ها نحن اليوم نعيش نقاشا لغويا جديدا قديما ، ولكن ما ميز الحقبة الأخيرة هو الفوضى اللغوية التي أرخت بظلالها على المنظومة التربوية، وجعلت الكل يتساءل عن مصير هذه المنظومة بعد أن أصبحت الدارجة المغربية، وأية دارجة، تغزو وتهيمن على المقررات التربوية، في ظل وجود تعتيم إعلامي وطني، كأن الأمر لا يعنينا نحن- المغاربة- وكما سبق وأن صرحنا في العديد من المنابر أن دعاة التلهيج في المغرب يدعمون ، بشكل مباشر أو غير مباشر، الفرنكفونيين ليبوؤوا اللغة الفرنسية المكان المنشود، وهو الريادة اللغوية على المستوى الوطني والرسمي، وذلك من بوابة إقحام وترويج الدارجة داخل الحقل التربوي، بغية سحب البساط من تحت أقدام اللغة العربية، وذلك بجعلها لغة متجاوزة لا تصلح لتلقين المعارف، وللتواصل الثقافي والإعلامي، نظرا “ للتعقيدات “ التي تسم مكوناتها الصرفية والنحوية والإعرابية والمعجمية، وهذا ما يساهم في التشويش على النمو والتمكن اللغويين لدى معظم الأطفال الممدرسين، على حد تخمين دعاة التلهيج والفرانكوفونية بالمغرب، وبالتالي يصير البديل اللغوي بالنسبة إليهم هو الاستعانة بالدارجة لمساعدة هؤلاء الأطفال على فهم الواقع، والتفاعل مع محيطهم الاجتماعي بمعجم لغوي لا يختلف عن البيت والشارع والسوق والمدرسة، مع العلم أن تمكنهم من اللغة العربية البسيطة التركيب في حداثة سنهم يساعدهم مستقبلا على التواصل والتخاطب بأسلوب راق ومحترم في مختلف المنابر دون تمييعهم لذاك الخطاب، بالإضافة إلى امتلاكهم معجما لغويا غنيا يساعدهم على توظيف مهارتي الوصف والإقناع، وضرب الأمثلة دون الاستناد إلى العامية، فأمام هذا التضييق الذي يمارس على اللغة العربية من طرف دعاة التلهيج، محاولة منهم إسقاط اللغة العربية من المقررات التربوية، وطردها من المؤسسات التعليمية بلا رجعة، لتعبد الطريق أمام اللغة الفرنسية لتحظى بموقع الرسمية بين دفتي الدستور المغربي، وذلك لضمان حقوقها اللغوية التاريخية داخل المغرب، فنحن نقر أن الاستعمار الحقيقي الذي يتعرض له المغرب اليوم هو استعمار لغوي ،بحيث سيكون أكثر تدميرا وفتكا من الاستعمار العسكري الذي تعرض له المغرب في النصف الأول من القرن العشرين، لأن تدمير العقول والثقافات والمرجعيات يكون أخطر من تدمير البنيان، الذي سرعان ما يتم ترميمه وإعادة بنائه، طالما أن الطبيعة توفر للإنسان المادة الخام لتشييد العمران، حتى في المناطق النائية، بينما بناء الحضارات وتطويرها يلزم بناء وتكوين الإنسان بالدرجة الأولى، وهذا من أصعب البناءات والتكوينات على الإطلاق، لأن اللغة والثقافة شرطان أساسيان في تطوير الحضارات، وهذا ما أثبته التاريخ الإنساني، ولنا في تاريخ الأندلس والعرب والمغرب في العصر الوسيط أسوة حسنة، بحيث كانت اللغة العربية والأمازيغية هما المحركان الأساسيان لبناء وازدهار العديد من الحضارات التي كانت تطل على حوض البحر الأبيض المتوسط ، دون أن ننسى الشرق الإسلامي منبت الحضارات الإسلامية. وعلى هذا الأساس نحن نؤكد لكل من يتهجم على اللغة العربية ويحاول أن يشعل فتيل حرب لغوية داخل المغرب، وذلك من خلال إثارة الدارجة على اللغة العربية تعليميا، أنكم تخدمون فقط“ أجندات“ أجنبية فرانكوفونية، لا ندري ما هو حجم التعويضات التي منحوكم إياها لتشويه اللغة العربية لتحل محلها اللغة الفرنسية، ولكننا ومن هذا المنبر نقول لكل من تحامل على اللغة العربية، أن التاريخ شاهد على عظمة هذه اللغة وقدرتها على الرقي بالمجتمع المغربي علميا، واجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا، دون أن نضفي عليها طابع القدسية ، وهذا ما أتفق به مع الناشط الأمازيغي والحقوقي أحمد عصيد، الذي دعا في إحدى مداخلاته بإحدى المنابر الإعلامية المحلية ، إلى عدم تقديس اللغات حتى يتمكن الإنسان من تطويرها وجعلها تواكب التحولات التي تطرأ على المجتمع، وهذا ما يجب أن نستحضره في نقاشنا اللغوي الحالي، دون أن نفسح المجال لدعاة التهريج ، عفوا التلهيج ، ليكونوا بمثابة الطعم الذي ينتظر منا الفرانكوفونيون التهامه ، وما الخرجات الأخيرة التي عبر فيها المغاربة عن تمسكهم بهويتهم وثقافتهم ولغتهم المدسترة، خير رد ودليل على أن مفعول سحر دعاة التدريج بالمغرب قد بطل، ولم يقاوم الحضور القوي والرسمي للغة العربية داخل النسيج المجتمعي المغربي ، كما أننا نطمئن المغاربة قاطبة أن اللغة العربية بخير ما دام جلالة الملك محمد السادس يخاطب بها شعبه ، فكل منا يعبر عن تجاوبه المطلق مع خطابات وتوجيهات ملك البلاد ، سواء كان المتلقي منا أميا أو متعلما، وهذا ما أكده الفاعل الجمعوي موسى الشامي ، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، في نقاشه اللغوي الأخير مع الأستاذ أحمد عصيد على قناة “ مدي 1 تيفي “.