لقد شكل الخطاب الملكي السامي للذكرى التاسعة عشرة لعيد العرش المجيد صبغة إجتماعية بإمتياز أكد خلاله جلالة الملك محمد السادس على أواصر اللحمة والتضامن بين مكونات المجتمع المغربي، إذ أشار الملك في هذا الصدد إلى أنه واثق من أن المواطنين لن" يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية وبائعي الأوهام باستغلال بعض الاختلالات للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر من إشاعة الفوضى والفتنة هو الوطن والمواطن على حد سواء." إن تحقيق الإنجازات وتجاوز التحديات الراهنة يقتضي حسب جلالة الملك محد السادس التنسيق والتخطيط والعمل بشكل جماعي بين مختلف المؤسسات والفاعلين، وخاصة بين أعضاء الحكومة والأحزاب المكونة لها كما ينبغي الترفع عن الخلافات الظرفية والعمل على تحسين أداء الإدارة لأن قضايا المواطن لا تقبل التأجيل ولا الإنتظار حسب تعبير جلالة الملك ،كما أعاد الملك الحديث عن دور الأحزاب السياسية الذي يجب أن يكون أكثر فعالية عبر اهتمامها المباشر والمستمر مع مطالب وتطلعات المواطنين ، إضافة إلى حتمية استقطاب نخب شبابية جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي" لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم."
ثم بعد ذلك تطرق جلالة الملك للنقطة الأكثر تفصيلا في الخطاب السامي تتمثل أساسا في إعطاء الإنطلاقة لتعاقد إجتماعي، بإعتبار أن القطاع الإجتماعي يحظى عند المؤسسة الملكية بإهتمام وانشغال بالغين، فبالرغم من كل ما تم تحقيقه من منجزات طيلة العقدين الماضيين إلى أنه حسب تعبير جلالة الملك " يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت أحس أن شيئا ما ينقصنا في المجال الاجتماعي." مما يستوجب معه تجديد وإعادة بلورة النموذج التنموي الوطني الذي أكد عليه جلالة الملك خلال الخطاب السامي الخاص الخاص بإفتتاح الدورة التشريعي، وفي هذا الإطار تساءل جلالة الملك عن جدوى تعدد البرامج إن لم تكن هناك التقائية وتنسيق فيما بينها مما ينتج عنه بالأساس عدم استجابتها " بفعالية لحاجيات المواطنين وأن يلمسوا أثرها."
أشار جلالة الملك بالمبادرة الجديدة لإحداث السجل الإجتماعي الموحد لكونها لامحالة ستساهم بشكل رئيسي في تحسين مردودية البرامج الاجتماعية بشكل تدريجي لكن على أساس أن "يتم تحديد تلك التي تستحق ذلك فعلا عبر اعتماد معايير دقيقة وموضوعية، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة." ولبلوغ هذا الطموح دعا الملك السلطة التنفيذية وجميع الفاعلين المعنيين للقيام" بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها."
لقد قدم جلالة الملك في خطابه السامي مجموعة من التدابير المستعجلة والهامة التي من شأنها الرفع والتأثير بشكل إيجابي من الناحية الإجتماعية ، تتمحور هذه التدابير بالأساس حول ضرورة إعطاء دفعة قوية لبرامج دعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي ابتداء من الدخول الدراسي المقبل بما في ذلك برنامج “تيسير” للدعم المالي للتمدرسي والتعليم الأولي والنقل المدرسي والمطاعم المدرسية والداخليات مما سينتج عنه التخفيف من التكاليف التي
تتحملها الأسر، ودعمها في سبيل مواصلة أبنائها للدراسة والتكوين ، إضافة إلى تأكيد جلالة الملك على التعجيل بإطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإعادة توجيه برامجها للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة ودعم الفئات في وضعية صعبة والتنويع من المبادرات المدرة للدخل ولفرص الشغل ، أما بخصوص التدبير الثالث فيتجلى في حتمية تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية “RAMED”، وما يتطلب ذلك من إعادة التفكير لإعادة بلورة المنظومة الوطنية للصحة التي تشهد" تفاوتات صارخة وضعفا في التدبير ." ، أما فيما يتعلق بالتدبير الرابع فيتمثل في تأكيد جلالة الملك على ضرورة الإسراع بإنجاح الحوار الإجتماعي وما يوازيه من استحضار للمصلحة العليا للوطن أولا والتحلي بروح المسؤولية.
