بعد الإصغاء المتمعن للخطاب الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش المجيد، والذي يرتكز في مضمونه على وضع اللبنة الأساسية لنموذج تنموي جديد مبني على قيم المواطنة الفاعلة والفعالة، بهدف تحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، باعتبار المغرب ملك لجميع المغاربة، والبيت المشترك الذي يجب على الجميع، كل من موقعه، أن يساهم في بنائه وتنميته، والمحافظة على وحدته وأمنه واستقراره. يمكن ملامسة الطابع الإيجابي للخطاب الذي يزرع الأمل في نفوس المغاربة، باعتبارهم من أهم الفاعلين في إنجاح المرحلة الواعدة، المبنية على المسؤولية والإقلاع الشامل، من خلال المبادرة الملكية لتحيين ومراجعة الرؤية التنموية التي اتسمت بالمحدودية خلال السنوات الأخيرة، حيث قرر إحداث لجنة استشارية خاصة بالنموذج التنموي، مهمتها محددة في الزمن، وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى للإصلاحات، التي تم أو سيتم اعتمادها في عدد من القطاعات، وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها، وأن ترفع الحقيقة ولو كانت قاسية أو مؤلمة على أنظار صاحب الجلالة، حيث طالب اللجنة بأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول، والتحلي بالحزم والإقدام، بروح المسؤولية العالية، في تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة، التي سيتم اعتمادها، ولو كانت صعبة أو مكلفة، حيث تشمل تركيبتها على مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، وتتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا. وبناء عليه، يمكن اعتباره خطابا مؤسسا لرؤية استراتيجية لعهد تنموي جديد، يستوجب فيه التوفر على النظرة الشمولية، ووجود الكفاءات المؤهلة، والشروط اللازمة، لإنجاز المشاريع المبرمجة، بعد معالجة المعيقات، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية، خصوصا أمام الرهانات والتحديات التي يتعين كسبها في هذه المرحلة، والتي حددها صاحب الجلالة في خمس نقط أساسية: 1) رهان توطيد الثقة والمكتسبات 2) رهان الانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية 3) رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية 4) إحداث ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد في القطاع العام: التبسيط، النجاعة، التخليق 5) رهان العدالة الاجتماعية والمجالية فبعد استخلاص أهم ما جاء به الخطاب الملكي، الذي يؤكد عزم صاحب الجلالة على مواصلة الجهود، وترصيد المكتسبات، واستكمال مسيرة الإصلاح، وتقويم الاختلالات، من أجل جعل المغاربة على قدم المساواة، ينعمون بظروف العيش الحر والكريم، أختتم هذا المقال بطرح التساؤلات التالية: هل ستظم اللجنة الاستشارية الخاصة بالنموذج التنموي، الطاقات والكفاءات الشابة (باعتبارها العمود الفقري للمجتمع وفرصته للنمو، كما سبق أن أكد جلالة الملك على أن الشباب يجب أن يكون في صلب أي نموذج تنموي)؟ ما مدى تفاعل المسؤولين في القطاعين العام والخاص والمؤسسات المنتخبة، مع نداءات صاحب الجلالة والتي تتجلى بالأساس، في أجرأة وتفعيل الرؤى والمخططات الاستراتيجية الموجهة للمواطن المغربي والرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وكذا التنمية الشاملة والمندمجة في شتى القطاعات الحيوية؟ هل تم الانفتاح على الخبرات والكفاءات الوطنية أولا، قبل الانفتاح عليها عالميا؟ ما هي السبل الكفيلة لتعميم "مفهوم المواطنة الفاعلة" على جميع المغاربة؟ باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام