أمام التطور الهائل الحاصل في مجال تطوير لقاحات ضد فيروس كورونا، لا يبدو أن تقدما مماثلا سُجل في مجال تطوير الأدوية المعالجة لمرض كوفيد-19 الناجم عن الفيروس التاجي. هذا التفاوت طرح أكثر من علامة استفهام خصوصا من خارج الأوساط الطبيّة، باعتبار أن السباق على اللقاح هو "الهاجس الأكبر حاليا تغذيه دوافع سياسية" يقول خصوصا المشككون في مدى فاعلية التعامل الطبي والسياسي مع الجائحة العالمية. في ألمانيا سعت الحكومة الفيدرالية على موقعها الخاص إلى طمأنة المواطنين عبر التشديد على أنّ الأبحاث جارية على قدم وساق، وهي "لا تقل أهمية على تطوير اللقاح"، لأن اللقاح وحده لا يكفي للقضاء على الوباء. وفي هذا السياق، يشير موقع وزارة الصحة الألمانية إلى مشروع "Solidarity" (التضامن) الدولي برعاية منظمة الصحة العالمية وبمشاركة عشرات من الدول بهدف تطوير دواء علاجي بذات فاعلية اللقاحات المُعلن عنها. الخبراء من جهتهم يشيرون إلى نجاحات حققت وأن الاختراق آت لا محالة. للتذكير أنه عند بداية أزمة كورونا طُرحت أسماء لعدة عقارات، على رأسها عقار إيبولا "رمديسفير" والملاريا "كلوروكين"، وساد تفاؤل كبير آنذاك. لكن مع مرور الوقت ووسط تضارب البيانات، على الأقل بالنسبة للشخص العادي، بدأ هذا التفاؤل يتلاشى، بل حتى منظمة الصحة العالمية شككت في نهاية المطاف بفاعلية عقار "رمديسفير" وبقي في بعض الدول عقار "كلوروكين" فقط متداولا لكنه لم يمنع معدل وفيات تجاوز عتبة المليون حالة وفاة حول العالم. أين يقف العلم الآن؟ مازالت الأبحاث تركز على الأدوية المطروحة والمرخص لها سلفا لعلاج مصابي فيروس كورونا. الرهان منصب على تطوير الأدوية المتوفرة، لكونها الأسرع زمناً. ويمكن تقسيم هذه الأدوية إلى أربعة أنواع: -مضادات الفيروسات: العقاقير المطورة لعلاج إيبولا والملاريا والسارس وغيرها من الفيروسات الخطيرة. الهدف وقف تسلل الفيروس إلى خلايا المصاب وبالتالي منع انتشاره. -أدوية ضد ارتفاع ضغط الدم: بما في ذلك أدوية تخثر الدم ومعالجة أمراض القلب. والهدف منها كبح تطور الأعراض الخطيرة والمؤدية للوفاة. أدوية كبت المناعة: كالأدوية المستخدمة ضد مرض الروماتيزم، والتهابات الأمعاء. ويتم استخدامه لكبح مضاعفات التفاعل المبالغ فيه من قبل الجهاز المناعي والمسبب لأضرار بالغة في الجسم. -أدوية لمرضى الرئة: خصوصا الأدوية المعالجة للتحجر الرئوي. ويساعد هذا الدواء على إيصال الدم المحمّل بالأوكسجين إلى الرئتين. توضح رابطة أبحاث الأدوية الألمانية (vfa) على موقعها الإلكتروني أن الهدف الرئيسي للأبحاث الجارية حاليا يتجلى في تحديد نوعية الدواء الفعّال وفقا لتطور الأعراض وطبيعتها، بمعنى متى يجيب استخدام عقار معيّن وتماشيا مع أيّ أعراض. الاختراقة المنتظر؟ عكس هذا الاتجاه، هناك من سلك طريقا معاكسا بعيدا عن الأدوية المعمول بها. والنتائج واعدة استنادا على مايكه ديتمر من جامعة نيويورك الطبية. عالمة الفيروسات الألمانية تستبشر خيرا من مادة طورتها شركة فايزر الأمريكية التي أعلنت إلى جانب شركة بيونتيك الألمانية عن تطوير لقاح بفاعلية من تسعين بالمائة. هذه المادة تتوفر على أنزيم يكبح انتشار الفيروس بل و"يجمده" حسب مايكه ديتمر. وهناك بالفعل العديد من الجامعات حول العالم تقوم بدراسات حول هذا الإنزيم بالذات وتسعى منه إلى تطوير عقار، من بينها جامعة كانبيرا الكندية وتوبيغن الألمانية، كما أن شركتي الأدوية نوفاتيس وتيكيدا التحقتا بالسباق. حسب صحيفة "Chemical & Engineering News" بدأت الجهات المذكورة في التنسيق فيما بينها لعدم تكرار نفس التجارب قصد ربح الوقت. ونقل موقع "شبيغل أولاين" عن مايكه ديتمر في تقرير صادر اليوم الإثنين (30 نوفمبر/ تشرين الثاني) أن الرّهان الحالي يكمن في عرقلة فيروس سارس-كوف-2 وفق التسمية العلمية لفيروس كورونا المستجد، على الإنشطار بعد تسلله إلى الخلية. وإذا ما نجح الدواء في ذلك فإن الفيروس سيكون حكمه التلف والزوال. كيف؟ لتتم عملية الانشطار هذه يحتاج الفيروس إلى مجموعة إنزيمات تقوم بتجزئة البروتين في عملية معقدة يطلق عليها بروتياز. وخلال هذه العملية على العقار القيام بمفعوله في إتلاف الإنزيمات وتمويهها حتى لا تقوم بدورها. وكما استفادت العقارات المطوَّرة إلى ما وصلت إليه الأبحاث، كذلك الشأن بالنسبة لدراسات تطوير الأدوية. ولحسن الحظ كان عالم ألماني قد طوّر بداية العقد السابق تسلسلا ثلاثي الأبعاد لعملية بروتياز لفيروسات كورونا. ويتعلق الأمر بالبروفسور الذي عمل سابقا في جامعة لوبيك رولف هيلغنفيلد. وقد نجح هذا العالم فيما بعد إلى بحث خصائص بروتياز بالنسبة للفيروس المستجد بعد ظهوره، ونشر مع فريقه نتائج البحث في الحادي عشر من يناير/ تشرين الثاني من هذا العام في المجلة العريقة (Science). وبفضلها بات واضحا في أيّ مرحلة بالذات خلال عملية بروتياز يمكن تجميد الإنزيمات المسؤولة عن الانشطار، في ورقة علمية في غاية الأهمية بالنسبة للأبحاث الجارية. وهناك من يرى أنه ومع تطوير المصل المجمِّد وتحديد المرحلة الحرجة، ما هي إلا مسألة وقت للإعلان عن العقار المنشود.