رحلت سنة 2020 سنة الدروس و المواعظ، سنة الخوف و الهلع، سنة الفقد و الوداع، تعلمنا منها دروسا عميقة في الحياة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسة، و بقاءنا شاهدين على آخر أيامها هو اعظم إنجاز يستحق الرضا و يستوجب الحمد. عشنا سنة 2020 أياما مليئة بالاضطرابات النفسية فمع كل خبر وفاة نشعر بالخوف و الشك ربما نكون الضحية القادمة لهذا الفيروس اللعين، هذا الكائن الذي فرض علينا قيودا و حربا ضد عدو خفي و غير منظور، حولنا الى مرضى نفسيين نعاني من الوسواس القهري و افقدنا القدرة على التفكير بعقل متزن.
لكن و بالرغم من آثاره السلبية علينا، إلا انه استطاع أن يوحد الإنسانية جمعاء بمسافاتها و طوائفها و دياناتها المتعددة، استطاع أيضا أن يوقف الحروب و أصبح القاتل و القتيل يقفان معا امام عدالة السماء المتمثلة في هذا الفيروس الضئيل، فلم يعد شغلنا الشاغل المال أو السلاح أو القوة بل فقط الحصول على الاوكسجين و ضمان وجوده في حالة الإصابة به.
فجأة و بدون مقدمات، أدركنا حجمنا الحقيقي و أننا لا قيمة لنا أمام هذا المرض الذي كسر عنجهيتنا و طغياننا، فهو لم يأت إلا ليكشف لنا عن مدى ضعف الإنسان أمام غضب الطبيعة، فقد أصبحنا نصارع فقط من أجل البقاء، و ايقنا ان هذا الاكسجين الذي نستنشقه بدون مقابل هو أهم نعمة، و جعلنا نعود من متاهات الحياة التي كنا نمشي فيها.
جاء هذا الفيروس ليعلم الإنسانية معنى المحبة و السلام، جاء ليكسر الغرور و التعالي الذي ملأ قلوب البشر و لغى كل المبادئ و التوابث الدينية.
كورونا، رسالة ربانية لتهذيب النفس البشرية و تصحيح المسار من أجل العودة الى القواعد الإنسانية، نحن نعيش هدنة نفسية جعلتنا نعيد ترتيب الأولويات، أدركنا ان البيت هو الأمان و أن العائلة هي الإرث الاغلى و أدركنا أيضا أنه يمكن لعاداتنا و طموحنا أن تتغير لتصبح أهمها الصحة و السلامة، رسالة الله لنا أيضا اننا ضيوفا على هذه الأرض و أن العالم مستمر فقط بإرادته التي تعلو فوق كل شيء، كما جعل الله هذا العالم أكثر تصالحا مع بعضه البعض، فنحن كلنا نركب نفس المركب التي لازالت تبحث عن المرسى الآمن.