صادق مجلس الحكومة مساء الثلاثاء التاسع من شهر يونيو الجاري، على مشروع مرسوم يقضي "بتمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس "كورونا"- كوفيد19، وذلك من يوم الأربعاء 10 يونيو في الساعة السادسة مساء، إلى غاية يوم الجمعة 10 يوليوز 2020 في الساعة السادسة مساء"، و "بسن مقتضيات خاصة بالتخفيف التدريجي لتدابير الحجر الصحي عبر مراحل"، أخذا بعين الاعتبار التفاوت الحاصل في الوضعية الوبائية بين جهات وعمالات وأقاليم المملكة، وهنا نتواجد بين مفهومين قد يثيران بعض الغموض والإبهام بالنسبة للبعض، ويتعلق الأمر ب : -"حالة الطوارئ الصحية" التي ترتبط بالإطار القانوني العام الذي يعطي للحكومة صلاحية اتخاذ قرارات وتدابير تسمح بالتصدي للجائحة والحيلولة دون انتشار العدوى، لا يمكن اتخاذها في الحالات العادية (فرض القيود على تحركات السكان وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، التباعد الاجتماعي (الجسدي)، إجبارية استعمال الكمامات في الأماكن العامة، حظر التجول الليلي، منع التنقل بين المدن، توقيف بعض الأنشطة الاقتصادية، تنزيل مراسيم دون الرجوع للبرلمان ...)، والطوارئ الصحية - في الحالة المغربية - غير منصوص عليها، صراحة في الدستور المغربي كحالة الاستثناء أو الحرب..
-"الحجر الصحي" الذي يعد إجراء من ضمن الإجراءات التي يتم اتخاذها في إطار حالة "الطوارئ الصحية"، ويقضي بإلزام السكان بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى في إطار التدابير الوقائية والاحترازية، وعدم الخروج إلا بترخيص مسبق وعند الضرورة القصوى، و هو إجراء من ضمن إجراءات أخرى " استثنائية" لا يمكن للدولة تنزيلها، إلا في إطار حالة الطوارئ الصحية، وهي حالة يمكن تمديدها لأشهر إضافية، بينما الحجر الصحي، يمكن تخفيفه إما تدريجيا بالسماح بخروج المواطنين بدون ترخيص سواء داخل العمالة أو الجهة، والإذن باستئناف بعض الأنشطة الاقتصادية، كما يمكن رفعه بشكل كلي، مع الإبقاء على سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية لشهر أو أكثر، حسب تطورات الحالة الوبائية.
عقب ذلك، وفي ساعة متأخرة من ليلة أمس، صدر بلاغ مشترك لوزارة الداخلية و وزارة الصحة، حدد معالم خارطة طريق السلطات العمومية لتنزيل مخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي، حسب الحالة الوبائية لكل عمالة أو إقليم وبصفة تدريجية عبر عدة مراحل ابتداء من 11 يونيو 2020، وبموجب هذا المخطط - الذي استعرض تفاصيله، السيد رئيس الحكومة يومه، بمجلس النواب في إطار جلسة عامة حول السياسة العامة - تم تقسيم عمالات وأقاليم المملكة، وفق المعايير المحددة من قبل السلطات الطبية، إلى منطقة تخفيف رقم 1 (عمالة وأقاليم جهة الشرق، أقاليم جهة بني ملال - خنيفرة، أقاليم جهة درعة- تافيلالت، عمالتا وأقاليم جهة سوس- ماسة، أقاليم جهة كلميم- واد نون، أقاليم جهة العيون- الساقية الحمراء، إقليما جهة واذي الدهب، عمالة المضيق- الفنيدق، أقاليم : تطوان، الفحص- أنجرة، الحسيمة، شفشاون، وزان، مكناس، إفران، مولاي عقوب، صفرو، بولمان، تاونات، تازة، الخميسات، سيدي قاسم، سيدي سليمان، سطات، سيدي بنور، شيشاوة، الحوز، قلعة السراغنة، الصويرة، الرحامنة، آسفي، اليوسفية)، ومنطقة تخفيف رقم 2 (عمالة طنجة-أصيلا، إقليم العرائش، إقليم فاس، إقليم الحاجب، عمالة الرباط، عمالة سلا، عمالة الصخيرات-تمارة، إقليم القنيطرة، عمالة الدار البيضاء، عمالة المحمدية، إقليم الجديدة، إقليم النواصر، إقليم مديونة، إقليم بنسليمان، إقليم برشيد، عمالة مراكش)، بما مجموعه "59" عمالة وإقليم بالنسبة للمنطقة رقم1، و"16" عمالة أو إقليم بالنسبة للمنطقة رقم2.
وإذا كانت المعايير الطبية المرتبطة بالوضعيات الوبائية لكل عمالة أو إقليم، هي التي تحكمت في هذا التقسيم الثنائي، فيمكن الإقرار أنها معايير غير مستقرة وقابلة للتحول و التطور، في ظل وضعية وبائية غير مستقرة على مستوى الإصابات المؤكدة يوميا على الصعيد الوطني، وهذا قد يطرح بعض الصعوبات الموضوعية على مستوى التصنيف، بمعنى، قد تعرف عمالة من العمالات مصنفة مثلا في منطقة التخفيف رقم 2، تراجعا واستقرارا في عدد الإصابات المؤكدة، بشكل يجعل وضعيتها تتلاءم ووضعيات العمالات المصنفة في منطقة التخفيف رقم 1، مما يفرض منطقيا إخراجها من منطقتها وإدراجها في المنطقة الثانية، حتى تستفيد من مزايا التخفيف، وقد يحصل العكس، بالنسبة لعمالة مصنفة في المنطقة رقم 1، عرفت ارتفاعا في عدد الإصابات، وباتت وضعيتها متشابهة مع وضعيات العمالات والأقاليم المصنفة في المنطقة رقم 2، مما يفرض إخراجها من منطقتها الأصلية، وبلغة الأرقام والمعطيات، نرى أن تحول الأرقام، يقتضي التحيين المستدام للتصنيف، وهذا الطرح، يصعب أجرأته من الناحية الواقعية، لأنه مرتبط بحياة الأشخاص وتنقلاتهم وأنشطتهم.
بعيدا عن جدل لغة الأرقام، ما هو باد للعيان، أن "قرعة رفع الحجر الصحي" كانت رحيمة بالنسبة للمنطقة الأولى التي حضر فيها "التخفيف" (مقارنة مع المنطقة الثانية) عبر عدة مستويات، ارتبطت بالخروج دون الحاجة إلى "رخص التنقل الاستثنائية" داخل المجال الترابي للعمالة أو الإقليم أو داخل المجال الترابي لجهة الإقامة (بدون ترخيص، مع الاقتصار فقط على الإدلاء بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية)، وإعادة فتح قاعات الحلاقة والتجميل (استغلال نسبة 50 بالمائة من الطاقة الاستيعابية)، وفتح الفضاءات العمومية بالهواء الطلق(منتزهات، حدائق، أماكن عامة ...إلخ) واستئناف الأنشطة الرياضية الفردية بالهواء الطلق (المشي، الدراجات ...إلخ)، مقابل ذلك، جرعات التخفيف في المنطقة الثانية، كانت متواضعة جدا ودون تطلعات الساكنة التي ضاقت ذرعا من الحجر الصحي، خاصة الأطفال الصغار الذين لم ينتبه إليهم القرار، إذ تم الإبقاء على "رخصة التنقل الاستثنائية" كشرط للتنقل، مع تمديد فترة إغلاق المتاجر حتى الساعة الثامنة مساء.
