لم يكن أحد يتوقع في بداية العام 2020، وعلى الرغم من تفشي فيروس كورونا حينها بسرعة عالية في جميع أنحاء العالم، أن تؤثر هذه الأزمة الخانقة على العديد من القطاعات الاقتصادية في المغرب. وضعية ازدادت سوءا بسبب الظروف المناخية غير المواتية، لاسيما على مستوى ضعف التساقطات المطرية، مما ألقى بثقله على الفلاحة المغربية، التي راهنت على سنة واعدة، خصوصا مع إطلاق الاستراتيجية الجديدة "الجيل الأخضر 2020-2030" في فبراير الماضي. ولم تكن حالة الطوارئ الصحية، التي أ علنت يوم 20 مارس الماضي، وحظر التجول وإغلاق الحدود، في صالح النشاط الاقتصادي الذي توقف بشكل مفاجئ. وكانت 90 يوما من الحجر الصحي كافية لمختلف المؤسسات للتنبيه إلى أن جميع مؤشرات هذه السنة ستكون باللون الأحمر. وفي هذا السياق، توقع بنك المغرب، في ختام اجتماع مجلسه في يونيو الفائت، أن يشهد الاقتصاد الوطني انكماشا بنسبة 5,2 بالمئة خلال سنة 2020، وهو الأقوى منذ سنة 1996، مبرزا أن "التطور السريع لهذا الوباء يتطلب تحيينا دائما للوضع وللتوقعات الاقتصادية". وبعد مرور ثلاثة أشهر، وبالنظر إلى الانتعاش البطيء، خفض بنك المغرب توقعاته الخاصة بمعدل النمو برسم سنة 2020 إلى 6,3 بالمئة، قبل إعادة تعديله في حدود 6,6 بالمئة، خلال الاجتماع الفصلي الرابع والأخير لمجلسه، الذي انعقد الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من إجماعهما على حقيقة أن الانكماش الاقتصادي خلال هذا العام سيكون الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين، فإن بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط أعلنا عن معدلات مختلفة. وأبرزت المندوبية السامية للتخطيط، في ميزانيتها الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2021، التي نشرت في يوليوز الماضي، أن "حجم الناتج الداخلي الإجمالي سيسجل، بناء على الانخفاض المرتقب للضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب 9 بالمئة، معدل نمو سالب ب5,8 بالمئة خلال سنة 2020، عوض زيادة ب 2,5 بالمئة المسجلة سنة 2019". ويتعلق الأمر بتوقعات تتماشى مع تلك التي قدمتها الحكومة، أثناء إعداد قانون المالية برسم سنة 2021. وكان وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة قد أشار، خلال عرضه التقديمي لمشروع القانون المالي أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، إلى أنه من المتوقع أن يبلغ الركود الاقتصادي 5,8 بالمئة خلال سنة 2020، وذلك بسبب التأخر المسجل على مستوى انتعاش قطاعات، مثل السياحة. أما بالنسبة للمؤسسات الدولية، فقد توقع البنك الدولي أن ينكمش نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 6,3 بالمئة، بينما أشار البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إلى انكماش بنسبة 5 بالمئة برسم العام الجاري. ومن جانبه، أشار صندوق النقد الدولي، خلال مشاوراته برسم 2020 بموجب المادة الرابعة مع المغرب، إلى أن الناتج الداخلي الخام المغربي سيتراجع بنسبة تتراوح ما بين 6 إلى 7 بالمئة، وذلك حسب تطور وباء كوفيد- 19. ولدعم الاقتصاد خلال هذه الظرفية الصعبة، اضطرت الدولة إلى اللجوء إلى سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك المديونية وزيادة الإنفاق، من أجل تغطية الاحتياجات التمويلية للاقتصاد. وقد أدى هذا الوضع، الذي ازداد حدة بسبب تراجع الإيرادات الضريبية، إلى تفاقم عجز الميزانية، الذي من المتوقع، وفقا للمندوبية السامية للتخطيط، أن يصل إلى 7,4 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال سنة 2020، متجاوزا بشكل كبير مستوى المعدل السنوي المسجل خلال الفترة 2011-2013 والمحدد في 6,1 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وكان بنك المغرب والبنك الدولي، من جهتهما، أكثر تشاؤما في توقعاتهما الخاصة بعجز الميزانية، حيث جاءت، على التوالي، في حدود 7,7 بالمئة و 7,6 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي. وهو تراجع سيكون له حتما تأثير واضح على نسبة الدين العمومي إلى الناتج الداخلي الإجمالي، التي من المتوقع أن ترتفع. وفي ما يتعلق بآفاق العام المقبل، فإنها لا تزال واعدة، لا سيما مع ظهور لقاحات ضد كوفيد- 19، والتي من شأنها أن تساعد على تحقيق انتعاش حقيقي للنشاط الاقتصادي. وهي آفاق تزكيها أيضا فرضية تسجيل موسم فلاحي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية. وعلى هذا النحو، يتوقع بنك المغرب انتعاش النمو بنسبة 4,7 بالمئة خلال سنة 2021 قبل أن يتعزز إلى 3,5 بالمئة سنة 2022. وسيتجسد هذا النمو في ارتفاعات، مع فرضية محصول من الحبوب في حدود 75 مليون قنطار سنويا، بنسبة 13,8 بالمئة و2 بالمئة على التوالي في القيمة المضافة الفلاحية، وتحسن تدريجي بنسبة 3,3 بالمئة ثم 3,6 بالمئة في القيمة المضافة غير الفلاحية.