بعد مرور ست(6) سنوات على دستور 2011 ، كانت أمنيتنا التفرغ لتقييم حصيلة حكومة بنكيران المنتهية ولايتها. تقييم للتعرف على حصيلة الحكومة بشفافية وموضوعية والتمكن من تقويم الإختلالات المحتملة بالنسبة للحكومة القادمة. وكم تمنينا أن يتحول المغرب كله إلى "ورش كبير" لمدة أسبوع (أقل أو أكثر) يشارك فيه كل المغاربة لتقييم عمل وحصيلة الحكومة، لكن كذلك لتقييم عملنا ومنجزاتنا، كل حسب موقعه. وهكذا سنشارك جميعا في صياغة التقارير بشكل واضح وموضوعي لتكوين رؤية دقيقة وملموسة حول الجوانب السياسية والإقتصادية والمالية والإجتماعية. ولا يمكننا إغفال التقارير الدولية، حكومية أو غير حكومية، وتقارير المؤسسات الرسمية: المجلس الأعلى للحسابات، المندوبية السامية للتخطيط، بنك المغرب، المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي،... وإذا كان المغرب تأخر في التعليم (نصف قرن) ومستوى المعيشة وخلق فرص الشغل، في عهد حكومة بنكيران (مقارنة مع دول في الشمال الإفريقي)، حسب تقرير البنك الدولي، فما علينا إلا أن نثبت العكس والكف عن تغطية الشمس بالغربال. وبعد تقييم حصيلة الحكومة وحصيلة إنجازاتنا "الفردية"، لا يمكننا إغفال الدستور: مدى تنزيل مقتضياته وتفعيل المؤسسات الدستورية. ولا جدال في أن تأخير تنزيل الدستور، بعد ست سنوات من التصويت، قد يؤدي إلى فقدان ثقة المواطن وما يترتب عن ذلك. ونظرا لأهمية الحكامة الجيدة وعلاقتها بالمواطن، خصها الدستور بباب مستقل يتضمن 18 فصلا (الباب الثاني عشر). ______________________________________________ الجزء الأول: إصلاح التفتيش التربوي وربط المسؤولية بالمحاسبة : سبق لنا أن تناولنا موضوع إصلاح التفتيش التربوي بمجالاته الخمس (الإبتدائي - الثانوي - التوجيه التربوي - التخطيط التربوي - المصالح المادية والمالية) في سياق إصلاح المنظومة التربوية بجميع مكوناتها: التلميذ، الأستاذ، الإدارة التربوية، المسؤولون الإداريون محليا وجهويا ومركزيا. وبخصوص التفتيش التربوي، أكدنا وحذرنا، وربما بإطناب ممل، أنه لا يمكن أن نفكر في إصلاح المنظومة التربوية باستعمال أساليب إضعاف وإقصاء هيئة التفتيش التربوي. إقصاء هدفه الإفلات من المراقبة والمحاسبة والمحافظة على المصالح الشخصية لبعض المفسدين. وبالطبع هؤلاء يريدون الإستمرار في محاسبة أنفسهم بأنفسهم. كما نبهنا أنه لا يمكن أن نتصور إصلاحا تربويا خارج السياق السياسي والإجتماعي والإقتصادي لبلدنا المغرب الذي اختار الإنطلاقة السليمة للإلتحاق بالدول الرائدة تكنلوجيا وصناعيا واقتصاديا. إن إصلاح المنظومة التربوية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مراجعة وتغيير آليات التفتيش، تماشيا مع فصول الدستور، لاسيما الفصلين 154و157 المتعلقين بربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام، علما أن دستور 2011 خص الباب الثاني عشر( من الفصل 154 إلى الفصل 171) للحكامة الجيدة. ولا يمكن كذلك إصلاح المنظومة التربوية دون الإستقلالية الوظيفية لهيئة التفتيش وعضوية المفتش في المجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، التي ينتمي إليها، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. وسنقترح، لاحقا، إجراءات مصاحبة لتقوية وتحصين المفتش التربوي للرفع من مستواه المهني، خدمة للشأن التربوي. أولا : الإستقلالية الوظيفية لهيئة التفتيش. الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، حسب