منذ قرابة عام واحد ظهر مرض كورونا الجديد (كوفيد-19)، ليتحول إلى جائحة عالمية خلفت ما يزيد على 56 مليون حالة إصابة مؤكدة نجم عنها 1,356,000 وفاة -حتى لحظة كتابة تلك السطور- وبرغم عودة أرقام حالات الإصابة والإلحاق بالمستشفيات إلى الزيادة مرة أخرى - بعد انحسار جزئي بنهاية الموجة الأولى- إلا أن أرقام الوفيات تلك المرة لم تزد بنفس الوتيرة، حتى إنها قد انخفضت في بعض الدول. الأمر الذي دفع الجميع إلى التساؤل حول أسباب ذلك الانخفاض في حالات الوفاة. حيث وجد الأطباء والعلماء أن هناك عدة أسباب يمكن أن نعزو إليها ذلك الانخفاض الملحوظ، وهذا ما تتناوله هذه المقالة. * أسباب انخفاض معدلات الوفاة زيادة معدلات الإصابة بين الشباب في بداية الجائحة، كانت غالبية حالات الإصابة بالمرض لدى الفئات الأكبر عمرا بشكل عام، إلا أنه بمرور الوقت حدث تحول في ذلك النمط. حيث أضحت الفئة العمرية بين 20 و29 عاما هي الأعلى في معدلات الإصابة بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب، وذلك وفقا لإحصائيات مركز مكافحة الأمراض الأميركي.
يرى بعض الباحثين أن ذلك التحول في ارتفاع حالات حدوث العدوى من الأكبر عمرا إلى الشباب الأصغر عمرا قد يكون هو السبب الرئيسي وراء انخفاض أعداد الوفيات، حيث خلصت النتائج الأولية لدراسة بحثية نشرت مؤخرا إلى وجود علاقة طردية بين معدلات الوفيات والعمر. ووفقا لتلك النتائج، فإن معدل الوفيات بين الأطفال والشباب منخفض للغاية؛ حيث يبلغ 0.002% لدى الأطفال بعمر 10 سنوات، ويقدر بحوالي 0.01% لدى الشباب بعمر 25 سنة. بينما لدى الفئات الأكبر عمرا يرتفع معدل الوفيات بشكل ملاحظ، ليبلغ 0.4% بعمر 55، وحتى 15% بعمر 85.
وبالتالي فإن ازدياد حدوث الإصابة بالعدوى بين الشباب وانخفاضها بين كبار السن بالوقت ذاته، قد يعني حدوث انخفاض ملحوظ في أعداد الوفيات الناجمة عن مرض كورونا الجديد. علاج مرض كورونا الجديد بشكل أفضل برغم أن زيادة معدلات الإصابة بين الشباب يلعب دورا في انخفاض الوفيات، إلا أنه لوحظ أيضا أن معدلات الوفيات قد انخفضت بين المصابين الأكبر عمرا أيضا. حيث تشير دراسة أجريت بمستشفى جامعة نيويورك الأميركية على 5000 مريض بكورونا تم علاجهم بالمستشفى، إلى انخفاض معدل الوفيات من 26% في مارس/آذار إلى 8% في أغسطس. أي أن هناك انخفاضا ملحوظا في الوفيات قد بلغ قرابة 18% خلال عدة أشهر.
يعتقد بعض الأطباء أن الانخفاض قد يكون ناجما عن القدرة على علاج مرض كورونا الجديد بشكل أفضل. ففي بداية الجائحة، كان المرض مجهولا للجميع ولا نعرف عنه الكثير، لكن مع مرور الوقت زادت المعرفة بشأن المرض والقدرة على التعامل معه وعلاجه بشكل مطرد.
حيث أصبحت هناك بروتوكولات علاجية قياسية، وعندما يتم إدخال مريض إلى المستشفى يتم تحديد أفضل الأدوية المستخدمة في علاجه وفقا لحالته. وذلك بخلاف بدايات الجائحة، حينما كان يقوم الأطباء بتخمين الأدوية التي يمكن استخدامها لكل حالة، من دون وجود بروتوكول واضح.
فعلى سبيل المثال، أصبح استخدام ديكساميثازون عاملا حاسما في إنقاذ المرضى في أطوار متقدمة من المرض. حيث تشير نتائج الدراسات السريرية إلى أن استخدام هذا الدواء ساهم بخفض الوفيات بمقدار الثلث لدى المرضى الموضوعين على أجهزة التنفس الاصطناعي، وبمقدار الخمس لدى المرضى الخاضعين للعلاج بالأكسجين الإضافي.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض الأطباء الآخرين أن تكدس المستشفيات في بدايات الجائحة قد ساهم في زيادة الوفيات بتلك الفترة. ومع تكيف النظام الصحي على إدارة الأزمة، ساهم ذلك في تقليل تكدس المستشفيات بالمرضى. الأمر الذي يعني القدرة على توفير رعاية طبية أفضل بشكل ينعكس على انخفاض الوفيات مقارنة بالسابق. * انخفاض في الوفيات ولكن برغم الانخفاض الملحوظ في الوفيات الناجمة عن مرض كورونا مقارنة بالسابق، إلا أن استمرار زيادة أعداد المصابين بشكل مطرد حاليا - في ما يوصف بالموجة الثانية من الجائحة - سيعني مزيدا من الوفيات لا محالة، حيث يجدر الانتباه إلى أن انخفاض الوفيات لا يعني أبدا زوال الخطر. فقلة الوفيات بين الفئات الأصغر عمرا مع زيادة معدلات الإصابة لا تعني أنهم في أمان أو أقل عرضة للخطر. كل ما في الأمر أن الجميع في خطر، لكن الأمر قد يكون أكثر خطرا لدى الفئات الأكبر عمرا، بجانب المصابين بأمراض مزمنة والنساء الحوامل.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه إن لم يوجد لقاح فعال يتم تحصين غالبية الأفراد به، فإن الخطر سيبقى قائما. ومن ثم يجب التشديد على الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية واتخاذ كافة الاحتياطات منى دون تهاون، علّنا نجد مخرجًا من تلك الجائحة وآثارها الكارثية على كافة الأصعدة.