في يوم من الأيام منعت الحكومة الفرنسية صدور صحيفة " قضية الشعب" ذات التوجه الماوي والتي كان يديرها جون بول سارتر، فنزل هذا الأخير بنفسه إلى الشارع يبيع الجريدة المحظورة كما يفعل الباعة المتجولون، فنشب بينه وبين الشرطة صراع واحتدت الملاسنة بينهم، فاتهم بالتطاول على الأمن، وتم تقديمه إلى العدالة لتقول فيه كلمتها، فحكمت عليه بالسجن، فتدخل رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك ( جورج بومبيدو)، وقال كلمته الشهيرة " إني لا أستطيع أن أضع الثقافة في السجن" كلمة تنم عن قدسية الثقافة ومكانة المثقف في مجتمع تبلورت فيه فلسفة الأنوار، مجتمع أدرك مبكرا حكومة وشعبا أنه لا سيبل إلى الخلاص والخروج من شرنقة الجهل والتخلف والخرافة إلا من خلال السير في درب العلم والمعرفة، وإحلال المعلم المكانة التي يستحقها في الهرم الاجتماعي. هذه الواقعة تعكس البون الشاسع بين من ينظر إلى المعلم باعتباره المنقذ والمخلص، وبين من ينظره إليه باعتباره العدو الذي ينبغي محاربته وتحطيم صورته وتحويله إلى موضوع دسم للنكت والطرائف. إن التبخيس من قيمة المربي وسحب البساط من تحت قدميه وإزاحته عن الريادة، و فسح المجال أمام البلادة والتفاهة لتسرح وتمرح، هو صيغة من صيغ هدم المجتمع والزج به في دواليب الانحطاط والجهل والتخلف.
إن الزج بأستاذ تارودانت في غياهب السجن هو اعتقال لرمزيته الفكرية والعلمية هو اعتقال للطبشورة والسبورة، هو اعتقال للمستقبل، إنها خطوة غير محسوبة العواقب، ستكرس لا محالة التسيب والفوضى واللامبالاة والاستهتار والتمرد في المدرسة العمومية، وستجهز على ما تبقى من حرمتها، لاسيما في ظل التراجع المخيف الذي عرفته الأسرة في جانب التربية والمواكبة والتتبع، وتسليم المشعل للهواتف الذكية لتحل محلها، فالعبء كل العبء أصبح على كاهل المدرس فهو صمام الأمان، فحذاري من هدم هذا السد المنيع والتلاعب بمستقبل الأجيال ومصير الأمة.