إن بلوغ أسمى أشكال الحماية الاجتماعية حسب جلالة الملك لن يتأتى إلا عن طريق خلق فرص الشغل ، وفي هذا الصدد أكد جلالة الملك على أنه لتحقيق ذلك يستوجب العمل على إنجاح ثلاثة أوراش أساسية في مقدمتها " إصدار ميثاق اللاتمركز الإداري داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر أكتوبر المقبل مما سيضمن للمسؤولين المحليين سلطة اتخاذ القرارات بما فيها تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلورة جهوية متقدمة فعالة وواقعية، الورش الثاني يتمحور أساسا حول الإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار عبر إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار" وتمكينها من الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها مثل الموافقة على القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين، عوض الإجماع المعمول به حاليا" ، الورش الثالث حسب جلالة الملك يتعلق باعتماد نصوص قانونية واقعية ومحددة المدة الزمنية في القطاع الإستثماري على غرار تحديد أجل أقصاه شهر لعدد من الإدارات للرد على الطلبات المتعلقة بالاستثمار مع التأكيد على أن عدم جوابها داخل هذا الأجل يعد بمثابة موافقة من قبلها، إضافة إلى عدم جواز طلب أي إدارة عمومية من المستثمر وثائق أو معلومات تتوفر لدى إدارة عمومية أخرى ، مما يستوجب منها التنسيق فيما بينها وتبادل المعلومات عبر حسن توظيف التكنولوجيات الحديثة ، إن كل هذه الأوراش حسب تعبير جلالة الملك"ستشكل دافعا لإصلاح الإدارة حيث ستمكن من تفعيل مبدإ المحاسبة والوقوف على أماكن التعثر التي تعاكس هذا الإصلاح."
أما فيما يتعلق بالمجال المقاولاتي فقد تطرق الخطاب الملكي السامي لبرامج المواكبة الموجهة للمقاولات التي من الواجب تسهيل ولوجها للتمويل والزيادة من إنتاجيتها وتكوين إضافة إلى تأهيل موردها البشرية كل ذلك سيساهم في تطوير تنافسية المقاولة المغربية وخلق فرص الشغل وبالتحديد المقاولات الصغرى والمتوسطة بإعتبارها تشكل 95 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني.
المخطط الوطني للماء كان أيضا ضمن النقاط الهامة التي تطرق إليها جلالة الملك الذي أكد على ضرورة إيجاد حلول لمختلف التحديات المرتبطة بالموارد المائية خلال الثلاثين سنة القادمة عبر اتخاذ" تدابير استعجالية وتعبئة كل الوسائل لمعالجة الحالات الطارئة، المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح للشرب وتوفير مياه سقي المواشي خاصة في فصل الصيف " , زد على ذلك مواصلة سياسة إنشاء السدود الناجحة.
وقد ختم جلالة الملك حفظه الله خطابه السامي بالإشادة بالعمل الإنساني والاجتماعي الجبار الذي تقوم به القوات المسلحة الملكية داخل الوطن وخارجه وخاصة عبر المستشفى الميداني بغزة الذي يهدف بالأساس للتخفيف من معاناة أشقائنا الفلسطينيين ودعم صمودهم، وكذا بمخيم الزعتري ليكون بذلك تتمة للدور الإنساني النبيل الذي تقوم به المملكة المغربية بالعديد من الدول الإفريقية الشقيقة.