بات لزاما علينا توخي الحيطة والحذر، من كل ما يجري ويدور في فلك العوالم الافتراضية. حيث القيادة بيد كل الكائنات البشرية العالمة والجاهلة، من مختلف الأعمار والأجناس والسلوكيات. بات لزاما عليها تصيد الدروس والعبر من تلك العوالم، واعتمادها في قياس مستويات الوطنية والمواطنة والمعاملات البشرية بكل تجلياتها. من أجل الوقوف على مدى أحقية وجدارة الإنسان المغربي في كل مواقعه. والكشف على ما تعرفه بعض المحطات والمواقع البشرية من اختلالات وتجاوزات وقصور، وجب تداركها.
في كل مرة، تطلع علينا إحدى منصات التواصل الاجتماعي، بصور أو فيديوهات ، توثق لمشاهد حاطة و مهينة للإنسانية ومستفزة لروادها. مشاهد تدفعنا إلى الغضب والاستياء والتنديد. والمطالبة بإنصاف ضحايا تلك المشاهد، وإنزال العقاب على مرتكبيها. وتترسخ لدينا قناعات قد تكون مغلوطة عن مسؤولين أو جهات معينة.
القليل منا من يسلك طريق التأني في إصدار الأحكام. القليل من يختار أساليب البحث والتمحيص من أجل معرفة حقيقة تلك المشاهد، التي قد تكون مزيفة أو معدلة لفرض تأويلات غير صحيحة. وقد تدفعنا إلى رمي بعض الناس بالباطل.
آخر تلك الصور والمشاهد المهينة للإنسان. مشاهد البائع المتجول، التي أبرزت خدعة وفطنة البائع، وقصور أداء المسؤولين، وربما غباء بعضهم. وأكدت يقظة المتربصين من أعداد الوطن، المستعدين للسباحة في كل الأحواض المتعفنة والعكرة، من أجل ضرب أمن واستقرار المغرب والتشكيك في نوايا الجادين من مسؤوليه.
مشاهد تبرز عناصر من القوات المساعدة بمدينة آسفي، تجر بائعا متجولا، بعد تقييده باستخدام أقفال وسلاسل حديدية تم وضعها على مستوى عنق. كان غرض أصحابها أن يفسدوا على المغاربة، فرحتهم بعيد العرش، وأن يشوشوا على خطاب ملكي، جاء حاملا لخطة ملكية بديلة للتطهير والتغيير. وإنصاف فئة عريضة من الشعب المغربي.
لكنهم عادوا كعادتهم خائبين. بعد أن اكتشفت الحقيقة. واتضح أن البائع المتجول، هو من قام بتكبيل نفسه بواسطة سلسلة على مستوى العنق وإحكام ربطها بقفل مع العربة المجرورة التي يعرض عليها سلعه، كنوع من الاحتجاج. قبل أن يفر والسلسلة عالقة في عنقه.
خيبة هؤلاء المتربصين في محاولاتهم لضرب مواعيد التنمية والتواصل بين الملك والشعب، حتى ولو فطن لها المغاربة، فإنها بالمقابل، أبانت عن قصور واضح في التدبير والتسيير داخل السلطة المحلية والإقليمية بآسفي.
فحتى وإن كان البائع المتجول قام بخدعة تكبيل عنقه، وهرب بعدها باعتبار أنه متابع قضائيا. فإنه لم يكن من حق ممثلي السلطة المحلية (قائد أو باشا)، ومعه أفراد القوات المساعدة، أن يقتادونه بتلك الطريقة المهينة، بجره من السلسلة المربوطة حول عنقه.
بل إن عملية إيقافه وضبطه ليست من اختصاص القوات المساعدة. بل هي من اختصاص الأمن الوطني والشرطة القضائية بالمجال الحضري. وكان من الأجدر أن يتم توثيق الحالة التي ضبط عليها بمسرح الجريمة، من طرف الأمن المختص، وفك السلسلة، قبل اصطحابه.
كما أن بلاغ عمالة آسفي، لم يكن شافيا كتبرير لما ألحقته تلك الصور بمشاهديها من احتقان. فإن كان هذا المواطن، قد سبق وقام بحشد وتحريض الباعة الجائلين على مواجهة عمل السلطات العمومية وعرض السلع بالشارع العام المقابل للسوق المذكور، مهددا في تصريحات مصورة لأحد المواقع الإلكترونية بالانتحار في حال منعه من البيع بالشارع العام. وإن كان متابع قضائيا. فهذا شأن الأمن الوطني، وليس القوات المساعدة.
فهل يحق لعناصر القوات المساعدة، أن تسبق الأمن الوطني، إلى الصيدلية، التي اقتحمها المواطن الفار؟. وهل يحق لها أن تتلف وقائع عمل إجرامي وقع على مراحل، حتى بلغ إلى داخل الصيدلية، وإخراج المواطن، نزولا عند رغبة الصيدلاني ؟. وهل يحق لوكيل الملك أن يتهم البائع المتجول بكل ما قام به من تكبيل لعنقه، وفراره، واقتحامه الصيدلية. علما أن الضابطة القضائية، لم تقف على كل تلك التهم. بل عاشها أفراد القوات المساعدة فقط؟.
مرة أخرى يتأكد أن المبادرات الملكية، يفرزها الشعور الملكي، بمدى خطورة استفحال انزلاقات المسؤولين، وتغريد بعضهم خارج السرب، وتعثرات البرامج والمخططات والمشاريع التنموية في البلاد، وقصور أداء القيمين على تدبير أمورها. ويتأكد فعلا أن المغرب (الذي نريد)، في حاجة إلى طاقاته البشرية، وكفاءاته المغربية الجادة والخلاقة. وفي حاجة ماسة إلى مشروع نموذج تنموي جديد. خطاب التجديد والتغيير الذي عجل به الملك قبل موعد الذكرى ال20 لعيد العرش. لم يكن من باب وقف هدر الزمن و تغيير وجوه (كمامر) القيادات، التي ملها الشعب، وانتهت مدة صلاحيتها بدخول عوالم الرقمنة والانفتاح والسرعة في الإنجاز والتجاوب الصحيح والدائم. ولا من أجل التخلص من العقول المتعفنة
والمهووسة باستغلالها مناصبها وكراسيها في تكديس الأموال وترسيخ الجاه والريادة الواهمة. ولكن من أجل التأسيس لهياكل عصرية، بإدارات حديثة، وقيادات مواطنة، في مستوى التسيير والتدبير اللازمين.
كثيرة هي المهازل التي سيستمر الشعب المغربي، في تجرعها، بسبب قصور أداء المسؤولين الحاليين، وضعف تجاوبهم وتواصلهم مع المواطنين. وعجزهم عن التصدي للأسلحة الالكترونية، وفي مقدمتها الإشاعة الفتاكة، والتي أحبطت العديد من المغاربة، وجعلتهم يشككون في كل برامج ومخططات الحكومات المتعاقبة...
وكثيرة هي عمليات الضرب، التي سيتعرض لها المغرب والمغاربة، ملكا وشعبا من قبل خصوم الوطن. لكنها لن تكسر شوكة الطاقات والكفاءات والوطنيين، بل تقويهم. لكن ما يؤسفني أن بعض تلك الضربات ناجمة عن لا وعي أو فساد البعض منا. وأن المال والجاه، لازالا يثيران شهية هؤلاء، الذين لا يعلمون أن إدمانهم هذا، قد يتسبب في دمار مستقبل البلاد، وضمنها هم وذريتهم.