أثار انتباهي المقال الذي أعده ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة حول ما أسماه تفكيك للادعاءات المغربية حول الصحراء الغربية كرد منه حسب قوله على مقال نشر في 14 أبريل 2020 بوكالة الأنباء المغربية باللغة الإنجليزية بعنوان السفارة المغربية في جنوب افريقيا تفكك مزاعم بريتوريا حول السلامة الإقليمية للمغرب ،ومن خلال تفحص مقال ممثل البوليساريو ،ظهر لي سوء التقدير المتعمد للأمور بصفة عامة وانبنائه على مغالطات مفضوحة،حيث قام باجتزاء المعطيات وقام بتوظيفها بما يخدم طرحه ضاربا بعرض الحائط المنطق والتاريخ في مقاربة حاول تسريجها بشكل تعسفي باللباس القانوني وهو من ذلك براء أي -اللباس القانوني- براءة الذئب من دم ابن يعقوب. لذا سأحاول في هذه الورقة تبيان مجموعة من مكامن الخلل في حديث ممثل البوليساريو في سياق حاولت بشكل بسيط أن أزاوج فيه بين الحقائق التاريخية والمعطيات والتأويلات القانونية. بادئ ذي بدء..في الفرق بين القرار والرأي :
إن أول ما أبدأ به وهو أمر يدركه طلاب السنة الأولى في كليات الحقوق في جميع بقاع المعمور ألا وهو الفرق بين قرار الأمم المتحدة ورأي جنوب افريقيا ،فقرارات مجلس الامن هي تعبيرات رسمية عن رأي أو إرادة أجهزة الأمم المتحدة وأسطر هنا على رسمية فلا يستوي أي رأي انفرادي لدولة ما وقرارات مجلس الامن وصبغته القانونية وبعده الدولي والتي للتصويت حيث أن لكل عضو من أعضاء المجلس صوت واحد، وتتخذ القرارات بخصوص المسائل الإجرائية بموافقة تسعة على الأقل من الأعضاء ال 15،أما القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية فإنها تتطلب تأييد تسعة أصوات، من بينها أصوات كافة الأعضاء الخمسة الدائمين. وهذه القاعدة هي قاعدة "إجماع الدول الكبرى"، التي كثيرا ما تسمى حق "الفيتو".
فالقرارات التنفيذية والقوانين والتشريعيات والأحكام القضائية المحلية لأي دولة، لا تستطيع أن تنتهك المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة، ولا تغير إطلاقا من المراكز بالقانون الدولي ولا تعلو عليه.
لماذا اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة؟
إن عرض ملف الصحراء المغربية على اللجنة الرابعة أي لجنة المسائل السياسية وإنهاء الاستعمار ليس ببادرة من البوليساريو وإنما يعود إلى فترة الاحتلال الاسباني حين تقدم المغرب بطلب إدراج قضية الصحراء في جدول أعمال اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة ،وكذلك فإن هذه اللجنة تتناول مجموعة متنوعة من الموضوعات السياسية التي لا تتناولها اللجنة الأولى أي 'لجنة نزع السلاح والأمن الدولي' والتي تختص بنزع السلاح ومسائل الأمن الدولي ذات الصلة ،فمحاولة تصوير أن اللجنة الرابعة لم تأخذ بزمام الامور إلا مع المشكل المفتعل مع البوليساريو هو أمر لا أساس له قانونيا وتاريخيا، بالإضافة إلى أن الصحراء لم تعرف تاريخيا ولا جغرافيا خارج السيادة المغربية.
انتقائية الاستدلال بالمحتل الاسباني و مجلس الأمن :
إن دعوة مجلس الأمم لضبط النفس إبان المسيرة الخضراء لم توجه للمغرب فحسب ،بل وجهت لجميع الاطراف وخصوصا للمحتل الاسباني لما عرف عن الجيش الاسباني من وحشية وهو الذي لم يتورع في رمي الغازات السامة على سكان الريف، وهو أمر بديهي أن يخاف مجلس الامن من مجابهة المحتل الإسباني بالعنف والقوة للأفواج السلمية التي حجت من جميع بقاع المغرب لتصل الرحم مع إخوانها بالصحراء والتي كانت تضم أيضا العديد من الصحراويين الفارين من قمع اسبانيا ، فكيف اعتبر المتحدث وجود اسبانيا مسألة طبيعية وقانونية في حين اعتبر أن الافواج المغربية هي النشاز فأين وجه العقل هنا.