واستقراء لتفاصيل الخطة، يلاحظ أن المنطقتين رقم 1 ورقم 2، تقاسمتا تدبيرين مشتركين، أولهما "استئناف النقل العمومي الحضري، مع استغلال نسبة لا تتجاوز 50 بالمائة من الطاقة الاستيعابية"، وثانيها "الإبقاء على جميع القيود الأخرى التي تم إقرارها في حالة الطوارئ الصحية (الأفراح، حفلات الزواج، الجنائز ...إلخ")، ويبقى السؤال مطروحا بشأن المعايير التي اعتمدت في السماح بفتح قاعات الحلاقة والتجميل في المنطقة رقم 1، على خلاف المنطقة رقم2، وهذا قد يزيد من تأزم أوضاع من يمارس في هذا القطاع، وقد كان من الممكن السماح باستئناف أنشطة هذا القطاع، مع التقيد باستغلال 50 بالمائة من الطاقة الاستيعابية، كما تم العمل به في المنطقة الأولى، كما يبقى السؤال مطروحا، بخصوص منع التجمعات والاجتماعات، وفي نفس الآن، يتم السماح بإعادة فتح الأسواق الأسبوعية، فإذا كانت العبرة أو الهاجس هو تفادي التجمعات والاجتماعات، والحرص على قواعد التباعد الاجتماعي (الجسدي)، فالأسواق الأسبوعية يجتمع فيها إن صح التعبير ما تفرق في غيرها (التجمعات، الازدحام، عدم احترام قواعد الوقاية والسلامة ...)، ونفس الملاحظة يمكن إدراجها بخصوص استثناء المقاهي والمطاعم في عين المكان والحمامات وقاعات السينما والمسارح ...، قياسا لوضعية الأسواق الأسبوعية.
على مستوى الأنشطة الاقتصادية (على الصعيد الوطني)، فقد تم الإعلان - ابتداء من يوم 11 يونيو - عن استئناف "الأنشطة الصناعية"، "الأنشطة التجارية"، "أنشطة الصناعة التقليدية"، "أنشطة القرب والمهن الصغرى
للقرب"، "تجارة القرب"، "المهن الحرة والمهن المماثلة" و"إعادة فتح الأسواق الأسبوعية"، باستثناء "المطاعم" و"المقاهي" و"الحمامات" و"قاعات السينما" و"المسارح" ...إلخ، وبالقدر ما نثمن فك القيود عن هذه الأنشطة التي تصب في خانة إعادة إنعاش الاقتصاد وتحريك عجلات الكثير من الأنشطة الصناعية والتجارية، بالقدر ما نؤكد أن القرار قد يكون أقل جدوى، في ظل الإبقاء على فرض القيود على تحركات السكان، خاصة في منطقة التخفيف رقم 2، كما أن إطلاق العنان للحركة التجارية من قبيل تجارة القرب والأسواق الأسبوعية، سيدفع إلى خروج السكان (في المنطقة رقم 2) وسيشجع على خرق حالات الطوارئ، خاصة وأن الناس ضاقوا ذرعا من الحجر الصحي، وهو وضع يصعب على السلطات الأمنية والإدارية ضبطه والتحكم فيه، كما أن منع الحركة بين المدن (المنطقة رقم2) أو من جهة إلى أخرى، قد يطرح بعض الصعوبات بالنسبة لشرائح واسعة من الموظفين والمستخدمين أو المهنيين الذين يشتغلون مثلا في الدار البيضاء ويقيمون في مدن الرباطوالصخيرات- تمارةوسلا والقنيطرة، أو يشتغلون في مدينة فاس (المنطقة2) ويقيمون في مدينة مكناس (المنطقة1)، دون إغفال، أن القرار، غيب بشكل غير مبرر وغير مفهوم، ملايين من الأطفال - خاصة في المنطقة رقم 2 - والذين لا زالوا "سجناء" بالمنازل والبيوتات، منذ العشرين من شهر مارس الماضي، بكل ما لهذا الوضع الشاق من تأثيرات نفسية وصحية، قد تنتهي ببعض الأمراض النفسية وبعض العادات السيئة (الإدمان على الأنترنيت والألعاب الإلكترونية ...)، ولم يتم الانتباه إليهم، ولو بمنحهم فرصة يومية للخروج رفقة أولياء أمورهم للتنزه أو اللعب.
