شهدت العقود الأولى من الألفية الثالثة تطورا هائلا في وسائل الميديا ، وذيوعها بين أكثر من نصف سكان المعمور كما أشرت عليه بعض أرقام اليونسكو UNESCO " ... سيصل انتشارها إلى 4 مليار شخص بحلول نهاية السنة الحالية 2018 ، وهو رقم يمثل 48% من إجمالي سكان العالم ، تتنوع بين التلفزات والألواح والهواتف الذكية والحواسيب ، كما أكدت أرقام اليونسكو ؛ في ذات السياق ؛ أن المعدل الزمني الذي يمضيه الشخص أمام هذه الوسائل يتراوح من 8 إلى 10 ساعات في اليوم ، وتشير بعض الإحصائيات مدعمة بالملاحظة العلمية (الأمبريقية) أن هناك شُعبا "برامج" إلكترونية تستهوي شريحة واسعة من رواد شبكات التواصل الاجتماعي منها الفايسبوك Facebook؛ اليوتوب YouTube؛ تويتر Twitter؛ أنستاغرام Instagram؛ واتسب WhatsApp... الأمي والمتعلم على قدم المساواة !
من المعلوم أن آفة الأمية الأبجدية ما زالت مستفحلة بنسب مخجلة بين بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ؛ تتجاوز معدلاتها العامة نسبة 49% ، هذا عدا ظاهرة الفقر في الإقبال على القراءة والتي هي محصورة بين 5 دق و 6دق في السنة !
ولما كانت وسائل الميديا من اليسر بمكان اقتناؤها ، عاد الشخص الأمي ليحتل الصدارة في امتلاكها واستخدامها ، وأحيانا إدمانها ، سيما برامج اليوتوب والواطسب والفايسبوك .. التي يحرص ؛ من خلالها ؛ على استهلاك الأشرطة القصيرة بنسب جد عالية ويحاول مواكبة كل جديد مع "مساهمته" في التعريف بها ونشرها على أوسع نطاق ، يستهلكها على علاتها ولا يمتلك الأدوات الثقافية بقصد التحليل والمقارنة والاستنتاج واتخاذ المواقف ؛ على غرار ما يفعله المتعلم ؛ وبهذا المعنى أو بالأحرى هذا الاعتبار يمكن القول بردم ذلك الحاجز الثقافي الذي كان فيما مضى فاصلا بين هذين النموذجين ؛ نموذج المتعلم ونموذج الأمي ، حتى إن هذا الأخير أصبحت له مواقف اتجاه ما تعج به ساحته من أحداث ، فلا يتوانى عن التقاطها ونشرها مستعملا العامية كلغة الأوسع انتشارا بين المغاربة .
الفعل الثقافي وسط وسائل الميديا
حري بنا الوقوف عند الثقافة والفعل الثقافي كما يحدده معجم ويبستر Webster " .. هو مجال العمل الثقافي الذي ينمي المركز ويمده بمقاربات خاصة بالتنمية الثقافية والقادرة على أن تكون واعدة أو تشكل معضلات ..."
والفعل الثقافي قد يتجاوز هذا التعريف الأكاديمي إلى مدلولات أكثر شمولية لا سيما إذا نظرنا إليه غي السياقات المعرفية والسوسيواقتصادية ، لكن وروده في السياق الإعلاميائي Informatics قد تأثر كثيرا ، وربما تقزم دوره بعد أن كان يشمل الكتابة الثقافية والفنية من مقالة وتحليل وبحث وفلسفة وقصة وشعر وتصوير وإبداع وفن ... تحول ؛ في ظل هذا الاجتياح الإعلاميائي ؛ إلى مشاهدة سمعي بصري للساعات الطوال ، في غياب استعمال الأدوات الثقافية ، من عقلة الأشياء والعودة بها إلى مرجعياتها الأولى ، وهكذا غدا الفعل الثقافي في ظلها مجرد استهلاك للمنتوج أو تمريره إلى أكبر الشرائح الاجتماعية وجمهور شبكات التواصل الاجتماعي ، وبالتالي أصبح المثقف من خلالها شخصا مريضا يستهلك دون تمييز ، ينبهر تبعا لحواسه ، يحكم دون ضوابط ، ينفعل دون تفاعل ، يردد ويسترجع دون إعمال فكر ، وفي جملة متعلما عاميا Ami Educated .