الخيارات المتبقية أمام الحكومة لمواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة
بين ضعف مؤشرات النمو و اختلال التوازنات الماكرو-اقتصادية، يعيش التدبير الحكومي للملف الاقتصادي أياما عصيبة، فهو يواجه من ناحية الضغوط الاجتماعية المتزايدة ( فقر، بطالة ، طلب متزايد على الخدمات الاجتماعية الأساسية: سكن، صحة ،تعليم) و من ناحية أخرى يتعرض لتأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية التي أرخت بضلالها على اقتصاديات دول العالم و خصوصا الدول النامية، مما أثر سلبا على أهم المؤشرات الاقتصادية.
أمام هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة: ما هي يا ترى الخيارات الممكنة و الفرص المتاحة أمام الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة؟
تداعيات الأزمة على الاقتصاد الوطني:
مند ظهور الشرارة الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية سنة 2007، و التي امتدت طوال خمسة سنوات ومازالت مستمرة لحد الآن، و الركود و الانكماش يطبع أغلب اقتصاديات الدول المتقدمة.
فالأزمة في منطقة اليورو تزداد سوءا حيث أنه على الرغم من التقدم الذي أحرز في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، فإن معدلات الاقتراض مثلا لإسبانيا وايطاليا لا تزال مرتفعة (6.39 في المائة و 5.73 في المائة على التوالي).
إضافة إلى ذلك، يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي الأميركي 1.9 في المائة في 2012، مقابل 3 في المائة السنة الماضية ، مع تسجيل نسب مرتفعة للبطالة وكذا زيادة الطلب على الدين الداخلي و الخارجي. و من جهة أخرى، يعرف النموذج الصيني بدوره صعوبات تتمثل أساسا في انخفاض الاستثمارات التي تشكل حيزا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي للصين، وضعف مؤشرات الاستهلاك.
و تأسيسا على ذلك ، فالأزمة في البلدان الغنية أرخت بضلالها على اقتصاديات البلدان النامية نتيجة العلاقات و الارتباطات الاقتصادية ، وبالتالي كان لا بد لها أن تلقي بتداعياتها على الاقتصاد المغربي، حيث تأثرت مجموعة من القطاعات الاقتصادية الوطنية بالأزمة. فمقارنة مع مؤشرات السنة الماضية،
انخفضت الصادرات انخفاضا ملحوظا ، كما تراجعت عائدات القطاع السياحي بنسبة 7 في المائة و انخفضت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ب2.5 في المائة.
زيادة على ذلك ، فإن ارتفاع أسعار المواد الأولية والفاتورة الطاقية انعكس على الميزان التجاري حيث بلغ عجزه أكثر من 113 مليار درهم، و أثر كذلك مباشرة على ميزان الأداءات ، كل هذا أثقل كاهل الميزانية العامة، على اعتبار أن الدولة تدعم مجموعة من المواد الأساسية والاستهلاكية.
عجز في التحكم في المؤشرات الإقتصادية
عرفت السنة المالية الحالية عجزا في التحكم في المؤشرات الاقتصادية اتسم عموما بضعف مؤشرات النمو و اختلال في التوازنات الماكرو اقتصادية.
تباطؤ وتيرة النمو:
لابد من الإشارة في البداية إلى أن المؤشرات الاقتصادية و المالية المتعلقة بهذه السنة، تميزت بالتضارب في الإحصائيات و الأرقام . فالحكومة حصرت في بداية السنة المالية نسبة النمو لسنة 2012 في 5 في المائة، ثم قلصتها إلى 4.2 في المائة ، ليستقر توقعها مؤخرا في 4.3 في المائة. بينما توقع والي بنك المغرب بأن تتدنى نسبة النمو إلى 2 أو 3 في المائة. فيما راجعت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها لمعدل النمو لهذه السنة إلى 4.1 في المائة.
واستنادا إلى مضامين الرسالة التوجيهية لرئاسة الحكومة التي تحدد التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية الجديد (2013)، سيعرف الاقتصاد الوطني تباطؤا في وتيرة النمو، ليصل حسب التوقعات الرسمية إلى مستوى 3,4% سنة 2012.
في نفس الإطار، وحسب المعطيات الذي أدلى بها وزير الاقتصاد و المالية في الاستجواب الأخير لجريدة المساء ( بتاريخ 07/09/2012) ، سيبلغ معدل النمو 4.5 في المائة ،إذا استثنينا طبعا احتساب القطاع الفلاحي الذي عرف سنة صعبة.
العجز في ميزانية الدولة:
توقع بعض المتتبعين للشأن الاقتصادي الوطني، أن يصل عجز الميزانية إلى مستويات قياسية تناهز 8 أو 9 في المائة، في المقابل تعترف الحكومة أن هذا العجز لا يتجاوز 6.1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ليبقى التحدي الأساسي الذي تواجهه الحكومة يتمثل في كيفية تقليص و ضبط عجز الميزانية، في ظرفية اقتصادية صعبة تتجه فيها معظم المؤشرات نحو المنحى التنازلي.
زيادة طلب الاقتصاد الوطني على التمويلات الداخلية والخارجية:
استنادا لصحيفة "الحياة" اللندنية، زادت حاجة الاقتصاد المغربي إلى تمويلات داخلية وخارجية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 39 في المائة، مقارنة مع السنة الماضية. و ذلك
راجع بالأساس إلى تراجع الموارد المالية من العملة الصعبة بسبب الأزمة الاقتصادية الأوروبية وارتفاع عجز الميزان التجاري. ...