لا يتجاوز تاريخ ظهور الإنسان حسب قصة الخلق الدينية 8000 سنة؛ في حديث ابن زمل الجهني أنه قال للنبي : رأيتك على منبر فيه سبع درج، و أنت على أعلاها. فقال: الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا؛ أخرجه الطبراني وأورده الفريابي في كتاب دلائل النبوة؛ ورغم أن ابن حجر والهيثمي والألباني شككوا فيه معتمدين على ابن الحيان الذي اشتبه في الإسناد، فإن الفريابي أورد أيضا أحاديث أخرى تشير لنفس المدة. اختلف الفقهاء والمهتمون بالحديث في حساب تاريخ ظهور آدم على الأرض، فعند الطبري لا يتجاوز 5000 والسيوطي 7000 وهناك من ذهب بالحساب ل10 آلاف سنة، وحتى 40 ألف لدى أصحاب الإعجاز وألاعيب الخفة بالآيات والأحاديث لجر المدة نحو 100 ألف؛ سخرية الموقف أنه حتى لو اعتبرنا أن تاريخ آدم يصل لمئة ألف سنة، فإن ما تم اكتشافه قبل يومين ينسف هذه البنية برؤاها وحساباتها. فقد تناقلت الصحف والمجلات والقنوات التلفزية خبر اكتشاف أقدم إنسان عاقل بالمغرب، فور إعلانه من قبل المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال، وجان جاك يوبلان من معهد ماكس بلانط للأنثروبولوجيا المتطورة بألمانيا، حيث أميط اللثام عن بقايا عظام إنسان ينتمي لفصيلة الإنسان العاقل البدائي، مرفوقة بأدوات حجرية ومستحثات حيوانية بموقع جبل إيغود، بإقليم اليوسفية، جهة مراكش تانسيفت.
المشكلة هو أن هذا الإنسان العاقل أقدم من آدم بآلاف آلاف السنين وهناك دلائل على وجوده، بعكس آدم الذي يملأ مئات الكتب والمخطوطات عن حياته وطريقة عيشه بالتفصيل، دون دليل مادي واحد يتعلق به أو يشير بتأكيد ملموس لطريقة عيشه.
وبالعودة لهذا الإنسان فقد تم تحديد تاريخ تواجده على الأرض لما يزيد عن 300 ألف سنة، وذلك بواسطة التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، وبالتالي فإن هذه العظام تعد أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة إلى اليوم، إذ يفوق عمرها عمر أقدم إنسان عاقل تم اكتشافه إلى الآن بحوالي 100 ألف سنة.
هذه الجماجم وعظام الأطراف والأسنان التي تخص خمسة أفراد من بينهم مراهق وطفل في الثامنة من عمره، شبيهة بنظيراتها في الإنسان المعاصر لكن الجمجمة الممدودة أظهرت أن الدماغ احتاج مزيدا من الوقت ليتطور إلى شكله الحالي. وقال جين-جاك هابلين الباحث في معهد ماكس بلانك الألماني للأنثروبولوجيا : “تعرض هذه المادة أصل جنسنا”.
بذلك فهذا الاكتشاف يسلط الضوء على منطلق وجودي يرتبط بظهور الإنسان على وجه الأرض من خلال رؤية أكثر تباثا وعقلانية.
بقلم : حمودة إسماعيلي - باحث و مؤلف كتب في العلوم الإنسانية