عادت الدراما الخليجية مرة أخرى لتفتح الجرح القديم وهو احتلال العراق للكويت، دون مراعاة لمشاعر الشعبين غير المستقرة أو الودودة حتى الآن، حيث أقحمت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في خضم حديثها عن الربيع العربي وتعداد ضحاياه من الرؤساء العرب، رغم أن صدام لم ينته عهده بسبب ثورة شعبية وإنما تحت رماح احتلال أمريكي غربي، قام بتسليمه في نهاية المطاف لخصومه الداخليين من أجل إعدامه ذات فجر من عيد الأضحى! المسلسل الخليجي "ساهر الليل 3" للمخرج محمد الدحام، يحاول تقديم عرض تاريخي للمراحل الزمنية التي سبقت إقدام صدام حسين على احتلال الكويت، ويبرز ذلك التمزق الذي كان يعيشه الشارع الكويتي قبلها بفترة قصيرة، حيث نشاهد بعض الشخصيات تقول ضمن العمل، إنه من المستحيل أن يُقدم صدام على هذا الفعل، فهو سيف العرب، وحاميهم من الإيرانيين، ووو..قبل أن تنقلنا الكاميرا لحالات أسر كويتية، تعاني الأمرّين قبل الاحتلال ويسيطر الخوف على معظم أفرادها فيما يستعد كثير منها للهجرة، وهو ما تم فعلا، ومن المتوقع أن يعالج المسلسل أيضا مشكلة الأسرى الكويتيين الذين ظل صدام ينكر حبسهم في حياته، وطالبته الكويت بمعرفة مكانهم أحياء أو الكشف عن مكان مقابرهم الجماعية، قبل أن يسقط صدام بسبب الاحتلال، ويتبين أنه لم يكن فقط ضحية الكذبة الدولية المسماة أسلحة الدمار الشامل ولكن أيضا لم يظهر هنالك أيّ أسرى، لا أحياء ولا أموات حتى الآن! البعض يرى أنها محاولة جيدة من طرف الكويتيين لمعالجة مشكلة تبدو من أكثر المحن التي واجهها المجتمع الكويتي في تاريخه، ولكن سقوط المسلسل في فخ الدعاية السطحية لما يسمى بالمقاومة ضد الاحتلال، وتبسيطه لعدد كبير من المشاعر، وكذا عدم التعامل مع القضية بمختلف جوانبها، مع الاكتفاء بالنظر من زاوية الضحية، يعد استغفالا لعقل المشاهدين، وطعنة موجعة في ظهر التاريخ.. لكن الطامة الكبرى في التعامل مع الرؤساء الذين سقطوا في ثورات الربيع العربي، جاءت عبر مسلسل كويتي آخر، هو "واي فاي" الذي تقدمه قناة الأم بي سي أيضا، حيث يلتقي المشاهدون بكل من صدام حسين، معمر القذافي، زين العابدين بن علي، وأيضا مبارك على طاولة واحدة وهم يتناقشون مصيرهم بعد الانقلاب عليهم وإسقاطهم من كرسي الحكم! وطبعا لا يتحدث القائمون على المسلسل عن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي يعد صديقا للملك السعودي كما خرج من السلطة بحماية خليجية، وبالتالي فإنهم ينتقون خصومهم في العمل للسخرية منهم بطريقة واضحة، وظهر ذلك جليا في تعويض علي عبد الله صالح بالرئيس العراقي السابق صدام حسين رغم أنه ليس من ضحايا الربيع العربي! وربما أكثر المشاهد التي أثارت انزعاج البعض وغضبهم، ذلك الذي يخاطب فيه العقيد الليبي معمر القذافي بشكل ساخر صدام قائلا: "على ماذا تضحك وتفتخر، فقد وجدوك في حفرة مثلما وجدوني؟" وهنا يضحك صدام ضحكته الشهيرة ليجيبه باللهجة العراقية: "لا عيوني، فالحفرة التي وجدوني فيها أنظف وأجمل من الحفرة التي أخرجوك منها"!! وطبعا فإن المشهد لا يخلو من ترديد الممثل الذي تقمص دور معمر القذافي لعباراته الشهيرة: "من أنتم...أنا ملك ملوك إفريقيا..سأجعل ليبيا جهنم حمرا..." وغيرها من العبارات التي اشتهرت في خطابات القذافي قبل إسقاطه عن الحكم، وذلك حتى يقال ربما أنه يتقن الشخصية جيدا! المثير للانتباه أكثر، أن من يتابع الفضائيات الليبية التي تناسل عددها كالفطريات في الشهور الماضية، يلاحظ أنها أغفلت الحديث عن القذافي دراميا، ولم تسخر منه ولا من عائلته، أو اكتفت ببعض المشاهد والبرامج القائمة على السخرية والتهكم أصلا..ربما لأنها لم تستطع لحاق عملية الإنتاج قبل رمضان، ولكن الأكيد أن الليبيين ومعهم أيضا التونسيون، لم يسخروا من بن علي أو القذافي بالشكل الذي قام به الخليجيون في أعمالهم الرمضانية، وبرعاية سعودية من طرف قناة الأم بي سي التي أبعدت الرئيس اليمني السابق عن حسابات تلك الدراما، واكتفت بتصوير بن علي جالسا دون حديث مباشر أو تدخل، للقول إنه مجرد ضيف في جدة لا يتكلم ولا يسمع، كما احترمت أيضا مبارك المسجون، أما القذافي وصدام فهي لم تترك فرصة إلا وقصفتهما بالثقيل رغم أنهما باتا في عداد الموتى.