في جميع الحالات، فإذا كان تقسيم البلد إلى "منتخبين"(منطقتين) اثنين، يدخل في سياق التحضير للعودة إلى الحياة الطبيعية واستئناف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بمجموع التراب الوطني كما ورد في البلاغ المشترك لوزارتي الداخلية والصحة، وكما أكد ذلك السيد رئيس الحكومة أمام مجلس النواب عشية اليوم في إطار الجلسة العامة للأسئلة الشفهية حول السياسة العامة -، فإن الخطة المعلن عنها، تغيب عنها جدولة واضحة بخصوص مراحل الرفع التدريجي للحجر الصحي للحد من أحاسيس الغموض والإبهام والارتباك، كما تغيب عنها أية جدولة أو إشارات بخصوص عملية فتح الحدود والسياحة، ومشكلة المغاربة العالقين بالخارج، و"عملية مرحبا" الخاصة بعودة الجالية المغربية من الخارج، ومستقبل "عيد الأضحى" وغيرها، مما يجعل منها خطة غير واضحة المعالم، من شأنها الرفع من منسوب الجدل والتوجس والانتظار والارتباك، ويسجل عليها البعض، "تغييب الجماعات الترابية" من لجن اليقظة المحلية التي سيشرف عليها الولاة والعمال بمعية السلطات الصحية وفاعلين آخرين.
ونختم القول، بالإشارة أن المرحلة القادمة، تقتضي تملك آليات التواصل والإخبار للقطع مع كل ارتباك أو ارتجال، والحرص على تقديم برنامج زمني للخروج التدريجي من الأزمة وفق آجال محددة، كما تقتضي استعجال وضع خطة واضحة المعالم بشأن إنعاش الاقتصاد الوطني وإعادة الحياة لوضعها الطبيعي، وتشخيص الأنشطة المهنية والتجارية والخدماتية التي تضررت بسبب الأزمة (مقاهي، مطاعم، فنادق، حمامات، مسارح، دور السينما، نقل سياحي ...)، بما يضمن دعمها ومواكبتها، مع حسن استثمار ما جادت به "جائحة كورونا" من دروس وعبر، من أجل بلورة خطط اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، يمكن أن تشكل مداخل أساسية لمشروع النموذج التنموي المرتقب، ومهما تجادلنا حول خطة الرفع التدريجي، فنحن نقر أن "الحجر الصحي" سيرفع بشكل كلي بعد شهر أو شهرين على أقصى تقدير - مع إمكانية استمرارية حالة الطوارئ الصحية في بعدها الوقائي والاحترازي - ، لتبقى الأسئلة المشروعة : ماذا بعد حالة الطوارئ الصحية و الحجر الصحي؟ وأية إشارات التقطتها الحكومة ؟ وأية دروس وعبر، بدت لرئيس وأعضاء "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي المرتقب" ؟ وأية إرادة سياسية لإعادة ترتيب الأولويات وإعادة الاعتبار لقطاعات حيوية واستراتيجية ظلت مهمشة طيلة سنوات، وعلى رأسها "ثالوث" الصحة والتعليم والشغل؟ وإلى أي مدى سنظل أوفياء لكوفيد "الريع" و"الفساد" وأخواته؟ وإلى أي حد سيظل مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" نائما في صمت
"غير مبرر" و"غير مفهوم" بين مواد ومقتضيات الدستور؟، مع الإشارة إلى أن أية "مرحلة مستقبلية"، لا بد أن يحضر فيها الوعي الفردي والجماعي، الذي يعد "صمام الأمان"، لأي تحرك أو توجه أو خطة آنية و مستقبلية.