أولا، أتقدم بأحر التعازي للأسرة المكلومة في فلذة كبدها،وأطلب من الله أن يرزقهم الصبر فيما أصابهم،وأعلم أنه ليس بالأمر السهل ولا الهين. تابع الجميع بقلق مصير الطفل الذي وُجِد مقتولا ومُعتدى عليه جنسيا ومعذبا نواحي مدينة مكناس، وتنفس الجميع الصعداء عندما تم القبض على المجرمين الذي حرموا هذا الطفل البريء من حقه في العيش والحياة، والكل بكى للطريقة الوحشية التي تم بها الاعتداء عليه. لكن بقي سؤال واحد أو بالأحرى تساؤل لدى الناس وهو: ما هو نوع العقوبة التي ستطبق على هؤلاء المجرمين؟ هل هي "عقوبة الإعدام" المُعَطَّلَة التنفيذ في بلادنا، أم فقظ حكم مؤبد، مع الوقت يتحول على محدَّد ولِم لا إلى عفو وحرية؟ إن الحق في الحياة هو أول و أسمى الحقوق في الدنيا،والذي من بعده تأتي بقية الحقوق، فنحن لا نبحث عن حقوق للأموات كالصحة والتعليموالعدل،ولا نطلب منهم أداء الواجبات سواء الدينية أو الوطنية أو الاجتماعية، لأنهم بكل بساطة فقدوا أهم حق ألا وهو: حق الحياة. فكل الحقوق متعلقة بتوفر هذا الحق. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" الإسراء – الأية 33 وقالأيضا:(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [سورة المائدة الآية 32] وبالرجوع إلى حالة الطفل "رضى"، سنجد أن هذا المسكين تم الاعتداء على حقه في أن يعيش مع أهله وأصدقاءه، وحُرِم من التمتع بطفولته وشبابهوكهولته،وبحياته بصفة عامة، هاته الحياة التي سُلِبَت منه سلبا من طرف أشخاص ليس لهم من صفة الإنسانية إلا الشكل، أما قلوبهم فهي أقسى من الحجارة وأفعالهم، تستحي الحيوانات من فعلها. لذا كان لا بد لي من أن أُعيد النظر لأقارن الصراع الدائر بين معسكرين متباعدين في التفكير، بين من يؤيدون العمل بعقوبة الإعدام باعتبارها وسيلة ردع ضرورية لوقف جرائم القتل التي ارتفعت وثيرتها في المجتمع، وبين المدافعين عن إلغاء هذه العقوبة باعتبارها اعتداء على حق الحياة. لكل دوافعه وخلفياته الفكرية التي يدافع من خلالها على طرحه،وهناك اتهامات لبعض الجهات بتلقي مساعدات مادية لتبني أحد الطرحين، لكن لن أدخل في هذا الجدال العقيم لأنها اتهامات بدون أدلة ملموسة. كنت قد أعدت نشر مقال لي بجريدة أخبارنا تحتعنوان "السجون المغربية وحقوق الإنسان بين الحق في الحياة وعقوبة الإعدام" بتاريخ23/03/2015وأبديت فيه رأيي بصراحة، ألا وهو تشديد العقوبات على المجرمين لأنهم يُجْرِمون في حق الأفراد والمجتمع معا، ولكنني تحدثت في الموضوع بصفة عامة وعلى جميع الجرائم، لكنني اليوم، سألتزم فقط بالحديث عن جريمتي " الاغتصابوالقتل". هل مرتكبوها يستحقون منا أي رحمة؟ الجواب الطبيعي والَّسوّي لكل إنسان هو: لا قد نود أن نعرف المسببات التي دفعت بهم إلى ارتكاب الجريمة أو حتى معرفة وضعياتهم الاجتماعية، لكنها رغم ذلك لن تكون مسَوِّغا لارتكابها.