شاءت الأقدار يا وطني ان نعيش سنين عجاف ، متنقلين من ألم إلى ألم ، و من محنة إلى محن ، عابرين سبيل هاته الحياة بما حملت من أوجاع و معاناة ، تجعل منا نفقد بعضنا البعض في كل يوم و لحظة، حاملين أملا ان تنفرج معاناة البؤساء و الكادحين الذين شاءت الأقدار أن يجوعوا في بلاد المسلمين . لقد تألمت كما تألم كل المغاربة ، لوفاة 15 امرأة في حادث الذل و العار بمدينة الصويرة ، كما سبق و تألمت لوفاة طفلة بريئة في حادث مشابه لتوزيع قفة رمضان نظمها آل تميم بمدينة آزرو جراء حادث تدافع . حتى الموتى لم يتركوهم و شأنهم من بشاعة الاستغلال ، و هو ما نشرته صفحات جريدة الأسبوع الصحفي ، تحت عنوان " إفران : فضيحة أسماء الموتى في قوائم المساعدات المقدمة للمحتاجين . في الوقت الذي يقوم فيه بعض الأتراك بنثر القمح على رؤوس الجبال في أيام الثلج ، تنفيذا لما روي عن عمر ابن عبد العزيز " اشتروا بها قمحا وانثروه على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.
إن مثل هذه الحوادث تجعل من النص الدستوري للمملكة بحاجة إلى إعادة الترتيب و القراءة العميقة ، كما أنه كذلك يجعل من الخلل في تنزيل القوانين و التشريعات و حتى الظهائر الملكية تشوبها الشوائب ، ولا شك إن تعليق أحد الأجانب الأمريكيين حول مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، حيث قال فيه من النادر أن تجد بلدا من دول العالم الثالث
يطلق ورشا في مجال التنمية البشرية ، لقد أدرك القيمة الحقيقية للنهوض بوضعية الإنسان ، من وضعية العدم و الفقر إلى مرحلة كونه منتج قادر على بدء حياة جديدة مليئة بالكرامة الإنسانية ، لا أخفيكم ان هذه الحوادث ليست إلا تحصيل حاصل ، في السياسات العمومية الفاشلة في مجال النهوض بالأسرة في شخص وزارتها التي تنفي وجود فقراء بالمغرب ، المعطيات التي يفندها البنك الدولي الذي أكد على أن نسبة الفقر بالمغرب بلغت 4.2 بالمائة سنة 2014 ، والمندوبية السامية للتخطيط حسب ما أعلن عنه المندوب السامي السيد احمد الحليمي ، الذي أكد على أن 11,7 بالمائة من المغاربة فقراء .
إن لغة الواقع تجعل من لغة الأرقام تقديرات ، و التقارير تبريرات و تجعل من فقراء الوطن أرانب التجارب احتراما للمشاعر. لقد بكيت حظي الشؤم يوم زرت العديد من الدواوير ، بإقليم إفران هذا الأخير الذي يغلب عليه الطابع القروي لاحتضانه لثمان جماعات قروية و جماعتان حضريتان ، تجعل منه مرتعا خصبا للفقر و الهشاشة . لا أخفيكم اني تألمت لما حج سكان الدواوير، أغلبهن نسوة منهن الأرامل و المطلقات و المسنات ، لمحت عيناي إحداهن و هي سيدة عجوز ، في عينيها جرح عميق و غائر قد ملء بمستحضرات أعشاب طبية . لا اخفيكم كذلك دمعة ام استسلمت لمرض السرطان لفقرها و حاجتها لأنها لم تجد ما تسد به رمقها فغادرت عالمنا البئيس إلى دار البقاء تاركة طفلة في عمر الزهور تواجه الشقاء . لن أنسى و اذكر كذلك بالذي اختار الموت البطيء و مصارعة مرض القصور الكلوي المزمن بعد ان خانته كليتاه ، ولم يجد ما يسد به رمقه و بنيه و ما بالك ب 800 درهم ثمن حصة لتصفية الدم .
إن واقع الفقر حيث هو فقر ، أقل أثر من كونه فقر مرتبط بعوز جسدي ، من دون معيل ولا دعم حقيقي ، في مجتمع فقد قيمه الدينية بعد ان صار يمجد قبور الأولياء ، و فقد قيمه الأخلاقية و الهوية الحضارية بعد أن تضاءل حظه من الحصول على تعليم جيد يكفل له النصيب الأوفر في الحياة . في مجتمع جمعياته صارت تتهافت على الدرهم و الدينار ، ناسية أو متناسية روح العمل الجمعوي النبيل الذي يكمن أساسه في التفاني و الإخلاص لخدمة الأخر من دون هدف مادي .
و من هذا المنطلق و المنظور ، و جب إعادة النظر في اللجان الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، و ترتيب أوراقها و تطعيمها بأطر جمعوية ذات كفاءة تعطي رؤية و وجهة نظر تمكن من مناقشة ووضع حلول ، بدل لعب دور المأموم بقول "آمين"، مما يساهم في اقتراح دراسات مشاريع مدرة للدخل ، تساهم فيها كل الأطراف تستفيذ منها الفئات الفقيرة ، في كافة المجالات مهم صغر حجم المبادرة فقد تكف المرء عن السؤال ، وقد انصح بالكف عن منطق البيروقراطية و انتظار ، و تعويضه بالعمل الميداني ما دامت
الوسائل اللوجيستكية متاحة ، حيث ستمكن من الإطلاع عن قرب على حالة المستفيدين و إمكانية تتبع المشاريع (...).
ومع حلول موجة البرد القارس التي تجتاح بلادنا في الأيام المقبلة ، خصوصا في مناطق المغرب العميق ، وجب تحمل المسؤوليات من طرف المجالس الجهوية و الإقليمية و المحلية و السلطات المحلية و المؤسسات العمومية و الشبه عمومية والخاصة ، لتوفير المساعدات الغدائية والأغطية و الملابس للاطفال و المشردين و عابري السبيل ، بالإضافة إلى الأسر التي تلازم منازلها ، تحسبهم أغنياء من التعفف .
رحم الله عمر ابن عبد العزيز حين سألوه ان يأمر للبيت الحرام بكسوة : فقال إني أرى أن أجعل ذلك في أكباد جائعة فإنها أولى بذلك من البيت ، ومن كرم العرب أيضا ما ذكره الحطيئة و صوره في قصيدة جميلة : مادحا أحدهم بالكرم والعطاء
يا أبت اذبحني ويسر له طعما
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا
يظن لنا مالا و يوسعنا به دما
إذا كانت هذه مكارم العرب كما جاء في الأبيات الشعرية، فلا أدري من أين لكم بهذا الشح والجوع إن كنتم حقا عرب. إن تمويل مهرجانات عالمية بأموال طائلة ، و ضخ ميزانيات كبيرة لاستقبال المهاجرين في مرحبا في كل صيف كل عام ، من أموال تبرع بها المواطنون لخدمة اللاتي متن من أجل كيس من دقيق ، لا يسعني إلا أن أقول فل ترقدن بسلام بعيدا عن هذا العالم المليء بالتعاسة .