ما كان يخطر ببال عبد المولى خديري ذو ال 31 ربيعا، أنه سيحقق حلمه بأن يصبح مهندسا معروفا و يتخرج من أعرق الجامعات الإيطالية بعد أن كان بائعا متجولا في ساحة بورطا بالاتزو المعروفة وسط مدينة تورينو ، سلاحه في ذلك طموح جارف إلى الارتقاء و العزيمة القوية، التي اجترح بها المستحيل. و تتويجا لما بذله من جهد مضني وتجاوز كل المعيقات، نجح عبد المولى في الحصول على دبلوم الماستر في الهندسة المدنية بالكلية التقنية المتعددة التخصصات (بولتكنيك) التابعة لجامعة تورينو، ليؤكد أن المهاجر المغربي قادر على الاندماج الفاعل في المجتمع الإيطالي و "لو عاندته الظروف". و استطاع هذا الشاب الذي غادر المغرب وعمره لا يتجاوز 11 سنة من أجل العيش بإيطاليا ، أن يؤسس لنفسه مسارا دراسيا متفوقا قبل أن يلج كبرى جامعات تورينو ، مستنيرا بنصائح و الدته ، ودعم شقيقيه المتواصل ، مراهنا على ركوب صهوة التعليم العالي، ليصبح محط إشادة من مختلف شرائح المجتمع الإيطالي، لكنه يعترف أنه عانى قبل ذلك من سياط التمييز التي كانت و قود تقدمه ومحفزا قويا ليصبح مهندسا ناجحا. ما إن أعلنت الجامعة عن حصول الطالب المغربي على الماستر بعد مناقشة أطروحته بعنوان " آثار المواد النانوية الكربونية المضافة لمركبات الأسمنت"، مؤخرا ، حتى أصبح محط اهتمام و سائل الإعلام الإيطالية التي سردت قصة نجاحه الباهر و تجربته المميزة في تسلق سلم المجد العلمي لتحقيق حلم رواده منذ سنوات. و تصدرت صور هذا المغربي الشاب كبريات الصحف الإيطالية من قبيل "لاستامبا" و "لابريس" لكونه أصبح أيقونة نجاح فريد ونموذجا للعصامية والعزيمة على التفوق في ديار المهجر. كما نشرت صورا و فيديو هات على مواقعها الإلكترونية لحفل مناقشة أطروحته بحضور والدته، وأفراد عائلته الذين قدموا من المغرب خصيصا لتقاسموا معه "أجمل لحظات حياته". صحيفة "لاريبوبليكا" الذائعة الصيت في إيطاليا خصصت حيزا مهما من صفحاتها الأولى للمغربي عبد المولى الذي شق طريق تقدمه العلمي من خلال عائدات عمله كبائع متجول لتغطية مصاريف دراسة الهندسة المدنية التي كانت "تتطلب التفرغ و الحضور بشكل يومي للجامعة" . فرحة لا توصف عمت أفراد أسرته المنحدرة من مدينة خريبكة ، و هم يشاهدون حلم ابنهم وحلمهم يتحقق أمام أعينهم رغم إكراهات ما كان ليتغلب عليها لولا إصراره الصارم ، معبرا عبر امتنانه لأصدقائه الذين شجعوه بقوة للحصول على دبلوم الماستر بميزة مشرفة جدا. و يهدي خديري هذا التتويج العلمي إلى عائلته وإلى مدينة طورينو التي عاش فيها ذكريات ما قبل تخرجه مهندسا ملهما للجيل الثاني من المهاجرين المغاربة . و في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يتذكر خديري بدايته التي لم تكن سهلة على الإطلاق ، إذ كان يقتني لوازم الدراسة من عائدات بيع بعض الأشياء البسيطة منذ أن كان يدرس في سلك الثانوي بتورينو ، مشيرا إلى أن امتهان بيع المناديل الورقية في أوقات الفراغ كان انسب له من الاشتغال وفق توقيت محدد قد يربك مساره الدراسي. و أعرب عن الأسف لكون بعض وسائل الإعلام الإيطالية تتطرق فقط لبعض المظاهر السلبية التي تشوب ظروف عيش بعض المهاجرين و لا تسلط الضوء على النماذج الناجحة التي تحرص على المساهمة بإيجابية في البلد المضيف. طموح عبد المولى وأسرته كان أكبر من امتهان بيع " مناديل ورقية و ولاعات وبعض التذكارت" للسياح الوافدين على المدينة ، إذ استثمر دخله البسيط في استكمال الدراسة بأعرق جامعة في إيطاليا التي يضعها ترتيب "شنغهاي" لأفضل الجامعات والمعاهد العالمية بين الثلاثين الأوائل على الصعيد الدولي في مجال المعلوميات والتكنولوجيا. وبالنسبة لخديري فإن تجربته "لا تعتبر استثناءا" لأن بعض الشباب المغاربة بإيطاليا يدرسون تخصصات مختلفة و يحاولون جاهدين التغلب على نفس الصعوبات المادية بمجهودهم الشخصي . و أبرز أن الجيل الجديد من أبناء الجالية المغربية يهتمون بالتحصيل العلمي أكثر من أي شيء آخر "رغبة منهم في عيش حياة أفضل من تلك التي مروا بها في طفولتهم". وأكد أنه "لا يمكن تحقيق النجاح في أي تجربة دون اجتياز محطات نشعر فيها باليأس و التعب و الفشل " ، لذلك أقول لأي شاب مغربي طموح أن يتشبث بحلمه حتى يحققه و أن لا يتوقف عن المحاولة مرة و عشرة إن واجهته صعوبات أو لم ينجح في البداية". واعتبر المهندس المغربي عيد المولى خديري أن "الصبر والتفاؤل بالخير هما مفتاح النجاح في لحظات الإحساس بالضعف أو الإحباط ".