تعتبر نفقات الاستثمار من بين الأبواب التي تُغطي تكاليف الميزانية العامة بالإضافة إلى نفقات التسيير والنفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي، وقد نصت المادة 17 من القانون التنظيمي للمالية 130.13 على أن هذه النفقات توجه بالأساس لإنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات بغية الحفاظ على الثروات الوطنية أو إعادة تكوينها أو تنميتها. وقد عرفت هذه النفقات على مستوى برمجتها في الميزانية العامة تطورا مهما حيث انتقلت من مبلغ 26.695 مليار درهم سنة 2001 إلى 53.784 سنة 2010 إلى 77.202 سنة 2021، وساهمت بشكل كبير في تعزيز الحجم الإجمالي للاستثمار العمومي بالمغرب الذي خصص له مبلغ 230 مليار درهم للسنة المالية 2021 و189 مليار خلال سنة 2015 و162.6 مليار خلال سنة 2010. واعتبارا لتداعيات جائحة كوفيد 19 وما ارتبط بها من مخلفات كان لها تأثير مباشر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وضعت الدولة مجموعة من الضوابط لمعالجة إكراه زيادة العبء على التكاليف وخلق التوازن، وترسيخ الجهود نحو استعادة الدينامية الاقتصادية وكذا استمرارية ضبط النفقات والتخصيص الأمثل للهوامش المالية المتاحة لاستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية. وفي هذا الإطار نص منشور رئيس الحكومة رقم 9/2020 المرتبط بتحيين المقترحات المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2021-2023 على إعطاء الأولوية لتوطيد المشاريع التي توجد قيد الإنجاز خاصة المشاريع موضوع اتفاقيات موقعة أمام جلالة الملك والمشاريع المستفيدة من تمويلات خارجية، مع إيلاء الأفضلية للمشاريع المنجزة من طرف المقاولات المغربية، لاسيما التي تستعمل موارد محلية. ومن خلال تحليلنا ودراستنا للمعطيات الخاصة بنفقات الاستثمار في الميزانية العامة لسنة 2021 لاحظنا أن خمس وزارات خصص لها أكثر من 60 مليار درهم بمعدل 77% من حجم اعتمادات أداء نفقات استثمار الميزانية العامة، في حين أن باقي الوزارات ستستفيد من %13 فقط من هذه الاعتمادات، ويمكن توضيح بعض الأرقام والبرامج المتعلقة بذلك من خلال أنه: بالنسبة لاعتمادات أداء نفقات الاستثمار الخاصة بالتكاليف المشتركة لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة فقد بلغت مبلغ 28.332 مليار درهم سيتم تخصيصها لبرنامج واحد مرتبط بدعم السياسات الاجتماعية والاستراتيجيات القطاعية والمشاريع المهيكلة. بالنسبة لاعتمادات أداء نفقات استثمار وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات فقد بلغت مبلغ 11.383 مليار درهم سيتم تخصيصها لإنجاز 13 برنامج من أهمها، البرنامج المرتبط بتطوير السلاسل المنتجة بمبلغ 4.845 مليار درهم، وبرنامج ري تهيئة الفضاءات الفلاحية بمبلغ 4.010 مليار درهم، وبرنامج تطوير المجال القروي والمناطق الجبلية بمبلغ 1.131 مليار درهم. بالنسبة لاعتمادات أداء نفقات استثمار وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء فقد بلغت مبلغ 8.584 مليار درهم سيتم تخصيصها لإنجاز 6 برامج من بين أهمها، برنامج الماء بمبلغ 4.058 مليار درهم، برنامج الطرق بمبلغ 2.720 مليار درهم وبرنامج النقل البري واللوجستيك بمبلغ 0.808 مليار درهم. بالنسبة لاعتمادات أداء نفقات استثمار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي فقد بلغت مبلغ 6.437 مليار درهم سيتم تخصيصها لإنجاز 12 برنامح من بين أهمها، برنامج الإنصاف وتكافؤ الفرص والزامية التعليم بمبلغ 3.437 مليار درهم، برنامج التعليم العالي بميلغ 1.128 مليار درهم، برنامج التعليم التأهيلي وما بعد الثانوي من أجل الارتقاء بالفرد والمجتمع بمبلغ 0.851 مليار درهم، ولبرنامج البحث العلمي والتكنولوجي مبلغ 0.093 مليار درهم. بالنسبة