أثارت التدوينة الأخيرة لوزير الصحة أناس الدكالي، على صفحته الرسمية بفيسبوك، موجة من السخرية من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي لاحتوائها على مجموعة من الهاشتاغات، من ضمنها قوله : "#حان_وقت_العمل ! حان وقت إنهاء السل"، "#البحث_يعالج_الكل". ولكن ما كان مضحكا هو إعادة نشره للتدوينة في اليوم الموالي مصحوبةً بصورة يبتسم فيها مشيراً إلى ساعته اليدوية. الشيء الذي أثار سخرية أكبر من طرف المعلقين الذين تجاوز عددهم -على غير العادة- 5000 معلّق، ما اضطر معه الوزير أو بالأحرى المسؤول عن التواصل إلى منع بعضهم من التعليق. من خلال تلك التدوينة، كان يسعى الدكالي إلى مواكبة حملة منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة السل (24 مارس) إلا أن ترجمته الركيكة للتوصيات المتداولة عالميا (من الإنجليزية إلى العربية) أفضت تارةً إلى شعار لا معنى له من قبيل : "#البحث_يعالج_الكل"، وتارةً أخرى إلى شعار فضفاض : "#حان_وقت_العمل !"، وهو ما قد يُفْهَم منه أن الوزير، الذي كان نائما أكثر من عام، قد استيقظ أخيراً !
عند تتبع حيثيات المعلقين الذين تفاعلوا بدورهم عبر هاشتاغات، مزدرين شعارات الوزير، نلاحظ أن السخط يشمل جميع الأطر الصحية : ممرضين، أطباء، صيادلة، تقنيين، بل حتى طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان. هذه الفئة الأخيرة كانت حاضرة بقوة في التفاعل نظرا لمحاولة وزير الصحة أناس الدكالي ووزير التربية الوطنية سعيد أمزازي فرض سياسة الأمر الواقع في الآونة الأخيرة من خلال إقحام طلبة كليات الطب الخاصة -بشروط تفضيلية- في مباريات الداخلية المتعلقة بالقطاع العمومي، مقلّصَيْن بالتالي فرص طلبة الكليات العمومية (القليلة أصلاً). ما دفع الطلبة إلى الإضراب عن الدروس النظرية والتطبيقية والتداريب الاستشفائية، هذا الأسبوع، وعياً منهم أن الثنائي الوزاري الحالي يحاول جاهداً بيع الكلية العمومية وتثبيت دعائم الخوصصة استكمالاً لعمل الثنائي الوزاري السابق (الحسين الوردي ولحسن الداودي). فجاءت تعليقات الطلبة كالآتي : "#حان_الوقت_للقضاء_على_الخوصصة"، "#لا_لبيع_الكلية_العمومية"، "#حان_الوقت_للنهوض_بقطاع_الصحة"...
وعلى النحو نفسه أي هاشتاغ "#حان_الوقت_ل.." ، دعت التعليقات الغزيرة للممرضين وتقنيي الصحة إلى إخراج الهيئة الوطنية، وإصدار مصنف الكفاءات والمهن، والإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية، وعلى إدماج جميع الخريجين دون تعاقد. الأطباء، بدورهم، استنكروا عدم استجابة الوزير لأي من مطالبهم بدءً بتحسين ظروف الاستقبال في المستشفيات، وظروف الاشتغال فيها، ومروراً بتوفير الشروط الطبية والعلمية للعلاج وكذا الأجهزة الطبية والبيوطبية، وانتهاءً بتخويلهم الرقم الاستدلالي 509 كاملا مكمولا كمدخل للمعادلة.
أما الصيادلة، فقد أبدوا استياءهم من التماطل في تنفيذ الالتزامات لا سيما فيما يتعلق بدستور الأدوية الذي كانت الوزارة تعِد بصدوره في ظرف أيام قليلة، بالإضافة إلى جهوية مجالس الهيئة التي أكدت الوزارة مراتٍ عديدة أن تنزيلها أمر وشيك، فإذا بالإجراء البسيط يتحول إلى كذبة كبرى.
وَلْنَعُدْ إلى السل، الذي تهللت أسارير الدكالي ابتهاجا بقرب القضاء عليه، فإن الأرقام تشير إلى أن 31000 حالة قد سُجِّلت في المغرب في سنة 2018، من ضمنها حالات لأطر صحية أصابها الداء في قلب مصلحة المستعجلات التابعة لمركز استشفائي جامعي. بعبارة أخرى، فأول خطوة في الطريق ينبغي
أن تكون حماية المرضى ومهنيي الصحة في المستشفيات وتوفير التهوية الضرورية -على أقل تقدير- حتى لا تتحول المؤسسات الصحية إلى مأوى للداء ومادة للتندّر. وسواء تعلق الأمر بهذا الورش أو بغيره، فالمأمول هو ألّا تمرّ هذه السنةُ بيضاءَ كسابقاتها قبل أن يتذكر الوصيُّ على القطاع أنه : "#حان_وقت_العمل !".