وأبدا لن أنظر لمرتكبها بأنه ضحية. فحتى الدول التي تُعتبر رائدة في مجال حقوق الإنسان تُنفذ عقوبة الإعدام في بعض السجناء والمجرمين، رغم كل الهتافات والتنديد الذي قد يطالها، لكنها تعلم حقيقة أن في بعض الحالات يكون الإعدام حلأ لوقف بعض الجرائم أو وسيلة لردع المنحرفين. وإذا تحدثنا عن الدفاع عن الحق في الحياة فإنني سأكون مع عقاب من تسبب في سلب هذا الحق من البداية و ليس العكس. قال الله تعالى في كتابه العزيز:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)( البقرة179 ). يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) (البقرة 178) و قال أيضا: ( ففي شرع القصاص حكمة عظيمة للناس ، وهي بقاء الحياة وصونها ; لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه ، فكان في ذلك حياة النفوس . الأكيد أن الجميع ينتظر الحكم الذي سيصدر في حق هؤلاء القتلة، و من خلال التعليقات و الأراء التي تُنْشَر هنا و هناك ، أرى أنه هناك شعور عام بإعدامهم لأن المواطنين ضاقوا درعا بهؤلاء القتلة و يقولون : ماذا سيستفيد المجتمع و الوطن بوجودهم؟ لا شيء في اعتقادي. و لا أريد أن يسير المجتمع في درب الانتقام و أخذ الحق باليد ، و هنا أتذكر رواية شيقة و فيلم أروع بعنوان " الحق في القتل' أو ' وقت للقتل' ‘ A TIME TO KILL' حيث أن الأب- خوفا من أن يُفلت مرتكبا الجريمة من العقاب لأنها أبيضي البشرة والضحية كانت سوداء اللون- انتقم من مغتصبي ابنته التي رغم أنها نجت بأعجوبة من الموت،إلا أنها ستظل تعاني من شلل ولن تنجب لأن عنق رحمها أُتْلِفَ بسبب الاغتصابالوحشي، وأهم مشهد في الفيلم، وليس القصة، لأنهما تختلفان في طريقة تناول النهاية، هو أن المحامي الذي تولى القضية جعل هيئة المحلفين تتخيل المشهد الإجرامي بكل تفاصيلهوأمرهم أن يتخيلوا بأنه حدث لأحد ممن يحبونولونه أبيض مثلهم. لتتغير نظرتهم للقضية ويحصل الأب على البراءة. النهاية ليست قانونية مئة في المئة، فنحن لسنا في غابة ولا نريد لوطننا أن يصير كذلك، ولا نريد أن يصبح الجميع يريدون أخد حقوقهم بأيديهم لأنهم لا يثقون في القضاء، لكن الأحكام المخففةالتي نسمعها هنا وهناك تشجع المجرمين على ارتكاب جرائم أفظع من سابقتها، تجعل المواطن لا يشعر بالأمان في بلده، وعدد لا بأس به صار يؤيد أخذ حقه بيده لأنه يرى أو يعتقد أن القضاء يكون متسامحا جدا مع المجرمين، فهل الوطن قادر على تحمل عواقب مثل هذه نتيجة؟ إن الانفلات الأمني والشعور بعدم الأمان في البلد له عواقب وخيمة اجتماعية واقتصادية، والقضاء الذي يحكم بأحكام في بعض الأحيان تبدو متساهلة وتَجُرُّ عليها انتقادات في الصحافة ولدى جمعيات المجتمع المدني، كلها مؤشرات تدعونا إلى مراجعة قناعاتنا في تنفيذ والإبقاء على هذه العقوبة.ومن كان يعترض عليها، -ولا نتمنى أن يحدث لأي شخص كان- فليضع نفسه مكان عائلة الضحية وليكن ابنه هو من تعرض لكل هذه الوحشية. عندها سنرى إن كان سيتمنى له أكثر من حكم الإعدام أم سيدافع عن حق المجرم في الحياة.