يتوجه السياح اﻷوروبيون الغربيون، هروبا من رتابة و صخب الحياة اليومية و إكراهاتها، هناك في الشمال، نحو الجنوب، إلى البلدان العربية، خاصة تلك الدول التي تنعم بقليل من اﻷمن و اﻹستقرار، و يدخلونها، بدون فيزا ولا إذن مسبق، "بصبابهم" و "سبرديلاتهم" و "نعايلهم" و و "كاطكاطاتهم" و "كارافاناتهم" و دراجاتهم العادية و النارية و على أرجلهم، ليس لأجل التجوال و التمتع بالمناظر الطبيعية فحسب ولكن كذلك من أجل استهلاك الحشيش و المخذرات المحلية من جهة، و من أجل الدعارة و السياحة الجنسية و ممارسة الشذوذ الجنسي و اغتصاب اﻷطفال من جهة أخرى، كما توثق لذلك أشرطة و تقارير صحفية أنجزها صحفيون إسبان و فرنسيون و هولنديون و ألمان و مؤخرا إيطاليون، بالصوت و الصورة، مع العلم أن الحكومات العربية و أجهزتها اﻹستخباراتية على علم بهذه الممارسات المنحرفة و الخطيرة، التي تساهم في نشر مرض السيدا و تشجيع استهلاك و تجارة المخذرات و تفاقم المعاناة النفسية للأطفال المستغلين جنسيا و عائلاتهم، إلا أنها لا تتدخل لمنعها و توقيف أصحابها، خوفا من أن يغير السياح "المحترمين"وجهتهم نحو تايلاندا أو ماليزيا أو الفيليبين، مثلا، و "باي باي دوفيز". بينما اﻹنسان العربي، إذا أراد أن يزور إحدى دول فضاء شنغن الجذابة هي أيضا، فلا بد له أن "يجري و يجاري و يطيح و ينوض" كي يجمع كل الوثائق التي تطلبها منه هذه الدول من وراء البحار، قصد تهيئ ملف الحصول على رخصة دخول شنغن: "الفيزا"، التي أذلت المواطن و الشباب العربي، بعد أن أهين وأذل من طرف حكامه بما فيه الكفاية. و من حضي طلبه بالقبول و رضيت عنه إحدى قنصليات دول شنغن و استبشر خيرا بحصوله على فيزا سياحية أو لزيارة عائلية مدتها 10 أيام، شهر واحد أو 3 أشهر إذا كان محظوظا، فذلك "يوم المنى" كما يقول المصريون، أو كمن زحزح عن النار و أدخل الجنة، أو كمن خلق من جديد. و لكن بعد امتطاء الطائرة أو الباخرة و الوصول إلى إحدى النقاط الحدودية لشنغن، تبدأ بعض اﻷجراءات و التصرفات المهينة و اللامحترمة تجاه القادمين من النصف الجنوبي للكرة اﻷرضية؛ من ذوي الشعر اﻷسود و البشرة السمراء، حيث لا تكتفي شرطة الحدود بمراقبة جواز السفر و التأكد من الفيزا إن كانت حقيقية أم مزورة، بل تطلب من هؤلاء سبب سفرهم، و عندما يعرفون بأنه من أحل السياحة أو زيارة العائلة يطلب منهم اﻹدلاء بشادة اﻹيواء أو شهادة الحجز بالفندق و شهادة التأمين خلال مدة السفر، إلى أن يأتي اﻹجراء اﻷكثر إهانة و احتقار؛ عندما يطلب من المسافر العربي التصريح بكم معه من المال و يبدأ الشرطي بعملية حسابية لمعرفة إن كان المبلغ كافيا لتغطية مدة أﻹقامة في بلاد العجم و إلا يتم إرجاع المعني باﻷمر إلى بلده اﻷصلي كشخص غير مرغوب فيه، و هو يجر ذيول الخيبة و اﻹهانة، خاصة إذا كان أستاذا حيث لا يساوي أجره الشهري الشئ الكثير مقارنة مع اﻷورو، مع العلم أن "الكاورية" تصرف على كلبها المدلل شهريا ما يعادل أو يفوق أجرة أستاذ عربي. بينما المثير للضحك و اﻹستغراب و التعجب و السخرية و الغرابة و التأمل و التساؤل هو أن الذين تمكنوا من العبور إلى الضفة اﻷوربية بطريقة سرية و غيرقانونية يفوق بكثير أولائك "السذج" الذين يحاولون دخول فضاء شنغن بطريقة شرعية، حضارية، قانونية، مربحة؛ تذر أرباحا على الدولة المستقبلة. بعد إجراءات الشرطة المستفزة، تتدحل الجمارك التي ستحول المسافر العربي و حقائبه رأسا على عقب، بحثا عن المخذرات أو المتفجرات أو أشياء أخرى ممنوعة. و كل من سمح له بدخول التراب اﻷوروبي و لم يرحل كبعضهم، تلاحقه النظرات الدونية و العنصرية من كل جهة و في كل مكان، في الشارع، في المقاهي و المطاعم، في اﻷسواق، في الميترو، في الحدائق، في اﻹدارات؛ و كل من قابله من بني "قوم عيسى" و شم فيه رائحة العروبة و اﻹسلام يتحاشاه و كأنه مصاب بالجذام أو الطاعون. لقد أصبح اﻷنسان العربي في نظر الغرب ذلك اﻹرهابي الذي يتربص بالنصارى أو تاجر المخذرات الذي يحاول نشر هذه اﻵفة بين شباب أوروبا أو ذلك المتحايل الذي هاجر بلاده لﻹستفاذة مجانا من اﻹمتيازات اﻹجتماعية التي تقدمها القارة العجوز لأبنائها. لهذا سيبقى المواطن العربي في دول "الغربة" يلعن اليوم الذي ولد فيه عربيا مسلما.