إلى حدود بداية الألفية الجديدة، كانت القصور والإقامات الملكية في منأى عن الأحاديث العامة، بسبب حجاب السرية المضروب على الحياة اليومية داخلها. غير أن إحداث منصب الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، جعل هذا الأخير يستمد زخما خاصا في إطار سياسة الانفتاح في عهد المغرب الجديد. انفتاح جر وراءه خبايا حوادث عرفها عالم ماوراء القصور والإقامات الملكية العامرة، وأذهلت الناس الذين كانوا يعتبرون مايجري داخل القصور المنيعة شأنا خاصا لا يحق الخوض فيه، ليقفوا على حقيقة سرقات واختلاسات خلقت في الوقت نفسه الاستثناء في تقاليد عالم «المجرمين»، كما وضعت فئة خاصة من الموظفين المحظوظين الذين يفترض فيهم حسن النية والتحلي بالإخلاص التام، والأمانة المطلقة تحت مجهر رجال القضاء. بعيدا عن كل أصناف عمليات السرقة التي تبقى من الحوادث العادية والشائعة في المغرب، بما فيها عمليات السطو المنظم التي تقف وراءها عصابات وشبكات إجرامية منظمة ومدربة على اقتحام أكثر البنايات تحصينا (فيلات، أبناك ..) في واضحة النهار أو عتمة الليل. تبقى السرقات وعمليات السطو التي تستهدف أكثر المنشآت السيادية حساسية وحماية في المملكة، حوادث خارجة عن السياق المألوف لدى الرأي العام. وقد فتحت الحادثة الأخيرة المتعلقة بواقعة سرقة الوقود المخصص لحظيرة السيارات بمرآب القصر الملكي بالرباط، مجددا مسلسل السرقات النوعية التي تعرضت لها بعض القصور والإقامات الملكية، وأعادت إلى الأذهان ملابسات الكشف عنها. حيث كانت بداية تسليط الأضواء على تلك الحوادث النوعية مع فضيحة الاختلاسات المالية التي طالت القصر الملكي بأكادير، حيث حامت شبهات حول تصرفات تتنافى مع روح المسؤولية، صدرت عن محافظ يحمل رتبة عسكرية رفيعة، خانته لغة الأصفار، واتهم ب «نفخ» الفواتير الخاصة، وبممارسة الغش والتدليس في كشوفات المعاملات التجارية المحسوبة على القصر الملكي. وبينما ألسن الناس مستمرة في تداول خبايا ما كٍٍُشف النقاب عنه، ستطفو على واجهة الأحداث. أخبار عن سرقة جديدة تعرض لها القصر الملكي بالمدينة الحمراء. جرى اكتشافها، بعد افتضاح تسريب بعض الأواني الملكية النفيسة والتحف النادرة إلى خارج القصر، خاصة وأن هذه الأخيرة تحمل علامات خاصة بالقصر الملكي، وعلى الأخص الأحرف الأولى لاسم الملك الراحل الحسن الثاني. وقد جرت هذه الواقعة العديد من موظفي البلاط والوسطاء وأصحاب الهوايات النبيلة إلى دائرة التحقيق والمساءلة والمتابعة القضائية، خاصة بعد أن قاد البحث الذي أنجزته المصالح الأمنية إلى اكتشاف مسلسل من السرقات النادرة تعرضت لها قصور وإقامات ملكية أخرى. وفسر الكثير من المتتبعين آنذاك قرار القصر بفضح المتسترين على حوادث السرقة والمتورطين فيها، بدل لغة الصمت التي كانت تُغلف أخبارها في السابق، برغبة مغرب العهد الجديد في إخضاع كل الملفات والمرافق لمبدأ الشفافية. بينما اعتبرت فئة أخرى، أن تسريب بعض المتعلقات والتحف الملكية إلى خارج الأسوار المنيعة، كان من الأمور الشائعة على نطاق ضيق بين العاملين داخل القصور، والذين كانوا يعمدون إلى الاحتفاظ بها على سبيل الذكرى، لما تحمله من قيمة رمزية، غير أن تحول الأمر إلى سرقات كبيرة ومنظمة، هو الذي دفع بالقصر إلى المطالبة بالكشف عن المتورطين والمتواطئين معهم ومقاضاتهم أمام المحاكم. وتواترت فيما بعد الحوادث المرتبطة بالسطو على القصور الملكية، والتي لم تخرج عن صورة سرقات واختلاسات أخذت أشكالا متباينة، كما حدث بالقصر الملكي بالرباط في فبراير 2012، بعد أن ضبطت دورية للأمن 13 شخصا متلبسين بنقل مواد مسروقة في الشارع العام، وتبين بعد التحقيق معهم، أنهم موظفين تابعين لشركة تموين متخصصة متعاقدة مع القصر الملكي، تورطوا في سرقة مواد غذائية خاصة بالقصر. دفع تعدد عمليات السرقة، وحوادث تسلل الغرباء إلى داخل باحات القصور والإقامات الملكية إلى طرح العديد من التساؤلات حينها. منها مايتعلق بواجب التحفظ والتجرد وروح الأمانة والمسؤولية التي يجب أن يتحلى بها موظفون مستأمنون على حرمة البلاط. كما شاعت تساؤلات ترتبط بالجانب الأمني لهذه المؤسسات السيادية، والتي يقع عاتق حراستها على فرق متخصصة من دركيين ومظليين وحرس ملكي وعناصر استخبارات وأمن موكول لهم السهر على تأمين منشآت ترمز إلى هيبة الدولة.
متورطون في سرقة وقود سيارات القصر أمام القضاء
هذه المرة. تفتقت مخيلة هواة السرقات التي تستهدف القصور والإقامات الملكية إلى الوقود المخصص لحظيرة السيارات بمرآب القصر الملكي بالرباط. حيث أحالت مصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يوم الخميس الماضي أربعة أشخاص على النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط. وذلك للاشتباه في تورطهم في سرقة الوقود المخصص لسيارات القصر. غير أن الجديد الذي ميز فصول السرقة الجريئة على عكس سابقاتها. إصدار بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني. يفيد أن عملية توقيف المشتبه بهم بوشرت بناء على تحريات دقيقة وبتنسيق وثيق مع النيابة العامة، وأن عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية حجزت كميات من الوقود متحصلة من تلك السرقة ومعدات وسيارة تم استخدامها خصيصا لارتكاب ذلك العمل الإجرامي. وشملت التوقيفات حسب مصادر أمنية، مسير محطة بنزين تابعة لشركة توزيع محروقات متعاقدة مع القصر الملكي. إضافة إلى موظف من داخل القصر، وثلاثة أشخاص يمتهنون الوساطة في “الكازوال” والوقود. وحسب المصادر عينها، فمن بين المتهمين سائق ناقلة كان يتردد على على موزع البنزين من أجل ملأ خزانات السيارة، ثم إفراغ حمولتها في الخارج، والعودة مجددا حسب أوقات متفق عليها. وتم اعتقال الموقوفين بناءا على تحريات دقيقة وبتنسيق وثيق مع النيابة العامة0 وجاء الاهتداء إلى المشتبه فيهم بعد توصل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمعلومات دقيقة، دفعتها إلى وضع المتهمين تحت المراقبة لمدة طولية، قبل أن يجري إلقاء القبض عليهم من طرف فرقة الأبحاث والتدخلات العامة التابعة للفرقة الوطنية. وحسب المعطيات الأخيرة، فالأبحاث ما زالت متواصلة، تحت إشراف النيابة العامة المختصة مع مجموعة ثانية أخرى تضم أزيد من 10 مشتبه فيهم للبحث معهم في مدى تورطهم في السرقات المتتالية التي طالت خزانات وقود مرآب حظيرة سيارات الخدمة وقضاء الأغراض المخصصة للقصر الملكي بالرباط. اتهام 13 شخصا بسرقة مؤونة القصر الملكي حتى قبل أن ينتشر صداها على الجرائد والصحف اليومية. كانت حادثة سرقة السلع المخصصة للقصر الملكي من بين الحوادث التي شاعت خبرها بين سكان الرباط، وذلك بعدما عاين العشرات من المواطنين بالشارع العام عناصر دورية أمنية وهم يضبطون ثلاثة أشخاص، منهمكين في عجل في نقل صناديق خاصة بالفواكه والمواد الغذائية إلى سيارات خاصة. وحسب ما سربته مصادر أمنية أنذاك، فقد ضبط المتهمون في حالة تلبس عن طريق الصدفة، بعدما انتبهت دورية للأمن الوطني إليهم، وهم منزوين داخل سيارة خاصة في مكان شبه خال من المارة، وينزلون منها علبا كارتونية وصناديق خشبية صغيرة، ويعمدون إلى تسليمها إلى أشخاص آخرين كانوا بدورهم ينقلونها بسرعة غير عادية إلى سيارة أخرى متوقفة غير بعيد. وتوقف أفراد الشرطة القضائية لمعاينة العملية والتحقق من الشكوك التي انتابتهم، فتقدموا من المشتبه فيهم واستفسروهم عما يفعلونه، فاضطربوا كثيرا وظهرت عليهم علامات الارتباك. وبعد مطالبتهم بوثائق السيارة وتوضيح طبيعة العملية التي يقومون بها، خرج أحدهم إلى ضابط الشرطة القضائية وأخبره بأنهم مستخدمون تابعون للقصر الملكي، إلا أن الضابط سارع إلى ربط الاتصال برؤسائه، وأبلغهم بتفاصيل القضية، ليأمروه بالتريث، إلى حين إجراء بعض الاتصالات الهاتفية المستعجلة. بعد لحظات، تلقى الضابط من رؤسائه تعليمات باقتياد المشتبه فيهم إلى أقرب دائرة