطلبات لجوئهم». فيما انتقدت المنظمة الحقوقية الدولية الرباط، معتبرة أنها توظف الهجرة غير النظامية لتسوية قضية سياسية. واستندت في ذلك إلى تدوينة نشرها وزير حقوق الإنسان المغربي، مصطفى الرميد، على «فيسبوك» اعتبر فيها أن من حق المغرب أن «يمد رجليه» في سبتة، ردا على قبول إسبانيا دخول إبراهيم غالي زعيم البوليساريو إلى أحد مستشفياتها، وذلك بمبرر «إنساني». المغرب يرد على إسبانيا من جانبه شدد المغرب في رده على اتهامات طالته بكونه يمارس الضغط على إسبانيا بسبب إيوائها لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، على أن مدريد تحاول أن تهرب من أصل المشكل بتضخيم مسألة توافد مهاجرين غير نظاميين على مدينة سبتةالمحتلة. وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريحات عدة، أن المغرب ليس دركيا وأن إسبانيا تحاول الهروب من الأزمة الحقيقية والمتمثلة في الإخلال بمبادئ الصداقة وحسن الجوار والشراكة، بعد استضافتها لزعيم الجبهة الانفصالية بهوية مزورة وبمبررات «إنسانية». الردود المغربية توالت، ووضعت الأزمة في سياقها، كما أن مسؤولين مغاربة وسياسيين ووزراء حاليين وسابقين أدلوا بدلوهم في هذه الأزمة التي تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية. وفي هذا الإطار، قال الوزير السابق الذي كان مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مصطفى الخلفي، إنه «في قضايا الهجرة السرية والمخدرات والإرهاب نجد أنفسنا أمام إسبانيا صديقة ومتعاونة لأقصى الدرجات، ولكن عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية نجد إسبانيا أخرى». ودعا الجارة الشمالية للمغرب إلى الحفاظ على مصداقية علاقاته مع المغرب، مؤكدا أن «إسبانيا تتحمل المسؤولية إزاء انهيار عمود من أعمدة العلاقات الثنائية الاستراتيجية مع المغرب» والذي يخص التعاون في مجال الهجرة. تصريحات الوزير السابق كانت خلال حلوله ضيفا على برنامج «الحصة المغاربية» الذي تبثه قناة «الغد» الإخبارية. وأضاف أن إسبانيا باستضافتها زعيم ميليشيات «البوليساريو» الانفصالية، «كسرت الثقة التي ينبغي أن تنشأ بين الأجهزة المكلفة بمحاربة الهجرة والتعاون الأمني» مسجلا أنه «عندما انكسرت هذه الثقة، لم يبق هناك تعاون في هذا المجال». وواصل الخلفي تصريحاته، بالقول «يجب على الاتحاد الأوروبي اليوم محاسبة إسبانيا، لأنها بهذا السلوك عملت على تعطيل آليات التعاون الفعالة في مجال الهجرة» مشيرا إلى أن المغرب «ما فتئ يؤكد أنه ليس دركيا لأوروبا في قضايا الهجرة، ومعالجة هذا الملف يجب أن تتم في إطار آليات التعاون واحترام المسؤوليات».
وأبرز الخلفي، أنه لا ينبغي لوم المغرب، فالمملكة هي الضحية، لأنها وجدت نفسها أمام بلد من المفترض أن يكون صديقا، وكان عليه أن يبذل ما في وسعه من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة مثلما فعل المغرب، لاسيما عندما طالبت كتالونيا باستقلالها.