وحيدة تروح وتغدو. تحمل معها آنات المرض الذي أنهك جسدها النحيف. وحيدة صارعت بعد أن غادر رفيق دربها دنيا الأحياء. وبعد رحيله استمرت تتكفل بكد وجهد بالأفواه الأربعة التي تركها في عهدتها، بدون معاش، بعد أن ترجل من قطار الحياة، ليترك في عهدة الأبناء. أحست بالإنهاك، فعرضت نفسها على طبيب بعد طول تردد. أنجزت التحاليل المخبرية، فاكتشفت أن كليتيها غدتا قاصرتين عن تصفية سائلها الحيوي. أصيبت «فاطمة» بقصور كلوي، هي التي كانت المعيلة الوحيدة لأطفالها الصغار، فظلت خلال الأشهر الأولى، تصرف مبالغ مهمة للخضوع لحصص تصفية الدم، بتبرعات الجيران، وعطف الأقارب. ولأن «العين بصيرة، واليد قصيرة»، ومدخولها الشهري، بالكاد يكفي لسد متطلبات أسرة متعددة الأفراد. كان لابد ل «فاطمة» أن تدق أبواب جمعيات الخير، ومؤسسات الإحسان. فلم يخب ظنها، بعد أن صارت حصص التصفية «مجانية» في مؤسسة للرعاية الاجتماعية، حتى وإن استنزفت الأشهر الأولى من مرضها ميزانيتها المتواضعة. حالة «فاطمة» ليست وحيدة ولا فريدة، لذلك كان لابد من تحرك الوزارة الوصية. فقبل أيام أعلن وزير الصحة الحسين الوردي، أن «البرنامج الوطني للتكفل بمرض القصور الكلوي الذي تعزز بمركز جديد لتصفية الدم، دشنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بوسكورة، سيتيح من خلال مقاربة ثلاثية الأهداف تقوم على التكفل والوقاية وتحسين جودة العلاجات، التخفيف من معاناة الأشخاص المصابين والحد من انتشار هذا المرض المزمن». برنامج وزارة الصحة يروم تحقيق أهداف ثلاثة: أولها الاستجابة لجميع طلبات تصفية الدم من خلال تعزيز قدرات البنيات الاستشفائية العمومية، وإحداث أخرى جديدة. وقد عمدت الوزارة حسب الوردي إلى شراء الخدمات العلاجية من مؤسسات القطاع الخاص، برصد مبلغ قدره 380 مليون درهم برسم سنة 2012». ثاني أهدف البرنامج يتمثل في «تشجيع عمليات زرع الكلي بالمراكز الاستشفائية الجامعية»، لأن وزارة الصحة تعتبر أن «هذه العمليات تعد العلاج الأنجع لهذا المرض المزمن». أما ثالث الأهداف فيتجسد في «تعزيز سبل الوقاية». عملا بالمثل القائل «الوقاية خير من العلاج». وقاية تتركز علىضبط ارتفاع الضغط الدموي، والحد من ارتفاعه عبر المراقبة والتتبع، وكذا القيام بالفحوصات اللازمة، والفحص المبكر. كما تشمل الوقاية «داء السكري»، والتزام المرضى بالحمية والرياضة، للحد من مضاعفة هذين المرضين اللذين يشكلان المسببين الرئيسين للقصور الكلوي٬ وكان وزير الصحة أشار إلى أن مركز تصفية الدم ببوسكورة «يندرج في إطار السعي إلى الاستجابة للهدف الأول من البرنامج الوطني للتكفل بمرض القصور الكلوي»، لأن «هذه المنشأة الاستشفائية التي أقيمت على مساحتها 470 مترا مربعا وبكلفة مالية قدرها 5.5 مليون درهم، أنجزت وفق مقاربة تشاركية جمعت ما بين وزارة الصحة وفعاليات المجتمع المدني، من خلال جمعية “أمل” لمساعدة المصابين بمرض القصور الكلوي المزمن». ومع كل حصة للتصفية تعود فاطمة، منهكة القوى، لا تقوى على الحركة. لكنها تردد على أسماع من يسألها من الجيران، الذين يتحلقون حولها وهي جالسة أمام باب منزلها، تسترجع قواها بعد أن توصلها سيارة الأجرة: «الحمد مازال الخير في البلاد»…!