أما استدلال المتحدث بقول المحتل الممثل الاسباني خلال جلسة مجلس الأمن بكون دخول المحررين المغاربة هو بمثابة انتهاك الحدود حسب زعمه ،فالجواب أن ذلك يبقى رد فعل طبيعي من المحتل، فهل كنا ننتظر من المحتل أن يستقبل المحررين السلميين بالورود ويعتبرهم ضيوفا كراما كما فعل أهل الصحراء. ثم إن هذا المحتل الذي استدل به المتحدث هو من وقع مع المغرب اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975اعترافا بحق المغرب التاريخي في صحرائه ،وهنا ظهرت انتقائية المتحدث في الأخذ بالآراء والحقائق .
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مدريد وصادقت عليها -الجماعة- التي أكدت في اجتماعها بالعيون يوم 26 فبراير 1976 مغربية الصحراء. وبذلك تم وضع حد نهائي للوجود الاسباني بالمنطقة وتم احترام موقف سكانها المعبرعنه من طرف (الجماعة) الهيئة الصحراوية الوحيدة ذات طابع التمثيلي الحقيقي.
وقد تمت المفاوضات طبقا للفصل 33 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الذي عقد عدة جلسات بطلب من اسبانيا بعد الإعلان عن المسيرة الخضراء. ودعا مجلس الأمن في قراراته الأطراف المعنية إلى التحلي بضبط النفس والاعتدال وتجنب كل عمل من جانب واحد من شأنه تصعيد التوتر. وأشار المجلس في قرار صدر في 6 نونبر 1975 إلى ضرورة التعاون مع الأمين العام للتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه. وقد أثبت هذا المسلسل أن المغرب كان ملتزما تمام الالتزام بالشرعية الدولية في استكمال وحدته.
في مسالة البيعة والدولة الأموية:
خطأ اخر وقع فيه المتحدث وهو عندما قارن الدولة الأموية البائدة والتي انتهت في 1031م بالأندلس وتلتها دول عديدة بالدولة العلوية التي يمتد وجودها منذ القرن السادس عشر إلى العصر الحديث. والقاعدة تقول لا مجال للقياس أو المقارنة مع وجود الاختلاف الكبير بين الحالات.
من جهة أخرى فإنه عندما تقدم المغرب ورفع الأمر الى محكمة العدل الدولية ، لتأكيد مغربية الصحراء ، فإن أول ما ركز عليه في السؤال الأساسي هو : عندما دخلت اسبانيا الى الصحراء في سنة 1884 ، هل كانت الصحراء ارض خلاء ، ولم تكن تتبع احدى الدول بالمنطقة ؟
طبعا ، قرار محكمة العدل الدولية كان صائبا في جوابه ، حين اعتبر وجود بيعة سلاطين المغرب لبعض القبائل الصحراوية.
وهو ما يعتبر اعترافا صريحا بمغربية الصحراء ، والسند القانوني هنا أن هذا النوع من العلاقات القانونية والتشريعية ، أي البيعة ، لا يتم الا في الدول الثيوقراطية ، أي الدينية ولا يتم في الدول المدنية ومن قبيل ذلك فإننا لازلنا نجد دول معاصرة تحمل سمات الحكم الثيقراطي (الفاتيكان السعودية،ايران،باكستان..الخ)
وبما أنه في الدولة الإسلامية ، فان الحاكم يمارس السلطتين الدينية والدنيوية ، فان الاعتراف بوجود بيعة ، هو اعتراف بممارسة السيادة المغربية على الصحراء ، أي اعتراف بالمغرب كإمارة ، وهي نوع من الدولة التي تتبع اليها الصحراء ، فلا يمكن تجريد الدولة الدينية من إحدى اختصاصاتها التي بغيرها لا تكون دولة دينية ، أي لا يمكن تجريد نظام الحكم بالمغرب من ممارسة الوصاية الدينية ، والاحتفاظ له فقط بالسلطة الدنيوية .
لذا فاعتراف قرار محكمة العدل الولية بوجود علاقة بيعة ، هو اعتراف بكل المجال الترابي للدولة ، ومن ضمنه الصحراء .
