بعد فترة ترقب وتوجس عصيبة ومؤرقة دامت قرابة عام كامل، منذ اكتشاف أول إصابة مؤكدة بالفيروس التاجي كورونا المستجد أو "كوفيد -19" ببلادنا، الذي أثار الرعب والهلع في النفوس الآمنة. أرهق اقتصادات بلدان العالم بما فيها الكبرى، وفرض قيودا موجعة وعادات جديدة على كافة الشعوب في مختلف بقاع الأرض، فضلا عما خلفه انتشاره السريع والواسع من تداعيات اقتصادية واجتماعية قاسية، وما رافقه من حالة قلق رهيب واضطرابات نفسية حادة أحيانا، خاصة في أوساط الأطفال الصغار وكبار السن. وبعد أن كادت الأيدي المرتعشة في حكومة سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن تعصف بالمجهود الوطني والتضامن الشعبي الكثيف، جراء تراكم التناقضات والقرارات الارتجالية والوعود الزائفة، وأن تفسد بتخبطاتها تلك الصورة المشرقة التي رسمها ملك البلاد محمد السادس، عبر تعليماته السامية الداعية إلى اتخاذ إجراءات احترازية استباقية ووقائية، وإحداث صندوق خاص بتدبير آثار الجائحة على القطاعات والأسر الأكثر تضررا... وبعد إشادة الكثير من البلدان العربية والغربية والصحف الدولية الكبرى بالأداء المغربي في مواجهة الأزمة الصحية الخانقة إلى حد اعتباره نموذجا يحتذى، من خلال ما أبان عنه من تضامن وطني وقدرته على استثمار تجارب الدول الأجنبية وعامل الوقت، حيث بادر في وقت مبكر إلى إغلاق الحدود والمساجد وتعليق الدراسة الحضورية والأنشطة الرياضية والثقافية وإعلان الحجر الصحي الشامل وحالة الطوارئ الصحية، وتجهيز المستشفيات ودعم الأسر التي فقدت مورد رزقها والرفع من أسرة الإنعاش وإنتاج الأقنعة والملابس الواقية وتصميم أجهزة للتنفس وإنشاء وحدات طبية وغيرها كثير. وبعد إشراف الملك بنفسه على وضع الاستراتيجية الوطنية للتلقيح، وحرصه الشديد على تتبع تطور الجائحة منذ ظهورها الأول في المغرب، والتدابير الاحترازية المتخذة في إطار الحد من تفاقم الوضع الوبائي، وتشديده على إعطاء الأولوية إلى العاملين في الخطوط الأمامية بقطاعات الصحة والأمن والتعليم والفئات الهشة من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، ودعوة الحكومة إلى اعتماد مجانية اللقاح لفائدة جميع المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب، البالغين من العمر أزيد من 17 سنة. وبعد أن ظل يشكل قدوة حسنة لجميع المغاربة من حيث التزامه بالتدابير والإجراءات الاحترازية الضرورية للوقاية من العدوى على امتداد فترة حالة الطوارئ الصحية، التي مازالت مستمرة إلى حين التخلص من هذا الوباء الفتاك، ويحرص على الظهور في لقاءاته الرسمية بارتداء الكمامة الواقية واحترام التباعد الاجتماعي الموصى به من قبل السلطات الصحية. وبعد حصول المغرب على الجرعات الأولى من لقاحي "استرازينيكا" البريطاني-السويدي يوم الجمعة 22 يناير و"سينوفارم" الصيني يوم الأربعاء 27 يناير 2021، وهي الكميات الكافية للشروع في عملية التلقيح تدريجيا ووفق ما هو مسطر لها سلفا، في انتظار باقي الجرعات المتعاقد بشأنها والبالغ عددها الإجمالي 66 مليون جرعة. وبعد قيام وزارة الصحة بتوزيع اللقاحات المتوفرة على جميع مراكز التلقيح بالمدن المغربية، ودعوة السلطات العمومية بدورها المواطنات والمواطنين بصفة اختيارية إلى تسجيل أسمائهم في قوائم التطعيم وأخذ مواعد عبر رسائل نصية إلى رقم خاص أو أحد المواقع الإلكترونية المحددة. وبمجرد ما أعطى الملك شخصيا الانطلاقة الفعلية للحملة الوطنية للتلقيح من القصر الملكي بفاس يوم الخميس 28 يناير 2021، التي تهدف إلى تطعيم ثمانين في المائة من السكان من أجل تحقيق مناعة جماعية، وتلقيه بهذه المناسبة الجرعة الأولى من لقاح "كوفيد -19" تحت أنظار العالم، حتى عمت الفرحة القلوب وساد تفاؤل واسع بانزياح الغمة ونهاية الأزمة في أقرب الآجال، فكيف لا يشعر المغاربة بالفخر، بمثل هذا الحدث السعيد وقد استطاع بلدهم في ظل التسابق المحموم والمضاربات القائمة أن يضمن لهم اللقاح من بين الدول القليلة ذات الإمكانيات المالية الهائلة؟ وإلى أي حد سيكون بمقدور السلطات الوصية كسب رهان التمنيع الجماعي المنشود في ظروف جيدة؟. فبإعطاء الملك الانطلاقة الرسمية لحملة التطعيم الجماعي ضد كورونا وخضوعه بنفسه للقاح، يكون قد بعث بعدة رسائل عميقة للجميع، ولعل أهمها تلك التي أراد من خلالها طمأنتهم على خلو اللقاح من أية أضرار محتملة وفق ما أكدته البيانات الرسمية للجنة العلمية، ووضع حدا لكل تلك التشكيكات والشائعات التي ما انفكت تتناسل بشكل لافت منذ أن اجتاح الفيروس التاجي بلادنا. لاسيما أن المغرب جند 6375 فريقا للإشراف على هذه العملية الدقيقة وذات الأهمية البالغة، وتخصيص 3047 نقطة تلقيح و10 آلاف نقطة متنقلة. واعتمد في ذلك على استراتيجية وطنية محكمة تمتد إلى 12 أسبوعا بوتيرة ستة أيام من العمل في الأسبوع، خلال أربع فترات من 21 يوما للفترة الواحدة وبمعدل 150 إلى 200 لقاح في اليوم لكل عامل صحي، على أن يتم التلقيح بجرعتين منفصلتين. إننا وبعد اتخاذ المغرب كافة الإجراءات اللازمة، مدعوون جميعا من فعاليات المجتمع المدني وأحزاب سياسية ووسائل إعلام وغيرها إلى السهر على توعية المواطنين بضرورة التلقيح والحد من خطاب المؤامرة والتشكيك على مستوى منصات التواصل الاجتماعي، وأن نتعبأ بقوة لإنجاح الحملة الوطنية للتلقيح ضد "كوفيد -19"، باعتبار التلقيح أولوية وطنية واستثمارا قويا تراهن عليه كافة البلدان قصد إنعاش أنشطتها الاقتصادية وتطوير حجم معاملاتها، إذ بدونه لا يمكن للحياة أن تعود إلى طبيعتها ولا لعجلة الاقتصاد الوطني أن تدور ثانية بنفس السرعة.