منذ تفشي جائحة كورونا، يعلو في كل مكان جدل حول المصابين الذين شفوا من الإصابة، وهل أنهم قد اكتسبوا مناعة ضد الفيروس أم لا، بعض الخبراء حذروا آنذاك من أن النظام المناعي لجسم الانسان لا يكفل حماية كاملة في حالة التعرض لعدوى مستقبلية من الفيروس. غير أن العلماء الآن لديهم دلائل جديدة تشير إلى أن الأنظمة المناعية للبشر احتفظت بالفعل بالعديد من وسائل الدفاع القوية ضد فيروس سارس - كوفيد 2، بعد انحسار هذا الوباء، وهذه معلومة جديدة في غاية الأهمية. وأثبتت دراسة جديدة أوردتها دورية "سيل" العلمية أن الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا لم تتكون لديهم أجسام مضادة ضد الفيروس فحسب، بل تكونت لديهم أيضا بعض المكونات المناعية التي تعرف باسم "الخلايا تي"، والتي يمكنها مقاومة الفيروس عن طريق القضاء على الخلايا المصابة. صورة ميكرسكوبية مكبرة لفيروس كورونا. فيروس كورونا يشحذ همم الباحثين والاطباء لمقاومته. وعقد الباحثون مقارنة بين عشرة أشخاص أصيبوا بالفيروس و11 شخصا آخرين لم تنتقل إليهم العدوى، وتوصلوا إلى أن الأشخاص الذين تماثلوا للشفاء كانوا مسلحين ليس فقط بالأجسام المضادة بل أيضا بنوعية أخرى من الخلايا تحمل اسم "سي.دي 4"، وهي ما يطلق عليها احيانا اسم "خلايا تي مساعدة"، وهي تضطلع بدور مهم في الحصول على استجابة جيدة من الأجسام المضادة في مواجهة المرض، كما اتضح أن أجسامهم تحتوي أيضا على نوع ثالث من الخلايا يحمل اسم "سي.دي 8" أي "خلايا تي القاتلة"، ويتمثل دورها في قتل خلايا الجسم المصابة بالفيروس. المتعافون من كورونا يستبعد اصابتهم به مرة أخرى ونقلت وكالة "بلومبرغ" للأنباء عن الباحث فلوريان كرايمر من كلية ماونت سيناي إيكان للطب في مدينة نيويوركالأمريكية، والذي شارك في إعداد الدراسة العلمية، قوله إنه من المنطقي أن نفترض أن معظم الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد 19 تتراجع لديهم احتمالات الإصابة مرة أخرى، كما أنه من المستبعد أن تظهر عليهم أعراض حادة، في حالة إصابتهم بالمرض مرة ثانية. وأضاف أن المسألة التي لا تزال غير معروفة حتى الآن هو ما إذا كان ردّ الفعل المناعي قوياًّ بما يكفي للحيلولة دون التقاط عدوى ثانية أقل قوة ونقلها إلى آخرين. ويعكف كرايمر حاليا على إجراء دراسة طويلة المدى لمتابعة الحالة الصحية لمرضى كورونا على مدار عام، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن يصابوا بالفيروس مرة أخرى أم لا، وكذلك عدد مرات إصابتهم بالمرض من جديد. وأظهرت الدراسة التي نشرتها دورية "سيل" أن قرابة نصف الأشخاص الذين لم يسبق لهم الإصابة بفيروس كوفيد 19، يحملون في أجسامهم "خلايا تي" تكونت لديهم بسبب الإصابة بفصائل أخرى من فيروسات كورونا (30% من نزلات البرد التقليدية تكون ناجمة عن فيروسات كورونا بأنواعها). وفي حين أن بعض التقارير الصحفية الأولية ألمحت إلى أن الخلايا تي التي تتكون في الجسم بسبب الإصابة بنزلات البرد قد تحمي من النوع الجديد للفيروس التاجي، إلا أن كرايمر يستبعد أن تلعب هذه الخلايا دوراً كبيراً. فالجميع سبق لهم الإصابة بنزلات البرد في الماضي، ولا توجد مؤشرات قوية على أن ذلك قد ساعد في تجنب الإصابة بفيروس كوفيد 19. من جهتها نشرت دورية "ساينس" العلمية دراسة أخرى هذا الأسبوع تؤكد الأدلة الخاصة بالمناعة بعد الإصابة بالفيروس عن طريق محاولة نقل العدوى إلى قرود مرتين. فبعد أسبوع من تعافي القرود من الإصابة الأولى بالمرض عن طريق رشّ جزيئات من الفيروس في أنوفها، قام الباحثون بتعريض القرود لنفس "التحدي" مرة أخرى. ولكن القرود هذه المرة قاومت الإصابة بالمرض لمرة ثانية. وتقول الكاتبة فاي فلام في تقرير لها نشرته وكالة "بلومبرغ" للأنباء إن هذه النتائج بشأن المناعة ضد فيروس كورونا تعطي سبباً جديداً للتفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى لقاح يدفع الجسم لتكوين ردّ فعل مناعي ضد الفيروس. الدروع المناعية وتعتبر النتائج الخاصة بالخلايا "تي" ذات أهمية كبيرة في هذا السياق، نظراً لأن الأجسام المضادة التي سوف تتكون بسبب اللقاح من الممكن أن تتلاشى بسرعة في حالة عدم وجود خلايا "تي"، لذلك فإن اللقاحات الواعدة هي تلك التي تساعد في تكوين خلايا "تي" وأجسام مضادة لفيروس كوفيد 19 في آن واحد، على حد قول البروفيسور ستانلي بيرلمان خبير فيروسات كورونا في جامعة أيوا الأمريكية. وربما يكون مفهوم الدروع المناعية هو الشكل الجديد من فكرة جوازات السفر المناعية التي فقدت بريقها بعد أن بدأ علماء الأخلاق ينشرون قوائم طويلة من الأسباب التي تتنافى مع هذه الفكرة. ويدرس الباحثون الآن فكرة "الدروع المناعية"، وهي منظومة تهدف إلى جعل الأشخاص الذين يرجح أن لديهم حصانة من المرض، يؤدون أعمالا تنطوي على خطورة مرتفعة. وهذه الطريقة تكفل الحماية للأشخاص الذين ليست لديهم مناعة من الفيروس، مع السماح باستئناف الخدمات المهمة. وتحذر فلام الكثيرين الذين يظنون أن نزلة البرد التي أصيبوا بها الشتاء الماضي ربما كانت بسبب فيروس كوفيد 19، وبالتالي فإنهم يأملون في أن تكون لديهم حصانة من المرض، لاسيما وأن كثيرا من المراكز الطبية المحلية أصبحت تعرض اختبارات للكشف عن وجود الأجسام المضادة، ولكن كثيرا من هذه الاختبارات تفتقد إلى الدقة الكافية لتحديد ما إذا كان شخص ما هو آمن فعلا من الإصابة بفيروس كورونا، وبخاصة إذا كانت هذه الاختبارات قد أجريت بعد اختفاء أعراض المرض.