وهنا غاب عن قضاء محكمة العدل الدولية هذا الحقيقية التي يتميز بها النظام السياسي المغربي ، فهنا يمكن ان نتفهم ارتباكه حين نص على الاستفتاء ، وفي نفس الوقت اعترف بعقد البيعة .
و بخصوص البيعة فإن العديد من الدول لازالت تأخذ بها مع بعض الاختلافات البسيطة التي تراعي خصوصية كل أمة من قبيل (السعودية الاردن ، البحرين والكويت كمثال والقائمة طويلة فهو إرث قانوني لطريقة الحكم توارثته مجموعة من الشعوب عمر سنين عددا وتجدد بتجدد الأجيال والحقب.
وبالنسبة للمغرب فالبيعة لم تفقد قيمتها القانونية مع دسترة أسلوب انتقال الحكم، فالنص الدستوري إذا أخذ بمعزل عن المحيط الذي يطبق فيه مع إغفال الممارسات التي تتم في إطاره، يمكن أن يفهم منه أن عملية البيعة التي واكبت جميع مراحل النظام الملكي قد دخلت في ذمة التاريخ الدستوري مع دخول المغرب إلى المرحلة الدستورية.
إن نظام البيعة وإن كان لم يتم التنصيص عليه بالحرف في الوثيقة الدستورية، فإن جميع الدساتير ومن ذلك الفصل 41 من دستور 2011 تحيل على ذلك بتنصيصها على مؤسسة إمارة المؤمنين حيث إن الحديث عن إمارة المؤمنين يعني الإحالة المباشرة لنظامي الشورى والبيعة.وهو موضوع قد نفصل فيه لوحده في بحث مستقل انشاء الله.
إن موريتانيا ما هو إلا الاسم القديم للمغرب وقد اعتبرها المغرب بوابة لعمقه الافريقي كما أنها لم تشكل تهديدا لأمنه القومي، فقدت امنت عدة قبائل موريتانية عن طواعية بالوحدة الاندماجية مع المغرب وقد كانت الكثير منها تابعة لسيادة السلاطين العلويين بالمغرب، بواسطة أمرائها وشيوخها الذين كانوا يتوصلون باستمرار بظهائر وقوانين التعيين وكانوا يدلون بها إلى الحكام المغاربة، حيث كانت لهذه القبائل علاقة بيعة مع سلاطين المغرب، سواء في عهد الحماية أو في عهد الاستقلال ،فالاستعمار الفرنسي الذي حصل على شمال إفريقيا بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء عمل على خلق كيان مستقل في جنوب المغرب سمي بموريتانيا سنة 1960، كما ضم الصحراء الشرقية إلى الجزائر الفرنسية (لقنادسة، الصاورة، التوات) في حين كان نصيب الصحراء الغربية وشمال المغرب(الريف) من نصيب اسبانيا وكان من الأسباب الرئيسية التي خلق من اجلها الاستعمار الفرنسي دولة موريتانيا هو اكتشاف الحديد في منطقة الزويرات
الموريتانية و إنشاء كونسورتيوم ميفرما MEFIRAMA لاستغلاله دمة لمصالح المستعمر الاقتصادية، ونتيجة لهذا الوضع تعترف المملكة المغربية بهذا الكيان الجديد حتى سنة 1969 بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول في مدينة الرباط مباشرة بعد إحراق مدينة القدس الشريف. فالراحل الحسن الثاني تجاوز مسألة وحدة المغرب الترابية من اجل جمع شمل المسلمين في مواجهة العدوان على معالم المدينة المقدسة وسكانها.
وبعد تنظيم المسيرة الخضراء السلمية سنة 1975 من طرف المغرب، حدث تقارب كبير بين المرحوم الرئيس ولد دادة والراحل الملك الحسن الثاني في مسألة تدبير ملف الصحراء المستعمرة الاسبانية نظرا للتداخل التاريخي والاجتماعي و الديني بين البلدين. باعتبار أن القبائل الموريتانية لها امتداد بشري و تاريخي في الصحراء خاصة في منطقة وادي الذهب كما هو الشأن للمغرب (أولاد ادليم و أولاد بن السباع... الخ) ،رغم تهديد ووعيد الرئيس الجزائري هواري بومدين لموريطانيا ،فإن هذا الأخير تشبث بتحالفه مع المغرب في استرداد حقه المغتصب من طرف الاستعمار،
لتأتي اتفاقية مدريد الثلاثية التي نقلت بموجبها سيادة الإقليم الى البلدين، إضافة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي سمح للبلدين المتحالفين من تقسيم إقليم الصحراء بينهما بناءا على معايير إنسانية وجغرافية وثقافية واجتماعية قديمة تجلت في العلاقات والأواصر مع أهل الركيبات والثكنة و ابن السباع إلى غير ذلك من القبائل الصحراوية، فالتاريخ الواحد المشترك كان أساس هذا التقسيم الذي تم بالتراضي وبموافقة الشرعية الدولية.
