لاشك أن المتتبع للشأن الفوسفاطي سيقف باعتدال وتمعن شديدين، أمام الإشارة التي همس بها خالد الهوير العلمي الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لعمال الفوسفاط ونائب أمين مركزية الكدش ضمن تصريح صحفي لجريدة وطنية، حيث شدد على ضرورة إعادة مطلب العدالة الجبائية وإنصاف الطبقة المتوسطة من حيف ضريبي لم يعد أحد يستسيغه، وبذلك يكون قد أعاد إلى واجهة النقاش الفوسفاطي مسألة الحيف الضريبي الذي يتعرض إليه العامل الفوسفاطي على امتداد سنوات، علما أن المادة 59 من مدونة الضرائب العامة تتضمن قرار التخفيض الضريبي على دخل المنجميين بنسبة 35%، بصرف النظر طبعا عن تحايل وزارة المالية على هذا الحق القانوني بتبريرات تصادم الواقع المهني للفوسفاطيين على وجه التحديد. ابتداء، أشكرك السيد خالد لهوير العلمي على تلبيتك دعوة إجراء هذا الحوار، قبل أن أتوجه إليك بالسؤال؛ كيف ترى مستقبل هذا المطلب العمالي المشروع للتخفيف من العبء الضريبي على عموم الشغيلة الفوسفاطية، والتي من المفروض تحفيزها أو بالأحرى إنصافها، وليس حرمانها من حق لا يختلف فيه إثنان، كونها تقف على ثغر إنتاجي في غاية الأهمية والحساسية على مستوى الاقتصاد الوطني. أيضا بدوري أشكركم على حسن اهتمامكم بشؤون قطاع الفوسفاط. حقيقة عُدتَ بي إلى سنوات مضت، بالضبط حين طرحت هذا الملف إبان حكومة التناوب، وتحديدا لمّا كان فتح الله أولعلو على رأس وزارة المالية، وقتها تقدمنا بتعديلات على مستوى القوانين المالية، خاصة أحقية المنجميين عموما والفوسفاطيين على وجه الخصوص في الاستفادة من نسبة 35% من التخفيض الضريبي. وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه التفاعل الإيجابي مع المطلب، لاسيما وأن الطرف الوزاري كانت له امتدادات انتمائية مع أصحاب المقترح، غير أن الأمور مضت في اتجاه تبريرات واهية، كون المكتب الشريف للفوسفاط لم يعد له مناجم تحت الأرض، والحال أن المجمع زمنئذ كان مؤسسة عمومية منجمية، ولم يتحول بعد إلى شركة مساهمة، أي أن السياق الزمني لهذا الحديث قبل سنة 2008. وأتذكر جيدا من ضمن الدفوعات التي ركزتُ عليها، كون العدد الإجمالي للشغيلة الفوسفاطية وقتها كان قرابة 18 ألف؛ أفلا يستحق هذا العدد الضئيل تخفيضا ضريبيا، بالمقابل هناك قطاعات كبيرة تستفيد من إعفاءات كلية وليس جزئية، وقد بلغت نفقاتها الجبائية أكثر من 32 مليار درهم. والمؤسف أن الحكومة استخدمت كعادتها حق الفيتو ضد المقترحات المالية المقدّمَة، ومن ثمة ضد فئة عمالية تبذل الجهد المهني لإنعاش الاقتصاد الوطني. جميل جدا، هذا كان بالأمس، والآن هل هناك أمل في إحقاق هذا الحق وإنصاف الشغيلة الفوسفاطية من باب الاستدراك. انظر جيدا، الأمل يجب أن يستمر باستمرار الفعل النقابي ذاته، غير أن الصادم هو أن حكومة الاتحاد الاشتراكي بثقلها التاريخي والنضالي والتي كان معول عليها لهذه الاعتبارات، هي نفسها خذلت المطلب، إضافة إلى موقف الحياد السلبي لبقية الفرقاء الاجتماعيين. فكيف الأمر إذن مع الحكومات المتعاقبة والتي يعلم الجميع حدود سقف تفاعلها الاجتماعي. بمعنى أن زمن هذه المجزرة الضريبية سيطول، خاصة على مستوى ضريبة السكن ومِنح التقاعد وأشكال أخرى من الدعم. ضريبة السكن أو ما يسمى بهتانا بضريبة التضامن التي أقرتها حكومة بنكيران وضريبة مماثلة سنّتها مؤخرا حكومة العثماني، هي مجزرة بالتأكيد إضافة إلى منحة بداية التقاعد DR وللأمانة كنا نتطرق دوما إلى ذلك أثناء المفاواضات الجماعية، غير أن رد الإدارة ظل يتحجج كون إقرار هذه الضرائب مصدره الحكومة والمجلس التنفيذي والتشريعي. وأشير هنا إلى أن الأزمة قد تكون أخطر مما قد نتصور، حين ينتج عن ذلك تفاوت طبقي وتراجع الطبقة المتوسطة إلى الوراء، ومن ثمة تهديد الاستقرار المجتمعي، وهنا يكمن الخطر الأكبر، وقد طرحت ذلك أثناء مشاركتي في المناظرة الوطنية للجبايات، بتفاصيل أكثر