أمنية مع الأمر بحجز السلع والمواد الغذائية التي كانت داخل السيارة. وأثناء الشروع في البحث مع المتهمين، تبين أنهم مستخدمون بشركة خاصة متعاقدة مع القصر الملكي، مكلفة بتموينه ببعض أنواع المواد الغذائية والفواكه، وأنهم كانوا بصدد تسليم بعض البضائع المسروقة من المؤونة التي أحضروها ذلك اليوم إلى تاجر متورط. وكشفت الأبحاث التي باشرتها عناصر الشرطة القضائية بالرباط، أن الموقوفين كانوا يسرقون بعض السلع المخصصة للقصر الملكي، ويعيدون بيعها إلى تجار بالرباط. وخلال البحث مع المتهمين ذكروا أسماء عدد من المستخدمين الآخرين، اللذين كانوا يحصلون على نصيب من الأموال المتحصل عليها من عائدات بيع السلع المسروقة، مقابل التغاضي وعدم التبليغ. كان سلاح المواجهة المباشرة، بمثابة الإجراء الأخير الذي سهل على المحققين مهمتهم في كشف ملابسات سرقة مؤونة القصر الملكي، حيث حددت لائحة المتهمين في 13 شخصا تابعتهم النيابة العامة بتهم السرقة والاختلاس وخيانة الأمانة. أواني وثريات وزراب ملكية خارج القصر ! إذا كانت بعض حوادث السرقة مدعاة للتسلية وفضول الناس، بسبب ما يحيط بها من مبالغات خيالية جمة، فإن قريحة رواة الشائعات، أصابتهم حيرة بعد تداول أخبار سرقة انصبت على كؤوس قيمة ومناديل وعلب صابون وعلب فضية وذهبية للسجائر والسيكار وثريات وزرابي ومقتنيات أخرى ذات قيمة كبيرة من داخل القصر الملكي بالمدينة الحمراء. وأثارت حوادث السرقة والسطو على الأواني النفسية بما فيها كؤوس «البلار» والتحف الملكية النادرة العائدة لشخص الملك الراحل الحسن الثاني، جدلا حول استهداف بيوت محصنة غير عادية ترمز إلى هيبة الدولة ومؤسساتها، ومحاطة بالهيبة والاحترام، وتثير الرهبة في نفوس من يمر بالقرب من حماها. كانت واقعة سرقة الأواني النفيسة من بين أولى وقائع السرقات التي استباحت حرمة القصور والإقامات الملكية العامرة. رغم أن أحدها ارتبطت بمأساة وفاة أحد المتهمين، وهو التاجر الوسيط الذي لم يصمد أمام حدة التحقيقات، فخارت قواه ومات بسبب متاعب صحية كان يعاني منها اثناء استنطاقه، وفقا لتقرير طبي شرعي. جاءت الواقعة أياما بعد الكشف عن حجم الاختلاسات المالية التي تم اكتشافها خلال جرد حسابات القصر الملكي بمدينة أكادير، لتزرع المخاوف في نفوس كبار الأمنيين من تكرار تسريب الأواني النفيسة والتحف من داخل القصر إلى خارجه وبيعها للعموم، رغم كونها تحمل علامات خاصة بالقصر الملكي وعلى الأخص الأحرف الأولى لاسم الملك الراحل الحسن الثاني. ومكن البحث الذي قادته دوائر الأمن بمراكش، بتنسيق مع أجهزة أمنية عليا إلى اكتشاف سرقات وعمليات سطو آخرى على القصر الملكي بالرباط والإقامة الملكية بتمارة (ضواحي الرباط), وكذلك القصور الملكية بفاس والدار البيضاء وبوزنيقة (بين الرباط والدار البيضاء)، وانصبت السرقات على كؤوس زجاجية قيمة ومناديل وعلب صابون وعلب فضية وذهبية للسجائر والسيكار وثريات وزرابي ومقتنيات أخرى ذات قيمة كبيرة. وانتهت تفاصيل السرقة الأولى التي كشف عنها الحجاب، بإعلان القصر الملكي عدم رغبته في التنصيب كمطالب بالحق المدني، والإكتفاء باسترداد المواد النفيسة والفاخرة التي تم العثور عليها، تاركا للنيابة العامة حق متابعة المتسترين والمتواطئين. إضافة إلى عدم مقاضاة الأشخاص الذين اقتنوا هذه المواد مقابل مبالغ مالية. وضمت قائمة الأشخاص الذين اقتنوا تحفا ملكية مسروقة العشرات من الأسماء المعروفة في عالم السياسة والمال والأعمال من بينهم مستثمر معروف في مجال الإعلام المكتوب.