ونتيجة للعدوان على موريتانيا من طرف البوليساريو مدعومة بالجزائر لاحتلال الصحراء فضلا عن التحريض على الانقلاب على السلطة الشرعية بواسطة ولد السالك الذي قام بالإعلان عن انسحاب موريتانيا من وادي الذهب،بادرت قبائل وادي الذهب الى الاستنجاد بالمملكة المغربية من الفتك بها من قبل مرتزقة البوليساريو من جهة ولعدم رغبتها في كيان دخيل على مكونات القبائل الأصلية ،فبادرت قوات المغرب الموجودة في المنطقة بحماية وادي الذهب بطلب من سكان هذا الإقليم فالانضمام كان حرا و اراديا، حيث أعلنت القبائل مجتمعة لمبايعتها للملك الراحل الحسن الثاني، ليعود وادي الذهب من جديد ليصبح مع الساقية الحمراء وشمال المغرب وحدة بشرية و قبلية واحدة كما كان قبل الاستعمار الإسباني و الفرنسي.
فالتقسيم إذن جاء بحكم رأي محكمة العدل الدولية التي أتبثت ان هناك علاقات قبلية بين المغرب و القبائل الصحراوية وموريتانيا و اتفاقية مدريد التي أكدت كذلك تلك العلاقات القبلية الموجودة بين سكان المنطقة أما الاسترجاع فكان بإرادة علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ سائر قبائل وادي الذهب الذين قطعوا الطريق على مشروع الدويلة الصحراوية المزعومة ثم وفدوا مرفوقين بقبائل الداخلة في 14 غشت 1979 الى عاصمة المملكة لتجديد وتأكيد بيعتهم لأمير المؤمنين المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه حيث تم تسلميهم السلاح للدفاع عن بيعتهم.
من ثم فإن الوصف المتسرع آنذاك للجمعية العامة للأمم المتحدة كان يتجه لاحتواء الوضع بناء على اتفاقية مدريد ومن ثمة فلو نجح مرتزقة البوليساريو في احتلال المنطقة كنا سنجد نفس الحكم الذي اعتراه عيب موضوعي لأنه ارتكز على اتفاقية مدريد دون أن يأخذ بعين الاعتبار-
إما سهوا أو عمدا نتيجة ضغوط مجموعة من الدول البترولية اليسارية يترأسها الاتحاد السوفياتي دوليا والجزائر افريقيا –انسحاب موريتانيا و بيعة قبائل وادي الذهب لملك المغرب والعدوان الذي طال هذه القبائل .
إن حق تقرير المصير حق جماعي وليس فردي بمعنى أن هذا الحق لا يمكن أن يمارس فقط من خلال فرد واحد أو مجموعة أفراد. بل هو خاص بعدد كبير من الناس توجد بينهم روابط مشتركة مثل لغة، تاريخ، ثقافة. وقد قيد القانون الدولي هذا الحق بعدة قيود، حتى لا يؤدي إلى تفتيت الدول وزعزعة سيادتها، فلو أن كل الأقليات في الدول ستقول بأن لها لغة وتاريخ مشتركا كأقلية، وستطالب بالانفصال عن الدولة الأم، فإن هذا يعني تفتيت الدول. فالأمم المتحدة قيدت ذلك بعدم محاولة استهداف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الاقليمية لأي بلد، تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه(1).
كما ألزمت جميع الدول بأمانة ودقة أحكام ميثاق الأمم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان وهذا القرار على أساس المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة والسلامة الاقليمية لجميع الشعوب(2).
