رقية بنت رسول الله صلى الله علي وسلم، أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وُلِدَت رضي الله عنها وعمْر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون سنة، وقد بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون، فأسلمت رقية مع أمها خديجة رضي الله عنهما، وعلى هذا يكون عمرها عند إسلامها سبع سنوات، وكانت تُكَنَّى بأم عبد الله، وتُكَنَّى بذات الهجرتين، أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة. قال ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة": "رقيّة بنت سيد البشر صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب الهاشمية، هي زوج عثمان بن عفان، وأم ابنه عبد اللَّه". وقال ابن الأثير: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب، وكانت دون العاشرة، وزوج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة تبت قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: فارِقا ابنتَيْ محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من الله تعالى، وهوانًا لابْنَي أبي لهب". ثم تزوجت رقية رضي الله عنها بالتقي النقي عثمان بن عفان رضي الله عنه بمكة، وسعدت بزواجها منه، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولداً فسماه: عبد الله وبه كان يُكنَّى". لم تطل الحياة برقية رضي الله عنها، فقد توفيت ولها من العمر اثنتان وعشرون سنة، ودُفِنت في البقيع. قال ابن عبد البر: "وأما وفاة رقية فالصحيح في ذلك أن عثمان تخلف عليها بأمر رسول الله، وهي مريضة في حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وتوفيت يوم وقعة بدر ودفنت يوم جاء ابن حارثة بشيراً بما فتح الله عليهم ببدر".
ففي السنة الثانية للهجرة النبوية وقبل غزوة بدر مرضت رقية رضي الله عنها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان أن يتخلف عن غزوة بدر رغم أهمية هذه الغزوة والحاجة إليه فيها ، وذلك لتمريض رقية ورعايتها، وضرب لعثمان بسهمه في الغنيمة وأجره عند الله كمن حضر الغزوة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إنما تغيَّب عثمان عن بدر، فإنه كانت تحته (زوجته) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (رقية)، وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه) رواه البخاري. وفي منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: "(إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه) أي: فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبقى معها في المدينة ليقوم بتمريضها، وقال له: إن الله سيكتب لك أجر من شهد هذه الغزوة، وأسهم صلى الله عليه وسلم له بسهم من الغنيمة، ففاز بأجرها وغنيمتها".
وعن أبي أمامة بن سهل عن أبيه قال: (لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر بعث بشيرَيْن إلى أهل المدينة، بعث زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى أهل السافلة، وبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى أهل العالية يبشرونهم بفتح الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، فوافق زيد بن حارثة ابنه أسامة حين سُوِّيَ التُّرَابُ على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الحاكم. ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة وعلم بموت ابنته رقية رضي الله عنها، خرج إلى بقيع الغرقد ووقف على قبرها يدعو لها بالرحمة والمغفرة .
إن موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع رقية رضي الله عنها في مرضها، وأمْره لعثمان بن عفان بالتخلف عن غزوة بدر والبقاء معها لرعايتها في مرضها، له موقف مشابه في غزوة بدر أيضاً، فقد أعْفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا أمامة بن ثعلبة رضي الله عنه من الخروج للجهاد والقتال معه، وأمره بالبقاء مع أمه لمرضها وكِبَرِها وحاجتها لمن يرعى شؤونها. قال ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في معرفة الأصحاب": "أبو أمامة بن ثعلبة الحارثي الأنصاري، اسمه إياس بن ثعلبة، من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج. وقيل: اسمه ثعلبة، وقيل: سهل، ولا يصح فيه غير إياس بن ثعلبة. له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث: أحدها: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه. والثاني: البذاذة من الإيمان. والثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أمه بعد أن دُفِنَت.
وهو ابن أخت أبي بردة بن نيار، ولم يشهد بدراً، وكان قد أجمع على الخروج إليها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أمه مريضة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه".
عن أبي أمامة بن ثعلبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالخروج إلى بدر وأجمع الخروج معه, فقال له خاله أبو بردة بن نيار: أقم على أمك، يا ابن أختي، فقال له أبو أمامة: بل أنت فأقم على أختك، فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أبا أمامة بالمقام على أمه وخرج بأبي بردة، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقد تُوُفِّيَتْ فصلى عليها) رواه الطبراني.
ما مِن خصلة من خصال الخير إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها، وقد صفه الله تعالى بلين الجانب لأصحابه فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(آل عمران: 159). والمتأمل في السيرة النبوية تستوقفه مواقف كثيرة، يظهر فيها حب النبي صلى الله عليه وسلم لبناته ورحمته وشفقته بهن، وكذلك اهتمامه بأصحابه وحسن معاملته لهم، فكان يؤلفهم ولا ينفرهم، ويزورهم ويعودهم، ويشعر بآلامهم وآمالهم، ويتفقد أحوالهم ويراعي ظروفهم، ومواقفه صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة، ومنها ما حدث في غزوة بدر من إعفائه لعثمان بن عفان وأبي أمامة رضي الله عنهما من الخروج للجهاد والقتال معه، وذلك لمرض رقية وأم أبي أمامة رضي الله عنهما والذي يتطلب منهما القيام عليهما ورعايتهما، وفي ذلك صورة مضيئة من صور الرحمة والحكمة النبوية.