الدستور، يقتضيان تقوية واستقلال أجهزة المراقبة والإفتحاص والتفتيش. عدم استقلالية جهاز التفتيش يتناقض كليا مع مقتضيات الدستور في الفصل 154(الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية)، ناهيك عن الفصل 157 المتعلق بالحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام. نحن هنا، في مجال التربية والتكوين، أمام مسؤوليات خطيرة تهم تربية وتكوين أجيال صالحة لقيادة سفينة بلدنا في الإتجاه الصحيح. إن استمرارعقلية هيمنة الإدارة على تسيير الشأن العام ووضع التفتيش (الجهاز الرقباتي) تحت سيطرتها سيؤدي إلى كارثة (لا قدر الله) لا مخرج لها. ولا خيار لنا من ربط المسؤولية بالمحاسبة لأن "جسم بلدنا" أصبح يئن، في حالة احتضار، من نزيف النهب واختلاسات المال العام والتبذير و سوء التسيير. صورة قاتمة، بل سوداء قاتمة، لما وصل إليه بلدنا. نزيف الإختلاسات عم المؤسسات التالية: الشركة المغربية للملاحة، البنك الوطني للإنماء الإقتصادي، الصندوق الوطني للقرض الفلاحي، مكتب المطارات، البنك الشعبي، المكتب الوطني للنقل ومؤسسات عمومية أخرى... القرض العقاري والسياحي، غنيمة اقتسمها 52 زبونا بما فيهم "علي بابا". إنه "علي بابا من الطراز المغربي و 52 حرامي" (وليس علي بابا والأربعين حرامي)، وهنا تكمن "العبقرية المغربية". سرقة 11 مليار درهم (فقط)، أو سرقة تكلفة محور الطريق السيار ما بين فاس ووجدة (320 كلم). أما الكارثة العظمى (ولا كارثة قبلها ولا بعدها) فهي نهب ما يزيد عن 115 مليار درهم (تحويل إلى الدولار الأمريكي) من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. ولنسأل وزارة التجهيز عن طول محور الطريق السيار الممكن بناؤه بمبلغ 115 مليار درهم ...(حوالي 000.4 كلم) ولنسأل وزارة السكنى كم من سكن إجتماعي يمكن تشييده بهذا المبلغ الضخم (000.75 سكن اجتماعي) (فقط)، وهكذا يمكننا أن نتساءل ما يمكن تحقيقه بهذا المبلغ للقضاء على البطالة أو تنمية الجهات المهمشة أو... إنه نهب لأموال الشعب ومع ذلك يصر الفاسدون والمفسدون على الهيمنة على الجهاز الرقباتي (التفتيش) وتعطيل ما نص عليه الدستور من الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام وربط المسؤولية بالمحاسبة. ثانيأ : العضوية في المجالس الإدارية لأكاديميات التربية والتكوين. إعادة النظر في تركيبة المجالس الإدارية لأكاديميات التربية والتكوين، حيث يلاحظ تغييب وإقصاء هيئة التفتيش، علما أن مفتش التعليم له مهام وأدوار أساسية في المنظومة التربوية: تأطير، تكوين، تتبع، تقويم، مراقبة، تفتيش، أبحاث تربوية... كيف يمكن، إذن، اختزال كل هذه المهام في تمثيلية الهيئة بمفتش أو مفتشين في المجلس الإداري لكل أكاديمية جهوية؟ إن هذه التركيبة يشوبها خلل، منذ العمل بهذه المجالس، قد ينعكس سلبا على المنظومة التربوية. المجالس الإدارية للأكاديميات الحالية، المركبة من ممثلي عدة وزارات، صورية وشكلية، ولا يمكنها أن تترجم مفهوم اللامركزية واللاتركيز بإقصاء وإبعاد أطر التفتيش التي تعتبر الركيزة الأساسية للنهوض بقطاع التعليم. إن مراجعة وتغيير "مرسوم رقم 2.12.334 صادر 16 من شوال 1433 (4 سبتمبر 2012) بتغيير المرسوم رقم 2.00.1016 الصادر في 7 من ربيع الآخر 1422 (29 يونيو 2001) بتطبيق القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لاكتساب العضوية في المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين"، أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة، ونظرا للأدوار الأساسية التي يقوم بها المفتش داخل المنظومة التربوية، لا يعقل أن تكون عضوية المفتش (فقط بالنسبة للمفتشين التربويين للإبتدائي والثانوي: ممثل واحد عن كل مجال من المجالين) مرهونة بالإنتخاب والتمثيلية كباقي أعضاء المجلس. إن عضوية كل مفتش في التعليم في هذه المجالس لا يمكن الإستغناء عنها "بقوة القانون" (كما يقال). ولا يمكن، كذلك، إقصاء الفئات الأخرى من المفتشين: التوجيه التربوي، التخطيط التربوي والمصالح المادية والمالية. كل هذه الفئات تكون قوة فاعلة ومصيرية في منظومة التربية والتكوين، واختزال هذه الفئات لا يمكن أن يزيد الأمر إلا تعقيدا. ثالثا: العضوية في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. إذا كان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يعتبر مؤسسة دستورية لتوجيه وتقويم ومد الجسور بين مختلف المؤسسات والنهوض بالبحث العلمي، فلا يعقل تغييب وإقصاء المفتش في التعليم، "قطب الرحى" للمنظومة التربوية، مُكون ومُؤطر ومُتتبع...ل"مُكوني ومُربي ومُعلمي..." لأكثر من سبعة ملايين ونصف تلميذ وتلميذة، رجال ونساء الغد. إن تغييب وإقصاء أطر التفتيش يتم عبر آلية التمثيلية: مفتشين فقط لكل من التعليم الإبتدائي والثانوي. ومن خلال ذلك، يلاحظ أن سلكي الإعدادي والتأهيلي معا ممثلين بمفتش واحد فقط، حسب قانون المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. --------------------------------------------------- الجزء الثاني: النتائج المبتورة لمباريات ولوج مركز مفتشي التعليم ومناهضة إصلاح التفتيش التربوي. الجزء الأول: توطئة: في مقالات وندوات وأيام دراسية سابقة، أكدنا أنه لا يمكننا إصلاح التعليم دون "إصلاح التفتيش التربوي وربط المسؤولية بالمحاسبة". و"لتقوية وتحصين المفتش التربوي للرفع من مستواه المهني"، لا يمكننا إغفال مرحلة اختيار الأساتذة اختيارا دقيقا، وتكوينهم تكوينا متينا، لمزاولة مهنة التفتيش التربوي. والتكوين الأساس والتكوين الذاتي للمفتش التربوي لا يمكن غزلهما عن التكوين المستمر، لمسايرة التطور وتقييم ما تم إنجازه وتقويم الأخطاء المحتملة أثناء الممارسة. ولتحقيق جودة التعليم، لا يمكن تقزيم أو بتر إحدى مكونات التفتيش التربوي: التأطير والتكوين والتتبع والتقويم والتقييم والبحث والمراقبة والمحاسبة. لكن، عندما تتآمر قوى الفساد على التفتيش التربوي وتفرغه من اختصاصاته وتعرقل مسيرة الإصلاح التربوي، فلننتظر الأسوأ. إن شق المراقبة التربوية والإدارية والمالية (بالخصوص) هو الذي يزعج "العناصر" المناهضة لإصلاح التفتيش التربوي. يريدون تقييم ومراقبة أنفسهم بأنفسهم، ضدا على مقتضيات الدستور. وهذا ما يقومون به فعلا. وكأنهم يتشبثون بالإنتماء "إلى القضاء الجالس والقضاء الواقف" في نفس الوقت. أولا: الإعلان عن النتائج الكتابية المبتورة لولوج مركز تكوين المفتشين - دورة 15/16 يوليوز 2016. "عادت حليمة إلى عادتها القديمة" وفاجأتنا بنشر النتائج الكتابية المبتورة لولوج مركز تكوين المفتشين - دورة 15/16 يوليوز 2016. نتائج عبارة عن لائحة إسمية دون الإشارة إلى المعدلات المحصل عليها في الكتابي، مما يتناقض كليا مع مضمون المذكرات المنظمة لمباريات الدخول إلى مسالك تكوين المفتشين. هذه المذكرات تنص بالحرف على ما يلي: "لا