ومن جهة أخرى فإن المغرب لم يرفض الاستفتاء كما ادعى المتحدث ويروج له قبيله ،وإنما ربطه بشروط موضوعية تتيح لكل الصحراويين المشاركة في هذا الاستفتاء حيث أن العديد من الصحراويين فروا بأنفسهم من القمع الذي كانت تمارسه اسبانيا أثناء احتلالها ، زائد أن طبيعة حياة المجتمع الصحراوي مبنية على الترحال .غير أن البوليساريو وقفت حجرة عثرة أمام ذلك حيث اختزلت المخول لهم ذلك في من شملهم الاحصاء الاسباني لسنة 1974 ،وهو ما اعتبره الامين السابق للامم المتحدة لفترتين متتاليتين من 1982 الى 1992 خافيير بيريز دي كويلار بأنه لا يمكن أن يشكل الأرضية الوحيدة للاستفتاء. ففي مذكراته في كتاب عنونه ب"الطريق إلى السلام" يقول دي كويلار إن نمط حياة الصحراويين مبني على الترحال والتنقل المستمر للأفراد والعائلات عبر الحدود، سواء للهروب من ويلات الاستعمار والنزاعات أو لأسباب اقتصادية أو لطلب العلم والتعليم، ومن ثم فإن الإحصاء الإسباني الذي شمل صحراويين مجنسين بالجنسية الاسبانية لم يتمكن من إدراج كل الصحراويين. بل إن الإسبانيين أنفسهم اعترفوا بأن الإحصاء لم يشمل كل التراب الصحراوي، كما أن العديد من زعماء القبائل صرحوا بأن الآلاف من الصحراويين واللاجئين الصحراويين أغفلهم الإحصاء.
ورغم أن دي كويلار كان مهندسا لخطة الاستفتاء، فقد وصل إلى قناعة مفادها أن 'الاستقلال مستحيل مع العلم أن الاستفتاء كان يطرح خيارين اثنين إما الانفصال أو الاستمرار تحت السيادة المغربية، فواضع الخطة لم يكن يؤمن بخيارها الانفصالي.
ثم إنه إذا أردنا إعطاء الفرصة لكل الصحراويين يجب عدم استثناء صحراوي الدول الأربع المعنية، أي المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي، ومن ثمة تغيير الحدود إذا افترضنا رغبتها في الانفصال بحيث يكون لدينا ساكنة صحراوية في إطارها الجغرافي والتاريخي القديم والحالي. لكن تغيير الحدود مستحيل وغير مسؤول، وبالتالي فإن الاستفتاء الذي يقوم على تحديد الهوية هو كذلك مستحيل.
وهو ما خلص إليه الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم والذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ممثلا له خاصا في قضية الصحراء المغربية بتاريخ يناير 2005. على الرغم من تنظيمه عام 2007 بالولايات المتحدة لجولات محادثات هي الأولى من نوعها بين المغرب والبوليساريو، لكن ذلك لم يفض إلى نتائج واقعية.
وفي نهاية مهمته، قال فالسوم في تصريح شجاع بتاريخ أبريل 2008 إن خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو خيار غير واقعي، وبأن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طرح سابقا أمر تجاوزه الزمن.
تبعية للجزائر وشهادات أممية تؤكد اقليمية النزاع :
إن أنكار اقليمية النزاع وبأن الكيان الوهمي ما هو إلا أداة في يد الجزائر توجه بوصلته هو محاولة لتغطية الشمس بالغربال ، وهو الأمر الذي لفت إليه المبعوث الاممي السابق من 1994 الى 1997 ايريك جينسن في مؤلفه "الصحراء الغربية : تشريح مأزق" الذي أصدره في 2005 وربما لم يقرأه المتحدث فقد أشار جينسين الذي أدار الملف إلى أن جبهة البوليساريو كانت مستعدة خلال لقاء سري مع المغرب جرى في جنيف منتصف غشت 1996 لبحث قيام حكم ذاتي في الصحراء٬ موضحا أن قرارات جبهة البوليساريو لا يمكن أن تكون ضد ما تريده الجزائر.
وهو ما تبناه مجلس الامن في قراراه 2468 إذ جاء فيه " يعرب عن دعمه الكامل للجهود المستمرة التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي للحفاظ على عملية المفاوضات الجديدة بغية التوصل إلى حل لمسألة الصحراء الغربية، ويلاحظ اعتزام المبعوث الشخصي دعوة المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى الاجتماع مرة أخرى باتباع نفس الشكل، ويرحب بالتزام المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا بمواصلة المشاركة طيلة هذه العملية بروح من الواقعية والتوافق، لضمان تحقيق النجاح"
كما أشار قرار مجلس الأمن 2494 بشكل صريح إلى الجزائر حيث نص "وإذ يكرر تأكيد دعوته المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى التعاون بشكل أكمل مع بعضها بعضا ،بوسائل منها بناء مزيد من الثقة،ومع الأمم المتحدة،وكذلك تعزيز مشاركتها في العملية السياسية وإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي" .
