إن المتتبع للشأن الليبي يظهر له بالملموس حجم الثروات المهدورة في هذا البلد الذي عان و لا زال تحت وطأت الحرب الأهلية و التي يتزعمها أبناء بلد واحد أحدهما مدعوم بالوكالة من طرف الامارات و مصر و فرنسا و الثاني معترف به من قبل الأممالمتحدة كممثل وحيد و أوحد للشعب الليبي. القصة و ما فيها أن الذين يتاجرون بالدماء وبالبشر لا يهمهم استقرار ليبيا وهذا خرق سافر للقوانين الدولية و تحد سافر لكل أعراف التنميةو السلم الدوليين ،ونظرا لتشابك المصالح السياسية و الاقتصادية بين المعنيين بالأمر فإن المراهنة على الاستقرار في الوقت الحالي صعب المنال إن لم نقل مستحيل وذلك لعدة أسباب: _ هناك ضخ لكم هائل من الأموال الخليجية تصب لصالح طرف على حساب طرف آخر و الهدف من ذلك كبح ما يسمى تغلغل الإسلاميين في الحكم ووأد أي نجاح محتمل لهم .سيما أن بعض الدول الخليجية ترى أن نجاح أي نموذج إسلامي في الساحة العربية هو تهديد قومي لها، كيف لا وأن هذه الدول تورطت في الانقلاب الذي عرفته مصر و السودان و حرب اليمن و فشل الثورة في سوريا. _لقد تبين مؤخرا تورط العديد من الدول في تزويد المرتزقة بالعتاد و السلاح و الجند فقد عبرت العديد من التقارير إستخباراتية و إعلامية و عبر منظمات تعنى بحقوق الانسان أن الساحة الليبية تحتوي على مرتزقة أجانب من روسيا و السودان و مصر و لعل هذا السبب له علاقة بالسبب الاول. _ أما السبب الثالث فالغرب يخشى من سوريا جديدة في شمال إفريقيا و لعل المسارعة الى عقد المؤتمرات عجل بتوحيد الرؤية حول وقف اطلاق النار كشرط أولي و أساسي و بناء الثقة كأساس لأي حوار سياسي يقي الليبيين من ويلات الحرب وهذا ما عبرت عنه ألمانيا من خلال إستضافتهل لمؤتمر برلين و قبله موسكو...لكن الملاحظ أن هذه الدول وحتى إن تباينت مصالحها فهي لا تمارس نفوذها و ضغطها الحقيقي على الطرف الأقوى و المدعوم عسكريا فخليفة حفتر ينتشي بنفسه و كأنه غير معني بأي شيء سوى الحرب بالوكالة وهذه الوكالة حقيقة لا تجد ما يبررها أصلا سوى لغة المصالح. نأتي الأن إلى نقطة غاية في الأهمية وهي التدخل التركي في ليبيا ،ربما تركيا كدولة لها سيادة مطلقة على نفسها تدرك إلى حد ما خطورة الوضع فمثلا عندما عقدت تركيا و حكومة الوفاق المعترف بها دوليا إتفاقا لترسيم الحدود و تقديم الدعم العسكري لم تقم للدول قائمة خصوصا اليونان و ايطاليا و فرنسا الذين أظهروا رفضهم بالبث والمطلق أي نوع من الإتفاق السياسي و العسكري يخرج عن دائرتهم وعن رضاهم سيما و أن الأمر يتعلق بدولة كتركيا و الذي يعتبر أي تدخل منها ماهو إلا حنين للأمجاد العثمانية أو دولة تركيا الكبرى كما يحلم بها أردوغان. ستتعدد التدخلات و ستستشري نزعة الإتجار بالقضية الليبية بين القوى الفاعلة فيها، فمن جانب تضح الإمارات الأموال من أجل تغلغل دور حفتر أكثر فأكثر بالتنسيق المسبق مع حلفائها المصريين و الفرنسيين و من جهة ثانية ستسعى حكومة الوفاق إلى جعل تركيا الحليف الرئيس و القوي من أجل خلق التوازن المرجو .
إن القضية الليبية حتى و إن ظهرت أطراف الصراع واضحة في الداخل و الخارج فإن أطرافا أخرى تساهم بشكل غير معلن في التأثير عبر المنتظم الدولي في مساءلت الأممالمتحدة و القوى العظمى و تذكيرهم بمأساة الشعب السوري وأن لا بديل لليبيين سوى الجلوس على طاولة الحوار و أن الحل لم يكن أبدا من الخارج...سيما إن الغرب بصفة عامة لا مصلحة له من أن تكون ليبيا دولة مستقرة و آمنة وهذا ما أكدته دول الجوار كتونس و الجزائر و المغرب.