يتأهل لاجتياز الإختبار الشفوي إلا المترشحون الذين حصلوا على معدل عام يساوي على الأقل 10 من 20 في الإختبارات الكتابية". إنها أكثر من مفاجأة بالنسبة لكل غيور ومهتم بإصلاح ورش التربية والتعليم وإنه "أقوى" من استخفاف بعقولنا وملاحظاتنا وتحدي واضح لمقتضيات وروح دستور 2011. ولا يمكننا إلا أن نكرر ونطنب ما كتبناه ونشرناه سابقا: الواقع، على امتداد تاريخ تكوين مفتشي التعليم، غالبا ما تخرق الوزارة القانون بالسماح لمترشحين لم يحصلوا على معدل 20/10 في الكتابي، لاجتياز الشفوي، بل أخطر من ذلك. ولم يكن في استطاعتنا قبل وبعد سنة 2012 الحصول على المعلومات اللازمة للقيام بدراسة وقراءة بسيطة حول نتائج مباراة تكوين مفتشي التعليم، فكانت تقع أمور غريبة وفظيعة على امتداد تاريخ المباريات والامتحانات، تتسم بالفساد والمحسوبية والزبونية. إعلان ونشر النتائج كاملة للعموم يعتبر إشارات قوية وإيجابية وتربوية وديمقراطية لوزارة التربية الوطنية في عهد وزيرها الوف.ا وكالعادة، بطرق غير مباشرة، تأكد لنا أنه سمح لبعض المترشحين الذين لم يحصلوا على معدل 10 من 20 باجتياز الشفوي، خرقا للنصوص التشريعية والمذكرات صحبته. ثانيا : إصلاح التفتيش: الجزء الثاني الإعلان عن النتائج الكتابية المبتورة لولوج مركز تكوين المفتشين (2015) والتدابير ذات الأولوية تفاجأنا كما تفاجأ جميع الغيورين والمهتمين بالشأن التربوي بالإعلان الناقص والمبتور لنتائج الإختبارات الكتابية لمباراة ولوج مركز تكوين المفتشين في التعليم (2015). تم الإعلان عن أسماء الناجحين، كما هو مبين صحبته، دون الإشارة إلى المعدل المحصل عليه في الإختبارات الكتابية لجميع المجالات والتخصصات: إبتدائي، مصالح مادية ومالية، ثانوي : اللغة العربية، اللغة الفرنسية، اللغة الإنجليزية، الفلسفة، التربية البدنية، التربية الإسلامية. إن قراءة موجزة في النتائج الكتابية لمباراة ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم (2015) ، تقتضي وتحتم علينا دق ناقوس الخطر لكي لا يتكرر خرق القانون ويضرب بعرض الحائط المذكرة التنظيمية رقم 15-092، الصادرة بتاريخ 21 يونيو 2015، المستندة إلى المرسوم المنظم والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5700، سنة 2009. هذه المذكرة تنص على أن " لا يتأهل لاجتياز الإختبار الشفوي إلا المترشحون الذين حصلوا على معدل عام يساوي على الأقل 10من 20 في الإختبارات الكتابية". ولم نستطع الحصول على النتائج كاملة بشقيها الكتابي والشفوي للقيام بدراسة بسيطة للمساهمة في إصلاح المنظومة التربوية، كما فعلناه سابقا سنة 2012. لم نستطع الحصول رسميا على معدلات الإختبارات الكتابية رغم جميع المحاولات، لكن بطرق غير رسمية تمكنا من ذلك ليتأكد لنا خرق القانون: السماح باجتياز الاختبار الشفوي لمترشحين غير حاصلين على معدل 10 من 20. كما تم إهمال الإعلان عن تخصص التوجيه التربوي والتخطيط التربوي وكأن المنظومة التربوية في غنى عن هذين التخصصين، علما أن الوزارة خصصت، حسب الإعلان صحبته، 220 مقعدا للتعليم الإبتدائي و 180 مقعدا للتعليم الثانوي (30 مقعدا فقط لكل تخصص من التخصصات الستة) و 60 مقعدا للمصالح المادية والمالية. أما التخصصات الأخرى (رياضيات، علوم فيزيائية، علوم الحياة والأرض، وتخصصات أخرى أساسية)، فكأننا نتوفر على العدد الكافي من المفتشين والمؤطرين في هذه التخصصات، وكأن الأمور على أحسن ما يرام في المنظومة التربوية، وكأن" تحقيق " التدابير ذات الأولوية (تسمية وزارة بلمختار) ليست في حاجة إلى التخصصات الأخرى وإلى مزيد من المقاعد للتعليم الإبتدائي. كيف يمكن، إذن، لوزارة بلمختار أن تجعل المخطط الإصلاحي الثلاثي (التعليم الأولي - التعلمات الأساسية - اللغة) ركيزة، بل من "التدابير ذات الأولوية" ، وفي نفس الوقت، تهمل تكوين مفتشين- مؤطرين في جميع المجالات والتخصصات مع تخصيص مقاعد كافية للوصول إلى الهدف؟ علما أن تخصيص هذه المقاعد لا يتطلب غلافا ماليا مهما، بل في أغلب الحالات يتطلب، ذلك، فقط تغيير الإطار. وللإشارة، فالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لم يفدنا بشيء جديد لإنقاذ المدرسة المغربية من السكتة القلبية ، كل ما "جادت به قريحته" حول "التدابير" التي تبنتها الوزارة هو "إطناب وإعادة نشر" مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الإستعجالي... وليس هناك أي جديد. وقد سبق لنا أن نبهنا وحذرنا من اتخاذ القرارات الإرتجالية والمجحفة القاضية بإبعاد وتهميش أطر التفتيش (ذوو الإختصاص) من العضوية والمشاركة الحقيقية والفعلية في اقتراحات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، مع " إغراق" هذا المجلس بأعضاء لا علاقة لهم بالتربية والتكوين والبحث العلمي. قرارات مبنية على حسابات ضيقة لاستمرار إطار التفتيش في لعب دور "أداة تنفيذ للإدارة"، الشيء الذي يتناقض ويلغي مقتضيات الدستور: "الحكامة الجيدة" و"ربط المسؤولية بالمحاسبة". إن المدرسة المغربية، في مرحلتها الحالية (حالة احتضار)، في حاجة إلى "تفعيل وربط المسؤولية بالمحاسبة"، وليس ل"تشخيص وإطناب وإهدار المال العمومي، وقتلها بحماية وتشجيع جبروت وطغيان التعليم الخصوصي وتعليم البعثات. ثالثا : قراءة في نتائج مباراة ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم لسنة 2012. ارتباطا بموضوع "إصلاح التفتيش التربوي وربط المسؤولية بالمحاسبة- الجزء الأول" (صحبته)، الذي أشرنا في مقدمته إلى "إجراءات مصاحبة لتقوية وتحصين المفتش التربوي للرفع من مستواه المهني، خدمة للشأن التربوي"، نقدم دراسة مختزلة حول مرحلة من مراحل اختيار أساتذة لتكوين مفتشي التعليم في جميع المجالات: إبتدائي، ثانوي، تخطيط تربوي، توجيه تربوي، مصالح مادية ومالية. ولا يمكننا، هنا، إلا أن ندق ناقوس الخطر للخروقات وضعف الآليات المتبعة لاختيار متبارين قصد ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم. وللإشارة تم اختيار فوج سنة 2012 الذي أنهى تكوينه، النظري والميداني في يونيو 2014. ولا يمكننا أن نفكر في إصلاح حقيقي للتفتيش التربوي بالإقتصار على مرحلة الإختيار- المباراة، دون دراسة عميقة للتكوين النظري والميداني للطالب المفتش ودون التطرق لعزوف جل الأساتذة (خاصة السلك الثانوي)عن المشاركة في مباراة الدخول إلى مركز تكوين المفتشين. إن عدم الإهتمام بأسباب العزوف (غياب التحفيزات، عدم وجود نصوص تشريعية واضحة تحدد مهام المفتش التربوي، مشكل الترقيات، مشكل التعيينات،...) قد يجعلنا أمام مشكل (وإشكالية) حقيقي، له انعكاسات خطيرة على التلميذ والأستاذ والإدارة التربوية، كما تبين ذلك هذه الدراسة الموجزة. إن قراءة موجزة في النتائج النهائية لمباراة ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم، الصادرة عن وزارة التربية الوطنية يوم 19 يوليوز 2012، تقتضي وتحتم علينا دق