كثيرا ما تهربت من التطرق لهذا الموضوع، وتحاشيت الكتابة فيه، رغم أن الفكرة كانت تراودني دائما، خاصة وأنا أتجول بين صفحات المواقع، والمجلات، أستقي الأخبار، وأبحث عن المعلومة هنا وهناك، فأقف على الرداءة والعهر والخبث الذي اتصفت به بعض المنابر الإعلامية في عصرنا هذا. و قد امتلأت غيضا، وغضبا، وحرقة على هذه المهنة الشريفة، التي دنسها بعض من يدعي الانتماء إليها! وهي منه براء، كبراءة الذئب من قميص يوسف! إنه لا مراء، ولا شك أن مهنة الصحافة مهنة شريفة، لها من الأدوار في المجتمعات ما لا يمكن أن أعده واستوفيه ببضع كلمات، فهي منبر الشعب وقناة التواصل بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة.
وهي مرآة المجتمع، تلقي الضوء على الأشياء والظواهر، تجمع المعلومات تحللها وتتأكد من مصداقيتها ثم تعرضها للقراء،وقد سميت بالسلطة الرابعة لأهمية الدور الذي تلعبه في المجتمع،ولخطورة هذا الدور الذي يتمثل في الرقابة والمحاسبة والمسؤولية، كل هذا عندما تحترم الصحافة أو الإعلام أخلاقيات هذه المهنة، فتكون بذلك الصحافة النزيهة في خدمة الشعب، ونقل همومه وآلامه وتسعى لنقل أفكاره، وآراءه الصحافة النزيهة الحرة التي تنقل المعلومة كما هي بكل دقة واحترافية.
إن الحراك بالريف، كما لامسه المتتبعون، له حسنات لا تحصى،فكما أنه عرى وكشف حقيقة مجموعة من الدكاكين السياسية، وأظهرها على حقيقتها،بالإضافة إلى كشف حقائق بعض الأشخاص من السياسيين والفنانين والمثقفين والمفكرين،قد كشف كذلك عورة الصحافة والإعلام داخل المغرب وخارجه، وأظهر عدم مهنيتها وعدم نزاهتها، لنجد أنفسا في خضم هذا الحراك أمام كم هائل من الصحافة الصفراء أو صحافة (جوج فرنك) على حد قول المغاربة. ولعل من الموضوعية، أن نعطي تعريفا وجيزا لهذا المصطلح (الصحافة الصفراء) الذي كثر استعماله في الآونة الأخيرة، وتردد على الألسن بشكل ملفت، خاصة في المواقع الاجتماعية وفي خطابات نشطاء الحراك الشعبي،هذا المصطلح الذي ربما قد ظهر أول مرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية (1898) عندما اشتد الصراع بين صحيفتين أمريكيتين من صحف نيويورك هما: تبوركوورلد، ونيويورك جورنال_أمريكان، لتلجأ إحداهما إلى نشر فضائح جنسية من
أجل حصد الشعبية وتحقيق الأرباح،ولعل تسمية "الصفراء" جاءت من الورق الرخيص الأصفر الذي كانت تصدر عليه .
و"الصفرة" في العرف الاجتماعي؛ هو مصطلح يستعمل للإحالة على الرداءة والقيمة البخيسة للشيء،فنقول "كتبا صفراء" أي كتب قديمة لا فائدة فيها ولا مضمون! والصحافة الصفراء في المتداول الشعبي تطلق على الصحافة الرديئة، الخالية من المضمون والحقيقة والموضوعية صحافة غير مهنية، رخيصة تعمل على نشر الفضائح والإشاعات، والأكاذيب، بغية حصد الأرباح، وتسجيل الإعجاب والمتابعة. وذاك ما وقفنا عليه مع تطور الحراك، ولامسناه يوما بعد يوم فتفاجئنا بتناسل وتكاثر هذا النوع من الإعلام، وانتشاره بشكل مرعب، وحصوله على جمهور ومتابعين كثر رغم الانتقاد الواسع الذي يوجه لهذا النوع من الصحافة! إن صحافة العار (دجوج فىرنك) صحافة لا مبادئ لها، ولا قيم لها ولا يهمها فكر المواطن أو ثقافته ووعيه، بقدر ما يلهمها الربح وكثرة المتابعين! فهي صحافة غير شفافة، ولا مصداقية لها، تنقل أغلب أخبارها من مواقع ومصادر أخرى، ومن شبكة الإنترنت، دون التحقق والتأكد والتمحيص همها الوحيد جذب القراء، ولو بانتهاجها أسلوب المبالغة والتهويل. إن ما نطلع عليه يوميا من أخبار هذه الصحافة، التي تعد مدرسة الكذب والتمويه وتشويه المعلومة يجعلني أقول أن الكثيرين ممن ينتحلون مهنة الصحافة، ما هم إلا مرتزقة وأميين وذو مصالح شخصية، يقتاتون قوتهم اليومي على حساب تشويه الآخر وتزوير الحقائق! فالكتابة الصحافية لا تكون فقط بمراعاة قواعد النحو والإملاء بل تكون أولا بمراعاة الحقيقة، والصحفي ليس ذلك الماهر الحلو البليغ اللسان، يحسن صياغة المقالات والبيانات،بل هو ذاك الشخص الذي يتحرى الحقيقة، وينقلها كما هي للرأي العام! إن ما رأيناه إبان الحراك الشعبي (الريفي) من تزوير الحقائق، وتضخيم الأحداث، والمبالغة في عرضها، ومحاولة التشويش على سيرورة الحراك وفبركة الوقائع،يكشف لنا ميلاد حركة إعلامية جديدة أحببت أن أسميها: الصحافة عياشية، نسبة إلى العياشية! صحافة لا تتمتع بأدنى شروط المهنة، سقف حريتها جد محدود، ولغتها التحريرية واضحة، تسعى إلى تشويه الحراك ورموزه، وفبركة الصور والأحداث والتسويق لخطابات سياسية ممنهجة ومعينة، وطبقة محددة فتدعم وتؤيد جهة مخصوصة؛ وتكون بوقا رسميا لها.
إنني أمام هذا المستوى الذي وصلت إليه بعض صحفنا ومواقعنا الإعلامية أطرح مجموعة من التساؤلات: أين أنتم من أخلاقيات مهنة السلطة الرابعة؟ أين أنتم من الحيادية والمهنية؟ أين أنتم من الدقة في نقل المعلومة، والنزاهة والمصداقية؟ أكل من حمل ميكرفون، ووقف أمام كاميرا، ننعته بالصحفي والمراسل؟ أليس هناك شروط واضحة، لمن يريد ممارسة هذه المهنة؟
أ كل من هب ودب يفتح موقعا، ويعطي لنفسه صفة صحفي أو إعلامي؟ متى يرقى إعلامنا؟ ويقدم للقراء والمستمعين مضمونا يحترم فكرهم وذكاءهم؟ متى تنتهي بعض الصحافة عن المتاجرة في الأخبار وتسويق المضامين التافهة؟