لما لا تعاد تجربة المغادرة الطوعية بالنسبة للسلاليم العليا، على أساس إبقاء 70% من الأجر، والتعويض على أساس 4أشهر بالنسبة للسنوات المتبقية للوصول إلى سن التقاعد. مع الحق في المعاش عند الوصول اليه. في المقابل تفتح الدولة فرص جديدة لتوظيف عشرات الآلاف من العاطلين في مختلف التخصصات، فيتم انقاذ الأسر والأبناء من الفقر والهشاشة، ويتم من خلال ذلك زرع الأمل في عشرات الآلاف من الأسر. فيتحرك الاقتصاد والرواج، وتحل بعض المشاكل الاجتماعية كالعزوف عن الزواج واليأس النفسي الناقم عن الأوضاع بسبب بطالة الفقر والحرمان من خدمات الكرامة المتعددة! علاوة على هذا المعطى، تترك لأصحاب هذه المغادرة فرصةالبحث عن الذات في عالم الخصخصة، وتوظيف الأموال الممنوحة في اتجاه احداث المشاريع الصغرى أو المتوسطة، فتخلق فرص شغل جديدة للأقارب وغير الأقارب. تشبيب الادارة يعني مزيدا من الجراة والتخلص من عقدة العمليات الحسابية، والاتجاه نحو خلق فرص جديدة، ليس للعاطين فقط بل للأسر والآباء والأمهات، والاقتصاد، من خلال تحريك عجلة الاستهلاك المنتجة للانتاج وترويج الأسواق وتشجيع الاقتراض وتحريك الأسواق المالية والعقارية والاستهلاكية وهكذا دواليك. أما بالنسبة للقطاع الخاص فتحقيق الحماية الاجتماعية، و عدم التحايل على قانون الشغل من طرف الجميع، الأجراء وأصحاب الشركات والمصانع ومختلف المؤسسات الانتاجية والخدماتية وطنية صادقة واخلاص للإنسانية بمفهومها النبيل. فكيف يعقل عدم التصريح بالأجير في أنظمة الحماية الاجتماعية، ووضع الأجراء تحت رحمة آلة الزمن لكي تفعل بهم ما تشاء، وتكون النتائج المستقبلية كارثية، تبرز مظاهرها في الشوارع من خلال جحافل المتسولين الذين يشوهون سمعتنا أمام الأجانب والمشردين والمرضى النفسانيين بشيخوختهم المقهوروة، ولعل الشوارع و المساجد والأسواق والطرقات والمواقف وحتى المقابر أصبحت تضيق بهم من جراء التهرب من أجرأة الحماية الاجتماعية حين كانوا في عز شبابهم. هنا تظهر الضمائر المهنية على حقيقتها وتضامنها في ظل أنسنة العمل المقاولاتي المواطنتي. فالوطن يحتاج لمن يربح ويربح، وليس نفسي نفسي واستعباد الناس بدون أي وازع قانوني وأخلاقي. أنظروا كيف تتعامل بلدان الاتحاد الأوربي مع العمال في أنظمة القوانين الاجتماعية.. فتوظيف الشباب مكان المغادرين طواعية ولو بالسلاليم الدنيا هو بمثابة توسيع لطبقة وسطى نسبيا. وضمان لربح الاستقرار النفسي لأسرهم، وبالتالي ربح لمفهوم الاستقرار الاجتماعي. ومن باب الحكمة، أن تتخلص هذه التوظيفات من عقدة القوانين مؤقتا، والدخول في مفهوم الاستثناء وليس في الالحاح على تكافؤ الفرص، والذي خلف ويخلف الكثير من الضحايا لبعض الأسر المغربية الهشة. فاستهداف الأسر الأكثر هشاشة، والتي لا تتوفر على أي دخل، ودمج أحد أفرادها في الوظائف العمومية والشبه عمومية سياسة اجتماعية بكل المقاييس. أمام هذه الاجراءات تتجه الحكومات التي عليها أن تبدع وأن لا تنتظرني لكن أبدع لها! فمثلا إلغاء الامتيازات الضريبية على الشركات والمقاولات مقابل التكفل بالحماية الاجتماعية للعمال، واسترجاع تكلفة هذه الحماية عن طريق الرفع من الضرائب على تلك الشركات، بحسب ظروفها الانتاجية و بطرق لا تؤثر على تنافسيتها واستمراريتنا، مع التشدد في محاربة التملص الضريبي، لا يكون بالسجن وإنما بالحجز على الممتلكات والحرمان من بعض الحقوق المدنية. هذه الاجراءات زائد الاجراء المهم التي اتخده جلالة الملك بتيسيير القروض للشباب الراغب في خلق المشاريع الصغرى والمتوسطة والتي تنم عن فكر اجتماعي واقتصادي عميق ودقيق، سيدفع بعجلة التنميتين الاقتصادية والاجتماعية ويشجع على استقرار الجميع. فالنهوض بالاقتصاد من خلال زرع الامل وطنية حقة، عكس الأفكار السطحية، والتي تروج لليأس السياسي من خلال خطاب العبثية كما فعل السيد الوزير السابق عندما أصبح يحرم ويحلل حسب المنصب الذي يتواجد فيه، أو خطابات (التاحراميات) الذي تروجها بعض الأقلام والتدوينات، التي لا تقدم المقترحات، بقدر ما تصب الزيت فوق النار باتقانها اللعب على مآسي ومعاناة بعض الفئات الاجتماعية أو بعض الجهات. فتح المناصب من خلال احياء المغادرة الطوعية، وتشجيع الليونة في إجراءات التقاعد وتيسير منح القروض كفيل بتحريك الاقتصاد وتنمية المجتمع على أساس التضامن الفعلي الفعال. أما تدبير الأمور (بالتوريدة) أو حلال اليوم حرام غدا، فهو أمر لا يستقيم و ينم عن جهل عميق بالتطورات المجتمعية التي يشهدها العالم!