ناقوس الخطر لكي لا يتكرر خرق القانون وضرب بعرض الحائط المذكرة التنظيمية رقم 183-12، الصادرة بتاريخ 21 مايو 2012، المستندة إلى المرسوم المنظم والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5700، سنة 2009. هذه المذكرة تنص على أن " لا يتأهل لاجتياز الإختبار الشفوي إلا المترشحون الذين حصلوا على معدل عام يساوي على الأقل 10/20 في الإختبارات الكتابية". سلك التعليم الثانوي التأهيلي: نحن هنا لسنا فقط أمام خرق للقانون بالسماح ل45 مترشحا (التعليم الثانوي التأهيلي) لم يحصلوا على معدل 20/10 في الكتابي، لاجتياز الشفوي،بل أخطر من ذلك. أولا: كيف يمكن لمرشح دون مؤهلات معرفية وبيداغوجية أن يقوم بمهام التفتيش، بعد سنتين من التكوين، من تأطير وتكوين وتتبع وتأليف ومراقبة...؟ إن "فاقد الشيء لا يعطيه" والسقيم معرفيا وديداكتيكيا لا يمكن أن ينتج عنه إلا السقامة والركاكة والضعف والرداءة... ولا يمكن أن يترتب عن ذلك إلا ضعف المستوى، سواء عند الأستاذ أو التلميذ أوالإدارة التربوية. ثانيا: نحن هنا أمام معضلة حقيقية تجعلنا نطرح السؤال الآتي: ما جدوي وجود مديرية الشؤون القانونية؟ هناك خلل ما...؟ هل كان على هذه المديرية إثارة الإنتباه تلقائيا قبل خرق القانون، أم أنه لم يتم العمل بملاحظتها كما يقع في حالات أخرى تهم مجال التفتيش والتأطير والمراقبة، أم أن ذلك دليل على عدم التنسيق والإستشارة بين جميع المصالح، كما يحدث محليا وإقليميا وجهويا في شتى المجالات؟ ثالثا: كيف تعاملت اللجان المشرفة على المباراة مع هذا الخرق السافر والواضح للقانون؟ هل هي جاهلة للنصوص المنظمة للمباراة؟ وفي هذه الحالة تكون اللجان غير مؤهلة وهنا معضلة أخرى وليدة المعضلة الأولى... أم أن اللجان سكتت على خرق القانون؟ وهنا نكون أمام معضلة أخرى: المشاركة في خرق القانون ولا اجتهاد مع النص. إنها آفة تربوية لها امتدادات في المجتمع كله، أفقيا وعموديا، نظرا للدور الحساس والخطير المناط بوزارة التربية الوطنية لتكوين مواطن الغد في مستوى المسؤولية. ويظهر جليا من خلال هذا الجدول خرق القانون في المذكرة الوزارية رقم 183-12 بخصوص مباراة الدخول إلى مسلك تكوين المفتشين التربويين للتعليم الثانوي التأهيلي من الدرجة الأولى دورة 2012. المادة : الحاصلون على أقل من 10/20 في الكتابي : العلوم الفيزياء 12 الرياضيات 02 علوم الحياة والأرض 12 الفلسفة 10 اللغة الفرنسية 07 اللغة العربية 60 التربية الإسلامية 05 ____________________ المجموع: 45 _____________________ الناجحون نهائيا في هذه المواد: 92، مما يدل على أن نصف حالات النجاح "بنيت" (بضم الباء) على خرق القانون، الشيء الذي له انعكاسات سلبية على الأستاذ والتلميذ والإدارة التربوية، كما سبق الإشارة إلى ذلك. قراءتنا هذه جد مختصرة وليست بدراسة مفصلة حول النتائج صحبته، حيث لم نرتكز على الأدوات اللازمة لتقييم النتائج: الفارق المعياري أوالتشتت، معامل الإرتباط، اختيار الأسئلة وأدوات أخرى. (Ecart type: pour voir la dispersion des moyennes à l'écrit et à l'oral. Correlation linéaire: écrit/oral. Choix des items...Tableau de spécification)... بالرجوع إلى النتائج يلاحظ ما يلي: التربية الإسلامية: الناجحون نهائيا:21، منهم سبعة(7) مرشحين فقط حصلواعلى المعدل في الكتابي، أول معدل الكتابي: 13.75، مما يفند ويبطل الرأي القائل بأن هذه المادة "في متناول الجميع