الكلّ تفاجأ بقرار قطع دول الخليج علاقاتها مع قطر في لحظة واحدة ،حيث حُوصرت هذه الأخيرة برّاً وجوّاً وبحراً والتّهمة المعلن عنها من طرف هذه الدول هي تهمة الإرهاب الذي تدعمه قطر على حدّ زعمهم . هذا القرار المفاجئ لا شك أنّه ليس وليد اليوم والدول التي اتّخذت قرار المقاطعة يبدو أنّها كانت تهيّئ لذلك قبل شهور، وربّما قبل سنوات وليس الآن. قصّة الخلاف بين قطر بدأت مع بروز ثورات الربيع الديمقراطي التي عصفت بالعديد من الأنظمة، حيث كانت دول الخليج غاضبة من الدعم القطري لهذه الثورات، وخاصّة الدعم الإعلامي عبر قناة الجزيرة الفضائية التي كانت سنداً للشّعوب في التّخلص من الاستبداد .
زعماء السّعودية والإمارات والبحرين لم يستوعبوا توجهات قطر نحو دعم ثورات الشعوب العربية وشعوب دول المغرب الكبير ، فما كان منهم إلاّ أن اخترعوا تهمة الإرهاب بمباركة أمريكا وإسرائيل لردع قطر الدّاعم الوحيد للشّعوب المظلومة ،وانضمام مصر إلى هذا التّحالف هو خير دليلٍ على وجود نيّة مبيّتة لدى حكام هذه الدّول بإعلان الحصار على دولة قطر وربّما إعلان الحرب عليها من يدري في الأيام القادمة.
قطر دعمت الشّعوب المظلومة التي انتفضت ضد الطغاة ،دعمت الفلسطينيين واستقبلت قادة المقاومة، وساهمت في إعمار ما تمّ تدميره في الحروب الإسرائيلية على غزة، وهذا أقلق كثيراً أمريكا وابنها المدلل إسرائيل فسارعت إلى إقناع دول الخليج بتخوين قطر مقابل أن تحافظ أمريكا على عروش هؤلاء الحكام.
يبدو أن زيّارة ترامب إلى المملكة العربية السّعودية لم يكن الغرض منها فقط حلب السعودية كما قال ترامب عبر الحصول على 460 مليار دولار، بل هناك نية أخرى وهي القضاء على السّند الوحيد للفلسطينيين عبر الهجوم على قطر ومحاولة إضعافها والضغط عليها من أجل التّخلّي عن دعمها المتواصل للفلسطينيين بعد أن تنكّرت لهم كل الدول .
لا نستبعد أن تشنّ دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية الحرب على قطر، ولا نستبعد أن تنضاف إليها دول أخرى ستشارك المملكة في عدوانها كما شاركتها من قبل ، فإذا كانت هذه الدول قد تدخّلت من أجل إفشال ثورات الربيع الديمقراطي في مصر بعد أن ضخّت المليارات لقتل الشّعب المصري، وإذا كانت قد ساهمت بشكل كبير في إفشال ثورة ليبيا ودعم الثورة المضادة، فإنّنا لا نستبعد أن تدخل في حرب عسكرية مع قطر والتفكير في تغيير النظام عبر الإنقلاب العسكري، وهذا واضح من خلال الحملات الإعلامية التي تشنها قنواتها الإعلامية والتي تظهر بما لا يدع مجالا للشك أنّ الوضع سيزداد تعقيداً وأنّ ما يطبخ في الكواليس قادر على أن يشعل نار الفتنة في المنطقة من يدري.
الدّول التي تحكم شعوبها بالنّار والحديد والتي تحكم شعوبها إلى ما لا نهاية، لا تريد دولةً تدعم الشّعوب للانعتاق من الاستعباد، ولا تريد دولةً تحاضر في الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن يفعل ذلك فسيواجه تُهماً ثقيلة، وما واجهته قطر من حملة شعواء يُظهر حجم الحقد الدفين الذي يُكنّه بعض قادة الخليج لكل من يطمح في التغيير . للأسف الشديد ما واجهته قطر من أشقائها من حصار فجأة وفي ظرف وجيز لم تواجهه دولة الاحتلال الصهيوني التي اغتصبت الأرض والوطن والتي ارتكبت المجازر في حق الفلسطينيين العزل، لم نسمع من هؤلاء ما يُدين إرهابهم ولم نر منهم ما يحمّلهم مسؤولية ما يرتكبونه من جرائم على مدى ستين عاما. آخر الدول التي يجب أن تفكّر في محاربة الإرهاب هي دول الخليج وخاصّة تلك التي اتّخذت مبادرة قطع علاقتها مع قطر لأنّها هي من ترعى الإرهاب وهي من تصنعه. الكل ضدّ الإرهاب سواء أكان من يدعمه غربيا أو عربيا، لكنّ المؤكد أنّ ما تعنيه الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر بالإرهاب هو الثورات التي أصبحت تُرعب حكّام الخليج ولا تريد من يفكّر في دعم أي شعب للتّحرر من القيود،فإذا كانت فعلا السّعودية تحارب الإرهاب، وحريصة على أمنها وأمن العالم كما تقول لما أعلنت الحرب على اليمن ،ولما شرّدت الملايين من أبنائه ،فهل هناك إرهاب أكبر من
التدخل في شؤون دولة ثم تخريبها عن بكرة أبيها ؟ هل هناك إرهاب أكبر من ذلك الذي مارسته السعودية عندما وأدت أحلام المصريين عبر دعم عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلابا عسكريا ذهب ضحيته الآلاف من المصريين؟ قادة السعودية والإمارات والبحرين ومن سار على دربهم قد يفعلون المستحيل من أجل عروشهم ،والويل لمن فكّر من الدول في دعم الديمقراطية في بلاده، حتى لو كان من الأشقّاء، لأنّ جميع هذه الدول تحكمها ديكتاتوريات لا تريد للديمقراطية أن ترى النور .
هكذا هي أحوال العرب يتحالفون على أشقائهم ويتدخلون في شؤون بلدانهم ،وفي المقابل يقدّمون ثروات الشعوب لأمريكا ويوشّحون قادتها بالأوسمة كلّ ذلك في سبيل الحفاظ على الكراسي التي كانت سبباً في كلّ المآسي. يبدو أنّ أحوال العرب لن تتغيّر وغريزة التخريب هي التي مازالت تحكم علاقات هذه الدول، فالعرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ،كما قال ابن خلدون