دقة. هل يمكن إذن ان أفهم من كلامك أن ملف العدالة الضريبية يتوقف أساسا على إرادة سياسية موازاة مع استقلالية نقابية. نعم، بدليل أن غياب الإرادة السياسية مع وجود بيانات رقمية في غاية الموضوعية لإنصاف الشغيلة، هو دليل كافٍ لنخلص جميعا إلى أنه حين تتمثل الباطرونا في البرلمان بأشخاص موالين لها، فالأكيد أن النتيجة لن تحتاج إلى تأويل. أما بخصوص استقلال العمل النقابي، فالتاريخ يسجل للكدش موقفها في البرلمان أمام سي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، حين أوضحنا وقتئذ بأننا لسنا نقابة الحكومة ولا الحكومة هي حكومة النقابة، والجميع يعلم زمنها بالعلاقة التأسيسية بين الكدش والاتحاد الاشتراكي. وهذا للأسف ما تفتقده بعض النقابات الآن الذي تفضل الارتباط العضوي على المبدأ النقابي الأصيل. طيب، ما هي السبل القانونية والإجرائية لكبح هذا المد الضريبي الذي بات يتجدد مع الفوسفاطيين كثيرا، وهنا أقصد إمكانية إحداث مؤسسة اجتماعية لتصريف مختلف أشكال الدعم وبالتالي الاستفادة من إعفاءات ضريبية. ربما اقتراحاتنا لا تصل إليكم (يضحك)، الأكيد أننا كنا سباقين لاقتراح مؤسسة اجتماعية على الرئيس المدير للمجمع، مثلما هو معمول به في قطاعات أقل من قطاع الفوسفاط، ومع ذلك لديهم مؤسسة. كما اقترحنا أيضا صيغة التدبير المشترك cogestion على غرار تجارب ألمانية ودول اخرى، على أساس أن الاستراتيجية والاقتراح والمراقبة تقوم بها النقابات بينما التدبير المالي تقوم به إدارة المجمع، طبعا في إطار مؤسسي يتيح الاستفادة من إعفاءات ضريبية على بعض الخدمات الاجتماعية من بينها الدعم السكني… غير أن الإدارة أبدت عدم استعدادها في الوقت الراهن، ربما إلى أن تنضج الفكرة مع مرور الوقت وأيضا مع الاستمرار في تجديد صيغ وآليات التفاوض النقابي واستثمار الزمن والأحداث. على ذكر تجديد وتعزيز آليات الفعل النقابي، ما هو جوابك إزاء من يشكك في قدرة الفاعل النقابي الراهن على مواكبة رهانات العمال وملفاتهم. باختصار شديد، أجيبه بأن الفاعل النقابي الراهن لا يمكنه إلا أن يكون قويا وفطنا، لأن له تاريخا قطاعيا متجذرا، كما تنتظره تحديات جِسام، والتي تتمثل أساسا في تحصين وتحفيظ المكتسبات. اليوم يتواجد على رأس المؤسسة مصطفى التراب لكن لا نعلم من سيكون غدا، لذلك يلزم التتبع والمواكبة واليقظة. وأجزم بأن لا خوفا على الجيل النقابي الراهن. لكن، ألا ترى معي تراجع الإطارات النقابية على العمل التأطيري في صفوف النقابيين أنفسهم، علما أن المادة 17 من ميثاق الحوار الاجتماعي، تؤكد على التزام النقابات بضرورة التكوين والتأطير في صفوف عموم العمال. صحيح أن التأطير والتكوين يهم جميع العمال، على الأقل لمعرفة ما لهم وما عليهم خاصة على مستوى القوانين المنظمة للمقاولة وملفات أخرى. والنقابة الوطنية لعمال الفوسفاط مافتئت تتواصل بتوصيات تنظيمية حثيثة، مع عموم العمال بمختلف المراكز وبدون خطوط حمر، عقب كل مفاوضة وكل مذكرة وكل جديد بالقطاع، وأنا شخصيا قمت بتأطير لقاءات مفتوحة في موضوع نراه في غاية الأهمية وهو التحولات الجيواقتصادية ووقعها على القطاع. وفوق ذلك يمكن أن أؤكد لك بأن ما يجري أثناء لجنة المقاولةCE على سبيل المثال وليس الحصر، وبإمكانك أن تسأل أعضاءها، ينبئ بجلاء لاحب عن أن أهلية النقابيين وكفاياتهم وقدرتهم على تحليل البيانات والخلاصات، تعادل، إن لم أقل تفوق، كفايات الطرف الآخر. وذلك هو تحصيل لعدد من اللقاءات التكوينية والتأطير الذاتي وآليات معرفية أخرى. كلمة اخيرة أشكركم مجددا على حسن استضافتكم، وهي مناسبة لأدعو إلى ضرورة استمرار النضال من أجل عدالة ضريبية تنسجم مع تضحيات العامل الفوسفاطي في تعزيز وتدعيم الإنتاج الوطني. وهي فرصة أيضا لأقول جازما بأن العنصر البشري داخل قطاع الفوسفاط بمقدوره، دون أدنى شك، مواصلة المسيرة النضالية والإبداع الإنتاجي بما تقتضيه طبيعة المرحلة.