لاعتمادات أداء نفقات استثمار وزارة الصحة فقد بلغت 4.2 مليار درهم سيتم تخصيصها لإنجاز 6 برامج من بين أهمها، برنامج توفر واستمرارية عرض العلاجات وصون البنية الأساسية والتجهيزات الصحية بمبلغ 3.3 مليار درهم، برنامج الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل والشباب والساكنة ذات الاحتياجات الخاصة بمبلغ 0.429 مليار درهم، برنامج التخطيط والبرمجة والتنسيق ودعم مهام المنظومة الصحية 0.249 مليار درهم، برنامج لإجراءات وخدمات الرعاية الصحية الأولية وما قبل الاستشفائية والاستشفائية بمبلغ 0.163 مليار درهم. من خلال دراسة حجم هذه النفقات، يمكننا استنتاج بعض الملاحظات التي تتعلق مباشرة بنقاش ضعفها ومدى تأثيرها على المنظومة السوسيو-اقتصادية وذلك من خلال الحديث على نقطتين أساسيتين: أنه على مستوى تنفيذ نفقات الاستثمار، بالرغم من استفادت القطاعات الحيوية سنويا من مبالغ مهمة ليس فقط على مستوى اعتمادات أداء السنة المالية وإنما أيضا الاعتمادات المرحلة، وأموال المساعدات والاعتمادات المفتوحة بقرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة غير أن معدل تنفيذها يعرف بعض التأخر حيث أنه برسم الميزانية العامة لسنة 2019 عرف نسبة إنجاز بلغت %77.71 بالمقابل نسبة %74.96 برسم سنة 2016، وهو ما أثر على العملية المرتبطة بتحريك المنظومة الاقتصادية وبإنجاز مجموعة من البرامج والمشاريع الاستثمارية، وأن تنفيذ هذه النفقات غالبا ما يتسم في آخر السنة المالية بالسرعة في صرف الاعتمادات وهو ما يضعف من نجاعتها وفعاليتها. على مستوى ترحيل الاعتمادات وإلغائها، فقد بلغ مجموع الاعتمادات المرحلة لنفقات استثمار الميزانية العامة ما يقارب 12 مليار درهم سنة 2019 مقابل 16.31 مليار درهم سنة 2016، وفي هذا الإطار نصت المادة 63 من القانون التنظيمي للمالية 13-130 أنه لا يجوز أن ترحل الاعتمادات المفتوحة في الميزانية العامة برسم سنة مالية إلى السنة الموالية، غير أن اعتمادات الأداء المفتوحة برسم نفقات الاستثمار بالميزانية العامة وأرصدة الالتزام، المؤشر عليها والتي لم يصدر الأمر بصرفها، ترحل، ما لم ينص قانون المالية للسنة على خلاف ذلك، في حدود سقف ثلاثين في المائة (%30) من اعتمادات الأداء المفتوحة بميزانية الاستثمار لكل قطاع وزاري أو مؤسسة برسم السنة المالية. وتحدد دورية وزير الاقتصاد والمالية شروط وإجراءات إلغاء بعض الاعتمادات وترحيل اعتمادات الاستثمار بالميزانية العامة من سنة إلى أخرى. والملاحظ أنه عند نهاية سنة 2017 بلغت الاعتمادات الملغاة مبلغ 6.707 مليار درهم، منها 1.219 ملغاة لنفقات استثمار وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، و 1.335 مليار درهم ملغاة لوزارة الداخلية، ومبلغ 0.668 ملغاة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ومبلغ 0.555 مليار درهم من ميزانية استثمار التكاليف المشتركة، هذا المعطى يحيل على الصعوبة التي تعتري بعض القطاعات في تنفيذ النفقات نظرا لأسباب عدة من بينها على الخصوص ضعف كفاءة وتخصص الأطر على مستوى تدبير الاستثمار، وكذا وجود إكراهات مرتبطة بمساطر الإنجاز وبتحديد الأولويات.
ختاما، يمكن اعتبار نفقات الاستثمار محور أساسي في تنزيل مختلف الاستراتيجيات الكبرى والقطاعية، وأنها تلعب دورا مهما في تحريك عجلة الاقتصاد وخلق الثروة والمساهمة في الناتج الداخلي الخام، وإن دراسة فعاليتها ونجاعتها يقتضي بالإضافة إلى ما تم تحليله على مستوى نفقات استثمار الميزانية العامة، تحليل ودراسة ومعالجة بعمق نفقات استثمار مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والحسابات الخصوصية للخزينة، والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية، وكذا نفقات صندوق محمد السادس للاستثمار.