وسهلة التحصيل والتدريس". اللغة الفرنسية: الناجحون نهائيا:10، منهم ثلاثة(3) مرشحين فقط حصلوا على المعدل في الكتابي، أول معدل في الكتابي: 10.25، مما يدل على المستوى الضعيف، إن لم نقل المتدني، في لغة موليير. العلوم الفيزيائية : مرشح واحد(1)فقط حصل على المعدل 12.42 في الكتابي من الناجحين نهائيا(13). وهنا علينا أن ندق ناقوس الخطر أكثر من مرة. علوم الحياة والأرض : ثلاثة(3)مرشحين فقط حصلوا على المعدل في الكتابي من مجموع الناجحين نهائيا:15، أعلى معدل الكتابي: 11.83، نلاحظ هنا مستوى هزيلا في هذه المادة. الرياضيات : مرشحان(2)حصلا على أقل من المعدل في هذه المادة من مجموع عدد الناجحين: 15، أول معدل في الإختبار الكتابي: 14.83، أي نفس المعدل المسجل في السلك الإبتدائي، مما يدل على المستوى المستحسن لمدرسي هذه المادة. اللغة العربية : ستة(6)مرشحين من الأساتذة لم يحصلوا على المعدل في الكتابي من بين الناجحين نهائيا: 19، أول معدل في الإختبارات الكتابية: 13، مما يدل على أن لغة الضاد ليست بمادة في متناول الجميع بدون كد وبحث وعناء. مادة اللغة الإنجليزية : جميع الأساتذة الذين حصلوا على المعدل في الكتابي(10)، حصلوا كذلك على المعدل في الشفوي. أول معدل في الكتابي:13.58 وأول معدل في الشفوي:18. من خلال ذلك، نلاحظ أن مستوى الأساتذة في لغة شكسبير جيد ولا يدعو إلى القلق. المصالح المادية والمالية : ليس كل من حصل على المعدل في الكتابي ، حصل كذلك على المعدل في الشفوي. ثلاثة(3)مرشحين من الناجحين في الكتابي(13)لم يحصلوا على المعدل في الشفوي، ورغم ذلك كانوا من بين الناجحين نهائيا. السلك الإبتدائي : نفس الملاحظة الخاصة بالمصالح المادية والمالية. الناجحون نهائيا :61. 14 مرشحا من بين الناجحين نهائيا حصلوا على أقل من المعدل في الشفوي، أضعف معدل في الشفوي: 6، مما يجعلنا نتساءل: هل الأمر يتعلق بالمرشح أو المكلف بالإختبار؟ التوجيه والتخطيط التربوي : الناجحون نهائيا حصلوا على المعدل في الإختبارات الكتابية، لكن نلاحظ عدم إصدار مذكرة وزارية مدققة ومفصلة كما هو الشأن بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي والتعليم الإبتدائي والمصالح المادية والمالية. كل ما لدينا مجرد "إعلان عن إجراء مباراة"، يتلخص في شروط وملف الترشيح والمذكرة 117-12، الصادرة في 20 أبريل 2012 والتي تنص على ما يلي: "تشتمل هذه المباراة على اختبارات كتابية...". نلاحظ بالنسبة لبعض التخصصات أن المعدلات المحصل عليها في الشفوي أعلى بكثير من المعدلات المحصل عليها في الكتابي، وكأننا أمام "مد يد المساعدة" لتكوين مفتشين في تخصص ما كحالات اللغة الفرنسية والعلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض واللغة العربية والتربية الإسلامية والرياضيات(نسبيا). لكن لم يكن في استطاعتنا قبل سنة 2012 الحصول على كل هذه المعلومات والقيام بهذه القراءة، فكانت تقع أمورغريبة وفظيعة على امتداد تاريخ المباريات والإمتحانات، تتسم بالفساد والمحسوبية والزبونية. وإعلان ونشر النتائج للعموم يعتبر إشارات قوية و إيجابية وتربوية وديمقراطية لوزارة التربية الوطنية في عهد وزيرها الوفا، لكن كلنا نطمح إلى ما هو أجدى وأفضل. ملاحظة : الجزء الثالث من إصلاح التفتيش التربوي سيتناول محوري التكوين النظري والميداني للطالب المفتش وأسباب عزوف الأساتذة عن المشاركة في مباراة الدخول لمركز تكوين المفتشين.