جهود مغربية مستمرة من أجل حلحلة الموضوع..
إن المتأمل لمسار ملف الصحراء يقف على جهود مغربية جبارة من أجل حلحلة القضية في حين يلاحظ جمودا في موقف الطرف الاخر، وسأدلل هنا ببعض المعطيات التاريخية لأن المجال لا يسمح لاستحضار مجموعة كبيرة من المعطيات الثابتة.
فخلال تقديم مشروع الاتفاق الإطار الذي عرف ب “مخطط بيكر الأول” في يونيو من سنة 2001، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي أن هذا المخطط يعطي ما يمكن اعتباره الفرصة الأخيرة للسنوات القادمة لحل هذا النزاع، كما ناشد جميع الأطراف لاغتنام هذه الفرصة لكونها تخدم مصالح ساكنة الصحراء وكافة دول المنطقة.
وفي قراره رقم 1359الصادر في 29 يونيو من سنة 2001 أيد مجلس الأمن هذه التوصية وشجع الطرفين على دراسة مشروع الاتفاق الإطار والتفاوض بشأن أي تغييرات محددة يرغبان إدخالها على هذا المقترح وكذا على مناقشة أي مقترح آخر تقدمه الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق لحل سياسي توافقي.
واستجابة لهذا القرار، قبل المغرب الاتفاق الإطار كأساس للتفاوض من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي، بينما رفضته كل من الجزائر و”البوليساريو” كما رفضت التفاوض بشأنه وفق اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة.
وذهبت الجزائر أبعد من ذلك حين قدمت بتاريخ 2 نونبر 2001 مقترحا إلى السيد جيمس بيكر في هيوستن يقضي بتقسيم تراب وساكنة الصحراء. وللإشارة فإن هذا المقترح تجاهل مبدأ تقرير المصير ودعاية الأرض والشعب الصحراويين التي ما فتئت الجزائر تزعج أسماعنا بها.
وفي 30 من شهر يوليوز من سنة 2006، أعلن الملك محمد السادس في خطاب العرش، كحل لإنهاء نزاع الصحراء المغربية ،عن قرار المغرب تقديم مبادرة للحكم الذاتي للصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية، باعتباره حلا لنزاع الصحراء الغربية الذي عمر لعقود طويلة، وتوجيه كل جهود المغرب وطاقاته لمسيرة التنمية الشاملة، وللدفع ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار لا محيد عنه، بوصفه من صميم الحكمة، ومنطق التاريخ وحتمية المستقبل بشكل يحترم المعايير الدولية المعمول بها في العالم، غير أن إصرار جبهة البوليساريو على تجميد موقفها كالعادة ورفضها التفاوض حول المقترح المغربي، دفع المغرب إلى البدء بإنزال مشروع الحكم الذاتي عبر العمل على تطبيق "الجهوية الموسعة".
ربما نسي المتحدث عند التحدث عن المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول بأنه "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر ان يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطرق المفاوضة والتحقق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو ان يلجئوا الى الوكالات والتنظيمات الإقليمية او غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم"(3)،أن المادة ربطت المسألة بالاختيار وتتطلب موافقة أطراف النزاع للجوء إليها والمغرب اختار معالجة الامر على مستوى الامم المتحدة.
ورجوعا للمادة 33 فإننا نجد أنه في كثير من الأحيان ان ظروف النزاع لا تسمح لأطرافه بإستنفاذ الطرق السلمية بحيث لا بد من الإسراع لحل هذا النزاع ولعل ما يؤيد ذلك المادة (34) التي اعطت لمجلس الأمن من تلقاء نفسه ان يفحص اي نزاع او موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان ذلك من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي
كما غاب عن المتحدث تأكيد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فاكي محمد، بتفرد الأمم المتحدة في إيجاد تسوية لقضية الصحراء المغربية خلال افتتاح الدورة العادية 33 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في 21 يناير 2020، كما أكد وأنه وطبقا للقرار 693 لقمة نواكشوط، بان تقدم آلية (الترويكا) التابعة للاتحاد الإفريقي دعما فعالا للمسلسل الذي تشرف عليه الأمم
المتحدة، والذي يشكل الإطار الذي اختاره الأطراف طواعية من أجل التوصل إلى حل سياسي مستدام.
إشادة دولية وأممية .. والقافلة المغربية تسير
بخصوص إجماع الدول.. فإن أغلبية الآراء تؤيد الطرح المغربي وهو ما تؤكده عمليا توافد افتتاح قنصليات البلدان الافريقية التي تفتح بالعيون والداخلة أكبر مدن الصحراء المغربية وهي قرارات سيادية لهذه الدول كما تستجيب للمعايير والممارسات الديبلوماسية طبقا لاتفاقية فيينا حول العلاقات القنصلية لسنة 1963فضلا عن سحب مجموعة من الدول لاعترافها بالكيان الوهمي وبمطالعة مؤشر البحث جوجل سيتيح معرفة ذلك، حيث أن عدد الدول التي تعترف بالبوليساريو انخفض لأقل من 28 دولة من أصل 84 في السابق.
حيث خلصت هذه الدول إلى أن الكيان الوهمي مجرد تنظيم ميلشياتي لا يمكن أن يكون دولة، ولا يتوفر أيضا على الشروط القانونية ليصنف على أساس أنه دولة.
وتسير مواقف هذه الدول في اتجاه الإقرار بالشرعية الدولية، باعتبار أن النزاعات تحل داخل الأمم المتحدة ووفقا للمعايير التي وضعتها في قراراتها الأممية، حيث هنالك اتجاه غالب يرى في الحكم الذاتي يبقى الحل السياسي الذي يستجيب لما قررته الأمم المتحدة.
أما بخصوص تثمين الجهود ومن خلال الفقرة التي استدل به المتحدث فانه الأمم المتحدة يشيد بالجهود المغربية التي اعتبرها تتسم بالجدية والمصداقية وبأنها رامية إلى المضي قدما بالعملية إلى التسوية في إشارة ضمنية إلى مقترح الحكم الذاتي دون أن يحظى مقترح البوليساريو بأي إشادة(5).
بالإضافة إلى التقارير الأممية التي تشيد بالتنمية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية بفضل الاستثمارات الضخمة للمغرب في المنطقة ، فضلا الطابع الديمقراطي للانتخابات في الأقاليم الجنوبية، وكذا شرعية المنتخبين عن هذه الأقاليم، باعتبارهم الممثلين الحقيقين لساكنة الصحراء،وهي أمور موثقة إعلاميا ودوليا .
إن كافة الادعاءات المغرضة من الكيان الوهمي صارت مفندة وهي محاولات يائسة تسير عكس التاريخ والزمن والمنطق لاكتساب شرعية لن تأتي حيث أن المنتظم الدولي انتبه إلى الحقائق التاريخية التي تقر بأحقية المملكة المغربية في صحرائها وبمتانة طرحه ومرافعاته وجهوده في الملف ،كما أن المواطن المغربي الصحراوي قد انخراط واندمج في صرح المشاريع التنموية والاستثمارية الكبيرة التي تشهدها الاقاليم الصحراوية بشكل يجعلها قاعدة صلبة للتبادل والتعاون بين الدول الافريقية.
(1) جاء في الفقرة السادسة من قرار الجمعية العامة 1514 من 14 ديسمبر 1960-"كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الاقليمية لأي بلد، تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه".
(2) جاء في الفقرة السادبعة من قرار الجمعية العامة 1514 من 14 ديسمبر 1960-" تلتزم جميع الدول بأمانة ودقة أحكام ميثاق الأمم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان وهذا
الاعلان على أساس المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة والسلامة الاقليمية لجميع الشعوب".
(3) ميثاق الأمم المتحدة ،الفصل السادس:في حل المنازعات سلميا
(4) جاء في ميثاق الأمم المتحدة ،الفصل السادس:في حل المنازعات سلميا،المادة 34:" لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي"
(5) جاء في القرار2494 لمجلس الأمن "وإذ يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية؛ وإذ يحيط علما أيضا بمقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى الأمين العام في 10 أبريل 2007"